الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض طائرة مسيرة في منطقة البحر الأحمر    قوات الاحتلال تطلق الرصاص الحي باتجاه شارع السوق بمخيم بلاطة شرقي مدينة نابلس    أول تعليق من مجدي عبد الغني على تصريحات رئيس نادي الزمالك    إصابة 11 شخصًا في حادث تصادم على الطريق الإقليمي باتجاه بلبيس بالشرقية    طقس اليوم: حار نهارا ومائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 32    حماية "VIP "، أمن المغنية تايلور سويفت يثير الجدل في بريطانيا    الكاف يعلن إلغاء بطولة دوري السوبر الأفريقي    مشاركة إيجاريا.. الزمالك يخوض أولى ودياته استعدادا للسوبر    هل تطبق القرارات الجديدة على سيارات المعاقين المتواجدة بالموانئ؟    حماس: لا جديد في مفاوضات وقف إطلاق النار بقطاع غزة    ضوابط امتحانات شهر أكتوبر للمرحلة الإعدادية 2024 الجديدة (موعد التقييم والدرجات المخصصة)    توقعات أسعار الذهب في الفترة المقبلة.. انخفاض أم ارتفاع؟    أشرف عبدالباقي يوجه رسالة ل علاء مرسي بعد زواج ابنته.. ماذا قال؟    فلوريدا تستعد ل "إعصار ميلتون" وخبراء يحذرون: الأضرار قد تتجاوز إعصار كاترينا    محافظ قنا ومساعد وزير التنمية المحلية يبحثان مشروعات برنامج تنمية صعيد مصر    ذكرى نصر أكتوبر| العميد الببلاوي: «لم تعبر أي طائرة مجال كتيبتي»    حكم الالتفات في الصلاة.. الإفتاء توضح    بورصة الدواجن اليوم بعد الارتفاع.. أسعار الفراخ البيضاء والبيض الخميس 10 أكتوبر 2024    حديد عز يتراجع 526 جنيهًا.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الخميس 10 أكتوبر 2024    مدى سير سيارات بيجو الكهربائية يصل إلى 700 كم    " محدش رد عليا ومدفعوش فلوس علاجي".. يوسف حسن يكشف مفاجأة صادمة بعد رحيله عن الزمالك    موعد مباراة إنجلترا واليونان في دوري الأمم الأوروبية والقنوات الناقلة    موعد مباراة الجزائر وتوجو في تصفيات أمم إفريقيا 2025 والقنوات الناقلة    ذكرى نصر أكتوبر| اللواء الزيات: «كنت أصغر طيار يشارك في الحرب»    متى تتم محاكمة الضباب؟.. «ذكريات أكتوبرية»    علاء نبيل: هناك أزمة تواجه اتحاد الكرة خلال الفترة الحالية بسبب أعمار اللاعبين في قطاعات الناشئين    غارات وقصف عنيف شمال رفح واقتحام واشتباكات مسلحة في الضفة الغربية    إعلام سوري: نشوب حريق في بلدة معرين بريف حماة جراء قصف إسرائيلي استهدف نقطة عسكرية    نصائح مهمة لتفادي المشاكل التقنية عند التقديم على الهجرة العشوائية لأمريكا 2024    مصرع طفلين شقيقين غرقا في بني سويف    مصرع عامل سقط من قطار الصعيد امام مزلقان «البرجاية» بالمنيا (صور)    بعد تصريحات رئيس الوزراء.. متحدث الحكومة يكشف معنى «اقتصاد الحرب»    «زي النهارده».. وفاة الدكتور محمد السيد سعيد 10 أكتوبر 2009    محمد محمود يقدم درع تكريم الراحل أحمد راتب لزوجته في افتتاح مهرجان الممثلين    بعضهم كرماء وطيبون.. تعرف على أكثر 3 أبراج عنفًا    دروس من حرب أكتوبر    الدعاء يوم الجمعة: باب للرحمة ووسيلة للتواصل مع الله    بسبب «النسيان أو النوم».. حكم قضاء الصلاة الفائتة    تصل إلى 49 ألف جنيها، الأسعار الجديدة للخدمات غير الطارئة للإسعاف    التعليم تعلن مسابقة لشغل وظيفة معلم مساعد    لبنان.. غارة إسرائيلية جديدة تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت    أحمد الشريف: الشعر سيد الكلام وحب الكتابة يبدأ دائما بحب قراءته    كرة سلة - الاتحاد يهزم الوحدة الإماراتي ويصعد لنصف نهائي البطولة العربية    الولايات المتحدة محبطة من عدم مشاركة إسرائيل للبيت الأبيض بخطة الرد على الهجوم الإيراني    طلاب الجامعة الأميركية بالقاهرةيتظاهرون رفضا للعدوان الصهيونى على غزة وبيروت    علي جمعة يكشف عن شرط قبول الصلاة على النبي وأفضل صيغة ترددها    38 كيلو مخدرات.. محاكمة 3 أشخاص ضبطوا قبل ترويج الكيف في الشروق وبدر    حدث ليلًا| بيان حكومي مهم بشأن موسم الحج 2025 وموعد إصدار قانون العمل الجديد    هانئ مباشر يكتب: أبطال في سماء العلا    حظك اليوم| برج الميزان الخميس 10 أكتوبر.. «كاريزمتك ستجلب فرصا مثيرة»    انشغالك الذهني قد يؤدي إلى كوارث.. حظ برج الجدي اليوم 10 أكتوبر    خبير: "حياة كريمة" تعكس اهتمام الدولة بالمواطن وتوسيع أنماط الحماية الاجتماعية    8 سيارات إطفاء وخسائر مادية.. التفاصيل الكاملة لحريق مصنع «تنر» في المنوفية    وصفة سحرية.. 4 فناجين من القهوة لإطالة العمر ومحاربة الاكتئاب    اضطراب الوسواس القهري «OCD».. تعرف على الأعراض والأسباب    الثوم والفلفل الأحمر.. أطعمة مناسبة لمرضى الكلى    قرار جديد ضد المتهمين بسرقة فيلا موظف بالمعاش في الشروق    الدعاء يوم الجمعة: بركات واستجابة في اليوم المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متى تتم محاكمة الضباب؟.. «ذكريات أكتوبرية»
نشر في المصري اليوم يوم 10 - 10 - 2024

وكنا نستبق الأحداث ونستعجل النصر بعد نكسة أو هزيمة 67، ثأرًا لكرامة أمة جرحها أبناؤها قبل أعدائها، وأساء لها من حارب دون دراسة فى لحظة عجرفة دون حسابات العواقب، والعواقب فى الملمات عصية على شعب أبى جريح. يخرج علينا الرئيس السادات معلنًا فى خطاب رسمى مذاع أن عام 72 هو عام الحسم، ويمر العام من فوق رؤوسنا دون حسم أو قرار، ويغيب الحلم عن الرؤوس وينطفئ الأمل فى النفوس، حين يعلن السادات أن ضبابًا سياسيًّا قد ظهر فى الأفق حال دون تحقيق الحسم وتنفيذ القرار، ونخرج من جامعة القاهرة بمظاهرات مدوية هادرة نطالب فيها الرئيس السادات «بضرورة محاكمة الضباب»، لم نفهم السادات جيدًا، ولم نستوعب ونحن شباب أن قرار الحرب والعبور مهما كانت وعوده وأحلامه ورغباته الملحة إذا ظهر فى الأفق ما يحول بينه وبين تحقيق الهدف منه، فلا حرج فى التراجع والتأجيل مهما واجه القائد من تعنيف وتجريح، فليست قرارت الحروب هينة أو يسيرة، ولا تحتمل إلا النصر فقط، كنا صغارًا يا كبير فلم نفهم كيف يحول ضباب السياسة عن قرار الحرب.
فى نهاية عام 74 كنت أحد ضباط الاحتياط الدفعة 36 المكلف برئاسة إشارة أحد لواءات المدفعية فى القنطرة شرق وغرب القناة، وكانت قيادة اللواء غرب القناة، وكتائب اللواء الثلاث شرق القناة موزعة داخل سيناء، والمرور على هذه الكتائب متاح ومطلوب كل الأيام، وكان العبور الأول على أحد المعابر يمثل لى نصرًا عظيمًا وفخرًا تحقق على يد رفاق قبلنا بشهور قليلة، ما زال مسرح الحرب قائمًا لم تسدل ستائره، أشم روائح النصر تلف المكان، وأسمع فيه تلاحق أنفاس الأبطال الصاعدين الساتر الترابى المنيع، وتحت المعبر أمواج هادئة راسية تزف دماء الشهداء الأبرار إلى الشاطئ تهدأ وتستريح، وتدوى فى مسامعى طلقات المدفعية وأزيز الطائرات ولا أفيق إلا على صوت السائق يتساءل: أى كتيبة نبدأ بها يافندم؟ أفيق من الواقع وأرد عليه بنا إلى مقابر الشهداء أولًا، على بعد أمتار من المعبر وقبل الدخول إلى مدينة القنطرة شرق، تمام يافندم لنقرأ الفاتحة على أرواح الشهداء.
مقابر الشهداء بسيطة وتضم رفات أبطال وهبوا حياتهم للانتقام والثأر لإخوانهم.. أرتجل من السيارة وأبدأ قراءة الفاتحة عند الباب وتخطو قدمى وسط المقابر ترتعد وعينى تتجول بين أسماء الشهداء على لوحة من الخشب البسيطة، على مقابر من ركام وتراب مرتفعة عن الأرض، ذكرتنى بمقابر الأطفال على مشارف الكبار، فى قريتنا ينبهك من فى صحبتك: رويدًا فهذا قبر طفل صغير حين يمددونه على باب قبر الأب والجد فربما يكون شفيعًا لهما حين يكون فى مقدمة الوصول. هذا شهيد من طنطا وبجواره من سمالوط ورفيقه من الكردى، وهذا مسلم وذاك مسيحى، التجول داخل مقابر الشهداء له طعم خاص ورائحة كرائحة البيوت القديمة العتيقة حين يهجرها الأهل، فتسمع صرير الأبواب وصدى السنين ورجع الأيام، وأصوات الأحباب تتلمس أطياف الصبر، كأن هؤلاء الممددين تحث الثرى فرحون مبتهجون بمجيئك تلطف عنهم عناء الغربة والهجر، أسمع بكاء عاليًا ونحيبًا متقطعًا يلملمه السائق، ماذا بك؟ هون عليك؛ فهم أحسن منا وأطهر، يافندم أنا أبكى هذا الجندى المكتوب على قبره «شهيد مجهول الاسم والسلاح» أجيبه لا تحزن ولا تبك وأكتم بين ضلوعى آهات وزفرات ربما لو تركتها بحريتها لسمعها من فى القبور.
ثلاث سنوات مدة خدمتى إلا قليلًا ضابطًا احتياطيًّا قضيتها بين الكتائب الثلاث فى الشرق وقيادة اللواء فى الغرب، ولا أجد راحتى وسلوتى إلا فى غناء الضابط مسعد على شط القناة كل ليلة، والمرور على مقابر الشهداء نهارًا، أحيانًا فى الذهاب وأحيانًا عند العودة، تآلفنا وتفاهمنا وتحاببنا حتى أكاد أشعر بفرحتهم تحت الثرى حين مقدمى، ونسائم أنفاسهم تفوح وتقترب من بوابة المقابر حين حضورى، أطفالى يمدون أيديهم فى شغف حين وفادتى، إلا ذلك اليوم الذى غادرت فيه قيادة اللواء بعد انتهاء خدمتى وتسليم مهماتى إلى قيادة جديدة، وفى عجلة من أمرى نسيت الرفاق والأحباب والأطفال لألحق بالسيارة المخصصة لرحيل دفعتى، أرحل وأسافر عبر الدنيا والسنين ومازلت أحن إلى أطفالى، وأشعر بمرارة اليتم تحاصرنى، وشغف ولوعة صغارى تطاردنى، فلربما لو كنت قد ودعتهم الوداع الأخير لغفروا وسامحوا وكبروا دون حاجة، أكثرهم شوقًا إلى قلبى صغيرى مجهول الاسم والسلاح، فهو الضعيف حتى يكبر والغائب حتى يعود والمريض حتى يشفى وما زال. وأعود إلى محاكمة الضباب فأحكم ببراءة السادات، فقد كان حكيمًا حين حافظ على أبنائه ولم يعبأ بما فعلناه وسخرنا منه وتظاهرنا عليه، ألف رحمة على كل شهداء الوطن المعروف منهم والمجهول أكثر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.