زيلينسكي يتجرأ على القيصر الروسي: أريد قتل بوتين (فيديو)    الناتو يعتزم تعزيز وجوده في الشرق الأوسط وأفريقيا بذريعة "السلام"    جنة عليوة: شهد كانت تقصد إيذائي بنسبة 100%.. ولم أعود لممارسة اللعبة حتى الآن    ظهرت الآن.. رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2024 محافظة الشرقية    العربية باظت، طليق بوسي يكشف تفاصيل الحادث المروع لسيارته وحالته الصحية (صور)    موعد مباراة الأهلي وبيراميدز في الدوري المصري المؤجلة والقناة الناقلة    يورو 2024 - فان دايك: من الصعب تقبل ذلك.. وتحطمت أحلامنا    مباشر كوبا أمريكا - أوروجواي (0)-(0) كولومبيا.. بداية ثاني مباريات المربع الذهبي    حقيقة مشاركة الزمالك في دوري السوبر الأفريقي    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 11 يوليو 2024    قوات الاحتلال تنسف مباني سكنية وسط مدينة رفح الفلسطينية جنوبي قطاع غزة    الأربعاء المقبل.. محمد هنيدي ضيف برنامج بيت السعد (فيديو)    طريقة عمل المكرونة وايت صوص، أكلة المطاعم الشهيرة    صحتك في «التغذية العلاجية»    محافظ الشرقية الجديد: مهمتنا تحقيق أهداف الدولة (فيديو)    صحيفة: الإدارة الأمريكية سترسل جزءا من شحنة الأسلحة المعلّقة لإسرائيل    «مستريحات» النصب نافسن الرجال في الجريمة    الكشف عن سبب تأخر بعثة سفر المنتخب الأوليمبي إلى فرنسا    أحمد سعد يروج لأغنيته مع إليسا "حظي من السما" غدا    59 عامًا على رائعة «الحرام» بين «تشيخوف العرب» وفاتن حمامة    جنرالات إسرائيليون: قواتنا تحتاج للتعافى قبل خوض حرب ضد لبنان    محمد رشوان يرد على نادر شوقي وعبد الظاهر السقا بشأن أزمة أحمد رفعت (فيديو وصورة)    احمد صيام يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان منذ 18 سنة (فيديو)    جيش الاحتلال يعلن انتهاء عملياته العسكرية ب أحد مناطق غزة    كيف تمتد «حبال الود» بين الحكومة والمواطن؟!    «العاملون عن بُعد» الأكثر تضررًا من انقطاع الكهرباء    بعد 5 ساعات من وقوع الجريمة.. كشف لغز مصرع خفير خاص بالمنيا    الحكومة تعلن وقف تخفيف الأحمال 15 يوليو الجاري    عاجل- الطماطم أغلى من المانجو.. ارتفاع متوقع في أسعار الطماطم خلال الأيام القادمة    "مستقبل وطن" يكشف تفاصيل برنامج "ريادة" لإعداد وتأهيل الشباب للعمل السياسي    وزير الثقافة يستعرض برنامج عمل الوزارة بمجلس النواب    بعد انصرافها من النيابة.. تطور جديد في أزمة شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب    آمال رمزي تكشف مفاجأة: «كان في منتج عايز يتجوزنى وأنا متزوجة» (فيديو)    أبرز مخرجات لقاء وزير الخارجية المصري ونظيره الأردني    ماكرون يطالب الأحزاب السياسية بتحالف واسع قبل تعيين رئيس وزراء جديد    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. إنجلترا تواجه إسبانيا في نهائي يورو 2024 وشهد سعيد تثير أزمة بتمثيل مصر بالأولمبياد    جريمة عائلية تهز العياط.. إمام مسجد يقتل ابن أخيه ليحرق قلب أمه (نص التحريات)    بسبب اللهو.. انتشال جثة طفل غرق في ترعة بالمنيا    مصرع وإصابة 6 أشخاص من أسرة واحدة في حادث سير بالمنيا    أسخن ليالى يوليو.. بيان عاجل بشأن حالة الطقس اليوم الخميس: ذروة الموجة الحارة    «كفر الشيخ» تستقبل لجنة تقييم مسابقة أفضل جامعة صديقة للبيئة    المستشار محمود فوزي: التواصل السياسي يأتي ضمن برنامج الحكومة لفتح قنوات مباشرة مع المواطنين    وليد قطب يكتب: رسالة إلى وزير الأوقاف    عضو ب "الوطنية للصحافة": انتهاء مدتي بالهيئة.. وأعضاء جدد قريبا    عرض التجربة المصرية فى «سياسات المنافسة والحياد التنافسي» خلال اجتماعات الدورة 22 لمنظمة الأونكتاد    المحفوظ بن بيه من هيروشيما: الذكاء الاصطناعي سبيل للسلام العالمي    حظك اليوم| برج الحوت الخميس 11 يوليو.. «احتضن أحلامك»    حدث بالفن| نجم يعتزل التمثيل وطليق نجمة يتعرض لحادث وحقيقة نقل شيرين لمصحة نفسية    حدث ليلًا| 3162 فُرصة عمل جديدة ب12 محافظة وشقيقة ملياردير أمريكي تزور الأهرامات    لطلاب الثانوية 2024.. تفاصيل الدراسة ببرنامج نظم معلومات الأعمال BIS بجامعة حلوان    شيوخ «الوفد» يطالبون بتصحيح المسار    رئيس شعبة الأدوية يحذر من «أدوية مضروبة» لعلاج الأورام    تعرف على فوائد عصير الأناناس في التخلص من البلغم العالق بالحلق    شيخ الأزهر يكشف عن أمنيته الأسمى "تعليم الأطفال القرآن الكريم"    أيهما أخطر الانحراف الأخلاقي أم الديني؟ خالد الجندي يجيب (فيديو)    جوهر الهجرة    سعد الدين الهلالي: جيل 1946 أضاف للفقه الإسلامي في أحكام المواريث    اللّهُمّّ يا مجيب الداعين احمي عقول أولادي.. دعاء الوالدين للابناء في الامتحانات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لجنة السياسات بين الجهل أو التجاهل لتاريخ مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 07 - 2009

تختلف مدارس فكرية وسياسية عديدة حول أهمية التاريخ فى الحياة المعاصرة للأمم وما إذا كان يلعب دورا فى تشكيلها وصياغة مستقبلها أم لا، وفى حالة الإجابة بنعم تتراوح التقديرات حول القدر الذى يلعبه فى هذا التشكيل وتلك الصياغة. والخلاف حول دور التاريخ وأحداثه الكبرى فى صياغة وتشكيل حاضر الأمم ومستقبلها له وجهان، أحدهما نظرى وهو يدور عادة بين المتخصصين حول مدى حضوره فى الحاضر والمستقبل، وفيه لا يذهب أكثر الاتجاهات تطرفا فى التقليل من أهمية هذا الحضور إلى حد نفيه تماما، فهو فى أدنى الأحوال حاضر بدرجة ولو ضئيلة ولكنه لا يغيب تماما. أما الخلاف الأكثر حدة وتعقيدا فهو ذو طابع سياسى إيديولوجى، حيث يدور بين فرقاء لكل منهم رؤيته الفكرية وخطه السياسى ونظرته لأحداث التاريخ الوطنى بما يتسق مع هذه الرؤية وذلك الخط، وهو ما يدفع بهم إلى تبنى تقديرات متباينة فيما يخص بعضا من تلك الأحداث سواء فيما يخص قيمتها التاريخية الإيجابية أو السلبية أو فيما يتعلق بأهميتها فى تشكيل حاضر الأمة وصياغة مستقبلها.
وقد عرفت مصر طوال عصرها الحديث منذ انتهاء تجربة محمد على عام 1840 بصور مختلفة هذين النوعين من الاختلاف حول أهمية التاريخ فى صياغة حاضرها ومستقبلها، إلا أن الأكثر استمرارا وتكرارا منهما كان دوما هو الخلاف الثانى السياسى الإيديولوجى بين مختلف القوى السياسية والفكرية والذى بدأ حول تقويم تجربة محمد على نفسها ومدى أهميتها فى تأسيس التاريخ الحديث لمصر وتأثيراتها بعد ذلك على مراحله المتعاقبة. وقد كانت أولى مظاهر هذا الخلاف الأكثر قوة وحدة هى تلك التى ثارت بعد فشل الثورة العرابية ووقوع الاحتلال البريطانى لمصر، حيث تباينت الآراء بشأنها ومدى مسئوليتها عن الاحتلال وتقدم أو تأخر الأوضاع السياسية فى البلاد. وتكرر الخلاف مرة ثانية بعد ثورة 1919 وبخاصة بعد أن تحولت إلى حزب سياسى هو الوفد وانتقل قادتها من صفوف الثوار إلى مقاعد الحكم ومناصب الوزارة واشتعلت الصراعات بينهم فانقسموا بين أحزاب متعددة، فرأى البعض أنها كانت بوابة مصر نحو عهد ليبرالى أفاضوا فى ذكر محاسنه بينما رأى البعض الآخر أنها السبب الرئيسى لتراجع أحوال البلاد وأهلها وتدهورها بما أوصل إلى قيام ثورة 23 يوليو 1952.
ويعد الخلاف بشأن هذه الثورة الأخيرة، والذى اندلع بصورة حادة بعد رحيل قائدها جمال عبدالناصر عام 1970، هو الأكثر حدة واستمرارية فى مصر حول دور التاريخ ودوره فى تشكيل الحاضر وصياغة المستقبل، حيث ظل قائما لأعوام قاربت الأربعين دون أن ينتهى الفرقاء المختلفون حوله إلى نتيجة تجمعهم. وكما هى العادة طوال تلك الأعوام الأربعين كان الخلاف يزداد حدة واشتعالا فى ذكرى قيام الثورة حيث تطرح حينها أكثر الآراء تطرفا فى كل الاتجاهات المتعارضة. والملفت فى تأمل تفاصيل ذلك الخلاف الأطول فى التاريخ المصرى حول طبيعة واقعة كبيرة فيه هى ثورة يوليو وبخاصة فى الفترة الأخيرة التى تمتد للسنوات العشر الماضية أمران رئيسيان. يتعلق الأمر الأول برؤية شديدة السلبية لموقع ثورة يوليو فى تطور التاريخ المصرى المعاصر وتأثيراتها على الواقع الحالى للبلاد وما ينتظرها من تطورات فى المستقبل. والحقيقة أن مثل هذه الرؤية السلبية لإحدى وقائع التاريخ المصرى الكبرى ليست أمرا جديدا كما سبق الذكر، ولكن الجديد هو ذلك الإفراط فى القراءة السلبية للثورة – حدثا وتأثيرا – من جانب بعض فصائل الحركة السياسية المصرية إلى حد اعتبارها المسئولة عن كل ما جرى فى البلاد من تطورات سيئة خلال الأعوام الخمسين الأخيرة كلها.
والشىء الخطير فى ذلك الإفراط هو ما يؤدى إليه من نزعة عدمية تبدو طاغية على تلك الرؤى المتطرفة لثورة يوليو، حيث تؤدى بأصحابها إلى نسف كامل لواحدة من الوقائع الكبرى فى تاريخنا المعاصر والتى مهما بلغ الخلاف حولها فإن الإنصاف والموضوعية يقتضيان الاعتراف ولو ببعض من تأثيراتها الإيجابية فى تطور تاريخنا الحديث وفى جزء ولو ضئيل من صياغة حاضرنا وتشكيل مستقبلنا. وخطورة هذه النزعة العدمية هو ما يمكن أن تؤدى إليه بعد التطرف فى الحكم على ثورة يوليو والإنكار التام لأهميتها وتأثيراتها الإيجابية وهى الحدث الأكبر فى التاريخ المصرى الحديث، من إيغال فى العدمية إلى حد تدمير أى واقعة أخرى كبيرة أو صغيرة فى مسار التاريخ المصرى وتصويرها للأجيال الجديدة بأنها شر مطلق ليس فيها من خير مما يجعل تاريخنا كله فارغا من أى معنى ويبدو كفجوة واسعة خالية من أى إنجازات يمكن للمصريين أن يفخروا بها فى ماضيهم أو يستندوا إليها فى صياغة حاضرهم ومستقبلهم.
أما الأمر الثانى اللافت فى الخلاف حول ثورة يوليو بين مختلف الفرقاء السياسيين والفكريين فى مصر فهو وجود فئة منهم ظهرت خلال العقد الأخير وأضحت تلعب دورا مركزيا فى تشكيل حاضر البلاد ومستقبلها القريب وانقسم موقف المنتمين إليها من الثورة بين الموقف العدمى السابق وإن كان أكثر حدة فى مضمونه والتعبير عنه وبين موقف آخر غير مسبوق وهو التعامل معها وكأنها حدث لم يتم فى التاريخ المصري. هذه الفئة تتشكل من المؤسسين والملتفين حول لجنة السياسات بالحزب الوطنى الحاكم وأغلبيتهم ممن يطلقون على أنفسهم صفة الليبراليين ولمزيد من التمييز يضيف إليها البعض صفة «الجدد». والملاحظ على هذه الفئة بدءا من كبيرها السيد جمال مبارك أنه لم يسبق أن قرأ الناس له أو سمعوا منه تصريحا أو رأيا ولو مقتضبا فى ثورة يوليو سواء ببعدها التاريخى أو أبعادها المعاصرة، وكأنها لم تحدث قط، وهو الأمر الغريب من قيادة عليا فى حزب يزعم أن جزءا كبيرا من شرعية نظامه السياسى تقوم على تلك الثورة. والأرجح أن الموقفين، سواء المتجاهل أو العدمى، بداخل لجنة السياسات من ثورة يوليو سلبا يعكسان حقيقة هى الأخطر على مستقبل البلاد لو أفلحت تلك الفئة فى الاستيلاء على مقعد رأس الحكم وما بقى منه خارج أياديها، وهى أننا سنكون إزاء «عصبة» من الناس المتحكمين فى مصير البلاد والعباد وهم إما جاهلين لوقائع تاريخها الكبرى وإما متجاهلين لها عدميين فى النظر إليها وتقويمها، وهما أمران يشيان بحجم الكارثة التى تنتظرنا فى حالة إتمام سيناريو التوريث الذى يسعون إليه بكل جهدهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.