نشر مركز بحوث العولمة Centre for Research on Globalization (CRG) ، ومقره مونتريال – كندا ، تقريرا يحاول فيه تفسير ما يجرى فى منطقة الشرق الاوسط و خاصة بالعراق و سوريا ، رابطا تطورات الاحداث بالسيطرة على ثروة النفط و الغاز ، و يقول التقرير الذى جاء بعنوان " القضية دائما حول النفط وخطوط الأنابيب ".. ان نفس القضايا التي دفعت منطقة الشرق الأوسط للحروب في الثلاثينيات و الاربعينيات ، مازالت هى نفس الاسباب الفاعلة التى تقود الحرب بالمنطقة اليوم .. وأفضل طريقة لرؤية هذا هو مراجعة مايحدث اليوم بالرجوع الى الوراء … اليوم .. نجد ان الولاياتالمتحدة تعاود القصف فى العراق مرة أخرى من أجل حماية مركز رئيسي للنفط في "أربيل" ، والحرب في سوريا هي أيضا إلى حد كبير تدورعن النفط والغاز من بين اسباب اخرى لا مجال لها الان . وكما أشار تقرير لصحيفة "بيزنس تايمز الدولية "العام الماضي:[سوريا] تسيطر على واحد من أكبر الموارد الهيدروكربونية التقليدية في شرق البحر المتوسط ، حيث تمتلك سوريا 2.5 مليار برميل من النفط الخام منذ يناير عام 2013، مما يجعلها أكبر احتياطي مثبت للنفط الخام في شرق البحر الأبيض المتوسط وفقا لتقديرات مجلة النفط والغاز ، كذلك فان سوريا أيضا لديها موارد من نفط الصخر الزيتي مع احتياطي يقدر بما يصل إلى 50 مليار طن، وفقا لمصدر في الحكومة السورية في عام 2010.وعلاوة على ذلك تعد سوريا هي قطعة الشطرنج الرئيسية في خط أنابيب الغاز العربي (AGP) المقترح الى اوربا و الذى يضم الأردن وسوريا ولبنان ومصر و الذى يمتد نحو 1200 كم . و يعترف التقرير ، بان مسالة تغيير النظام فى سوريا ، كان مخططا و مقررا (كذلك الامر فى العراق، ليبيا، لبنان، الصومال، السودان وإيران) قبل 20 عاما "نعم، مهاجمة سوريا ،يضعف حلفائها الوثيقين كإيران وروسيا … والصين بشكل غير مباشر" ، لكن دور سورية المركزي في خط الغاز العربي هو أيضا المفتاح لتفسير لماذا يتم استهدافهم الآن ؟! . و يضيف التقرير ان النظام فى سوريا كان يجب التخلص منه مثلما تم التخلص من نظام" طالبان " فى افغانستان بعد ان تمادوا و طالبوا بالكثير فى مقابل السماح بتفعيل مشروع خط انابيب "يونوكال Unocal pipeline" الذى يربط بين تركمانستان – أفغانستان – باكستان – الهند ، و هو خط انابيب لنقل ما يصل الى نحو 27 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي ويجري تمويله من قبل بنك التنمية الآسيوي. و نظام الاسد في سوريا ولأنه ليس "لاعب" موثوق به.على وجه التحديد من جانب تركيا، إسرائيل وحليفتهم الولاياتالمتحدة التى تريد التدفق المؤكد للغاز عبر سوريا، ولا يريدون النظام السوري الذي لا ولاء له لهم ان يوقف خطط البلدان الثلاث الخاصة بفتح الطريق امام خط الانابيب العربى … أو يطالب بمطالب كبيرة جدا قد تحد من حجم ارباحهم . كذلك هناك صفقة تشغيل خط أنابيب الغاز الطبيعي من حقل بارس Pars field الجنوبي العملاق الإيراني عبر العراق وسوريا (مع إمكانية التمديد للبنان).. و ايضا هناك صفقة تشغيل خط انابيب النفط من حقل نفط كركوك في العراق إلى ميناء بانياس السوري ، و كلا الصفقتين تم استبعاد كلا من اسرائيل و تركيا من المشاركة بهما . جيل تفربرج Gail Tverberg- الخبير في الجوانب المالية لصناعة النفط – كتب فى احدى مقالاته ان " واحدة من الحدود التى تحد دون تكثيف استخراج النفط العراقي ، هو ضعف البنية التحتية المتوفرة لتصدير النفط من العراق ، لذا فان خطوط أنابيب النفط العابرة لسوريا ستكون اضافة جيدة للبنية التصديرية للعراق ، وهذا قد يخفف جزءا من مشكلة وصول النفط إلى الأسواق العالمية". ويستدرك التقرير الاستراتيجى ، انه اذا كان القارىء مازال غير قادرا على تصديق او ادراك ان الحرب في سوريا هي فى الاصل حول الوصول إلى النفط والغاز، فعليه متابعة قراءة التقرير … ان مهندسى الحرب على العراق (التي بدأت في عام 2003) أنفسهم اعترفوا أنها كانت بسب النفط ، بل ان حرب الخليج الاولى أيضا كانت بسب النفط. وعلى وجه التحديد، تسبب غزو "صدام حسين" للكويت فى ارتفاع أسعار النفط ، وغزت الولاياتالمتحدةالعراق من أجل تهدئة أسواق النفط . في 20 أغسطس، 1990، نقلت مجلة التايم عن مسؤول أميركي قوله: " حتى الأبله يفهم هذا المبدأ. نحن بحاجة إلى النفط. أنه من الجيد أن نتحدث عن الوقوف من أجل الحرية، ولكن الكويت والسعودية ليست بالضبط ديمقراطيات، وإذا كان محصول التصدير الرئيسي لديهم هو البرتقال، فكإن مسؤول بوزارة الخارجية من المستوى المتوسط سيصدر بيانا ، وكنا سنكون فى حالة سبات لان واشنطن مغلقة فى شهر أغسطس الحار ". تقارير صحيفة الجارديان البريطانية ذكرت أن الولاياتالمتحدةوبريطانيا كانتا تعتزمان تغيير النظام في سوريا من قبل 57 عاما لضمان تدفق النفط : " قبل ما يقرب من 50 عاما على الحرب في العراق، سعت بريطانيا وأمريكا فى سرية "لتغيير النظام" في بلد عربي آخر اتهموه بنشر الإرهاب وتهديد إمدادات النفط للغرب، وذلك عبر التخطيط لغزو سوريا واغتيال شخصيات بارزة. و الوثيقة التى اعتمدتها الجارديان كمصدر ، وثيقة وافقت عليها لندنوواشنطن . و لطالما كانت سوريا أيضا مسيطرة على واحد من شرايين النفط الرئيسية في الشرق الأوسط ، وهو خط الأنابيب الذي يربط حقول النفط فى العراق الموالية للغرب إلى تركيا. وبين عامى 1932 و 1948 زرعت جذور للحرب التى جرت في العراق وسوريا. لقد كان خط أنابيب بترول الموصل – حيفا (المعروف أيضا باسم خط أنابيب البحر الأبيض المتوسط) هو خط أنابيب نقل النفط الخام من حقول النفط في كركوك، التي تقع في شمال العراق، عبر الأردن إلى حيفا (الآن على أراضي إسرائيل). وكان خط الانابيب التشغيلي في الفترة من 1935-1948 طوله حوالي 942 كيلومتر (585 ميل)، و يبلغ متوسط قطره 12 بوصة (300 مم) ، وكان النفط الخام يستغرق حوالي 10 أيام للانتقال في كامل طول خط الانابيب من المصدر فى كركوك لنقطة الوصول إلى مصافي حيفا، وتخزينها في خزانات، ثم وضعها في ناقلات للشحن إلى أوروبا. تم بناء خط الأنابيب من قبل شركة نفط العراق IPC بين عامي 1932 و 1935 وخلال هذه الفترة أكثر من منطقة يمر عليها خط الأنابيب كانت ماتزال تحت الانتداب البريطاني بموافقة عصبة الأمم. وكان هذا الخط واحد من خطى أنابيب ينقلان النفط من حقل كركوك إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط. حيث كان خط الانابيب الرئيسي يتفرع في منطقة "حديثة" ليتصل مع الخط الثاني الذى يحمل النفط الى طرابلس، لبنان، التي كانت آنذاك تحت الانتداب الفرنسي. . و قد تم بناء هذا الخط في المقام الأول لتلبية مطالب الشريك الفرنسي في شركة النفط العراقية IPC. لقد كان خط الانابيب ومصافي حيفا ذوى أهمية استراتيجية كبرى للحكومة البريطانية، وقدمت بالفعل الكثير من احتياجات الوقود للقوات البريطانية والأمريكية في البحر المتوسط أثناء الحرب العالمية الثانية.وكان خط الانابيب هدفا لهجمات من قبل العصابات العربية خلال الثورة العربية الكبرى، ونتيجة لذلك كان أحد الأهداف الرئيسية لعمل الفرق المشتركة البريطانية اليهودية الخاصة بقيادة الكابتن "أورد ينجيت" لحماية خط الانابيب ضد مثل هذه الهجمات. في وقت لاحق، كان خط الانابيب هدفا لهجمات من عصابات الإرجون الصهيونية ، ومع اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، انتهى عمل خط الانابيب عندما رفضت الحكومة العراقية ضخ أي كميات من النفط من خلاله. لماذا خط انابيب كركوك – حيفا ذات صلة اليوم؟ لقد ذكرت صحيفة هآرتس الاسرائيلية بعد أن بدأت حرب العراق في عام 2003: "طالبت الولاياتالمتحدة، اسرائيل ، بالتحقق من إمكانية ضخ النفط من العراق إلى مصافي النفط في حيفا. وجاءت البرقية الاسبوع الماضي من مسؤول رفيع المستوى في البنتاجون لمسؤول في وزارة الخارجية في القدس ". و تضيف صحيفة هآرتس الاسرائيلية فى متن خبرها " ينُظر إلى خط الانابيب الذى يصل إلى حيفا بمثابة ‘مكافأة' من الولاياتالمتحدة لاسرائيل مقابل دعمها المطلق للحملة التي تقودها الولاياتالمتحدة في العراق، و قال الاميركيون فى البرقية الرسمية ، إن خط الأنابيب الجديد سينقل النفط من منطقة كركوك، حيث يتم إنتاج نحو 40 في المئة من النفط العراقي، ونقله عبر الموصل، ثم عبر الأردن إلى إسرائيل". وتضمنت البرقية الامريكية طلب لتقدير التكلفة لإصلاح خط الموصل – حيفا الذي كان يستخدم قبل عام 1948 و تدمر اجزاء منه خلال الحرب العربية – الاسرائيلية فضلا عن تقادمه مع مرور السنين . و مما يؤكد اهمية هذا الخط الى اسرائيل تصريح وزير البنىة التحتية الاسرائيلة "يوسف باريتزكي Yosef Paritzky " أن ميناء حيفا هو وجهة جذابة للنفط العراقي وأنه يخطط لمناقشة هذه المسألة مع وزير الطاقة الأميركي . . وردا على ما تردد حول خط الأنابيب بين كركوك والموصل الى حيفا ، حذرت تركيا إسرائيل بأنها ستعتبر هذا التطور بمثابة ضربة خطيرة إلى العلاقات التركية الاسرائيلية . و مما سبق سرده وبعبارة أخرى، فإن نفس القضايا التي دفعت الى الحرب والإرهاب في الشرق الأوسط فى السنوات الماضية هى نفسها اسباب حروب الحاضر اليوم و ياتى على راس هذه الاسباب – النفط والغاز وخطوط الأنابيب – بل اننا قد نعزو الحرب الاخيرة القائمة بين حماس و اسرائيل أيضا لحجم احتياطيات الغاز الطبيعي الضخمة المكتشفة قبالة سواحل غزة.