لا توجد مؤشرات حقيقة تدل أن حالة الانقسام بين فتح وحماس في طريقها إلى الحلحلة، فكلما لاحت بوادر أمل في التقارب بينهما، كانت هذه البوادر سببًا في الفرقة، كما هو الحال مع الانتخابات المحلية. تأجيل الانتخابات قررت الحكومة الفلسطينية، الثلاثاء، تأجيل الانتخابات المحلية أربعة أشهر، وقد يمتد التأجيل لستة أشهر، بعد أن كانت مقررة في 8 من أكتوبر الجاري. وقال رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله في ختام جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في مدينة الخليل "قرر مجلس وزراء وبالتنسيق الكامل مع الرئيس محمود عباس إجراء الانتخابات المحلية خلال أربعة أشهر مع توفير البيئة القانونية لذلك"، ويشمل قرار تأجيل الانتخابات جميع الأراضي الفلسطينية. جاء القرار بعد أن رفضت جهات سياسية قرار المحكمة العليا إجراء الاستحقاقات في الضفة الغربية دون قطاع غزة، الذي تسيطر عليه حركة حماس. اتهامات متبادلة بتسيس القرار يبدو أن اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي تمّ توقيعه بين فتح وحماس في مايو2011 لم يعد قادرًا على معالجة وترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، حيث من المفترض أن يقوم يتسهيل إجراءات بناء الثقة باتجاه انتخابات نزيهة شفافة، لكن خمس سنوات مضت والنزاع بين حماس وفتح لم يتغير، بل في كل مرة يزداد تعقيدًا أكثر فأكثر، فقرار محكمة العدل العليا بألا تشمل الانتخابات المحلية قطاع غزة اعتبره بعض المتخصصين بالشأن الفلسطيني قرارًا مسيسًا، يزيد من حالة الإحباط في الشارع الفلسطيني، الذي قسمته الخلافات السياسية بين الأحزاب الفلسطينية على اختلافها وتنوعها. الجدير بالذكر أن آخر انتخابات بلدية عقدت بمشاركة الفصائل الفلسطينية كانت سنة 2005، وظهر فيها التنافس التقليدي القوي بين فتح وحماس؛ وأفضت إلى فوز فتح ب 1164 مقعدًا، مقابل 862 مقعدًا لحماس. وفي أكتوبر 2011 قررت حكومة فياض في رام الله إجراء انتخابات بلدية دون ترتيب وتوافق مع حكومة هنية في غزة، مما أدى لمقاطعة حماس للانتخابات وعدم تنفيذها في قطاع غزة. وفي يونيو الماضي، أعطى قرار الحكومة الفلسطينية إجراء الانتخابات للهيئات المحلية بارقة أمل باتجاه ترتيب البيت الفلسطيني، وقتها قوبل القرار الحكومي بترحيب من حماس ومن الفصائل الفلسطينية المختلفة التي قررت كلها المشاركة، باستثناء حركة الجهاد الإسلامي. لكن الفرحة لم تكتمل، حيث كان من المفترض أن تنظم الانتخابات المحلية بعد ثلاثة أيام من الآن، لاختيار مجالس بلدية في نحو 416 مدينة وبلدة في الضفة الغربية وقطاع غزة، قبل أن يعلن إرجاؤها، خاصة بعد قرار المحكمة العدل العليا، بإجراء التصويت في الضفة الغربية فقط دون إجرائه في قطاع غزة، الأمر الذي من شأنه أن يقضي على الآمال في إجراء انتخابات محلية لأول مرة منذ عام 2005 بمشاركة كل من حماس والسلطة الفلسطينية. قرار المحكمة باستبعاد غزة من الانتخابات المحلية جاء بدعوى عدم شرعية المحاكم فيها، الأمر الذي تحمست له فتح، ووصفت القرار بأنه قضائي، فيما اعتبرته حماس مسيّسًا، وقالت: لو كان القرار ذا طابع قضائي (قانوني) فإن محمود عباس أول من سيتم الطعن في شرعيته بعد انتهاء مدة رئاسته، وكذلك رئيس الحكومة الفلسطينية الذي لم يحظَ بثقة المجلس التشريعي. قرار المحكمة دفع الطرفين لتبادل الاتهامات، حيث قال المتحدث الرسمي باسم حركة فتح أسامة القواسمي"إن الخاسر الأكبر هو الشعب في غزة، الذي لن يشارك في الانتخابات طبقًا لقرار المحكمة، وحركة فتح التي كانت ستفوز بالانتخابات، الأمر الذي أدركته حماس، وأدركت أن خسارتها في القطاع ستكون مدوية، فلجأت إلى محاكمها غير الشرعية التي أسقطت خمس قوائم لفتح". وقال المتحدث الرسمي باسم حركة حماس سامي أبو زهري "إن حماس شاركت في الانتخابات رغم أنها لم تستشر فيها، ولم تكن ضمن توافق وطني"، مضيفًا أنها تسلمت مذكرة من رئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر، أبلغها بأن الانتخابات ستجرى من خلال القضاء والأمن في الضفة وغزة، ولم يعترض أي من الفصائل بما فيها فتح. ولفت زهري إلى أن اعتراضات فتح جاءت لاحقة بعدما أسقطت بعض قوائمها، علمًا بأن المحاكم في غزة ليست هي من أسقطها، بل سبقتها لجنة الانتخابات التي رأت أن هذه القوائم لم تستوفِ الشروط الانتخابية. وعلى الرغم من ادعاءات كل طرف بأنه الأجدر بالفوز بهذه الانتخابات، إلا أن خبراء يقولون بأن الانتخابات المحلية لا تعطي مؤشرًا سياسيًّا دقيقًا على شعبية الفصائل الفلسطينية وأحجامها في الساحة، إذ تدخل الحسابات العائلية والعشائرية والخدماتية بشكل قوي في العملية الانتخابية، خصوصًا في القرى والأرياف، حيث كان يُفترض أن يتم انتخاب 272 مجلسًا قرويًّا من أصل 414 مجلسًا بلديًّا. وإذا كانت اللجنة المركزية للانتخابات الفلسطينية ترى أن تأجيل الانتخابات المحلية سيصب "في المصلحة الفلسطينية"، إلا أن المؤشرات تقول بأن الخلافات بين فتح وحماس قد تزداد، خاصة في ظل ارتباط كل طرف من أطراف الخلاف الفلسطيني بأطراف إقليمية لها أجنداتها وحساباتها، بالإضافة لتخوف كل طرف من فوز الطرف الآخر في الانتخابات الفلسطينية.