للراغبين في أداء العمرة.. تعرف على سعر الريال السعودي اليوم    حزب الله يستهدف 21 موقعا للجيش الإسرائيلي بالقرب من الحدود اللبنانية الجنوبية    مجلس الأمن يبحث الوضع الإنساني في قطاع غزة    الشمس يستدرج نجمه سيناء وشبين يتحدي الانتاج في افتتاح مجموعة القاهرة بالقسم الثاني    نيران مشتعلة و 4 جثث مجهولة.. مصرع وإصابة 10 أشخاص في حادث تصادم على طريق «مرسي علم- إدفو»    درجات الحرارة اليوم الخميس 10- 10- 2024 في مصر    النيابة تصرح بدفن جثماني طفلين شقيقين غرقا في مياه ترعة بهبشين ببني سويف    القبض على زوج إيمان العاصي.. أحداث الحلقة 20 من مسلسل «برغم القانون»    الاتحاد الإفريقي يكشف سبب إلغاء بطولة دوري السوبر    الحكومة تزف بشرى سارة للمعلمين و خريجي كليات التربية    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية اليوم الخميس 10 أكتوبر 2024    فلسطين.. 3 شهداء وعدد من الجرحى في قصف إسرائيلي على جباليا    ارتفاع أسعار النفط يصعد بفعل مخاوف من احتكاك إسرائيلي إيراني والإعصار ميلتون    تعرف على اشتراطات الحكومة الجديدة لاستيراد سيارات ذوي الهمم    مهرجان المهن التمثيلية.. أشرف زكي: ارفعوا سقف أحلامكم.. ويحيى الفخراني يهدي تكريمه لحمدي غيث    أول تعليق من مجدي عبد الغني على تصريحات رئيس نادي الزمالك    طقس اليوم: حار نهارا ومائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالقاهرة 32    حماية "VIP "، أمن المغنية تايلور سويفت يثير الجدل في بريطانيا    ضوابط امتحانات شهر أكتوبر للمرحلة الإعدادية 2024 الجديدة (موعد التقييم والدرجات المخصصة)    مشاركة إيجاريا.. الزمالك يخوض أولى ودياته استعدادا للسوبر    أشرف عبدالباقي يوجه رسالة ل علاء مرسي بعد زواج ابنته.. ماذا قال؟    ذكرى نصر أكتوبر| العميد الببلاوي: «لم تعبر أي طائرة مجال كتيبتي»    فلوريدا تستعد ل "إعصار ميلتون" وخبراء يحذرون: الأضرار قد تتجاوز إعصار كاترينا    العاهل الأردني يؤكد لوزير الخارجية البريطاني ضرورة خفض التصعيد بالإقليم    محافظ قنا ومساعد وزير التنمية المحلية يبحثان مشروعات برنامج تنمية صعيد مصر    حكم الالتفات في الصلاة.. الإفتاء توضح    مدى سير سيارات بيجو الكهربائية يصل إلى 700 كم    " محدش رد عليا ومدفعوش فلوس علاجي".. يوسف حسن يكشف مفاجأة صادمة بعد رحيله عن الزمالك    حديد عز يتراجع 526 جنيهًا.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الخميس 10 أكتوبر 2024    ذكرى نصر أكتوبر| اللواء الزيات: «كنت أصغر طيار يشارك في الحرب»    متى تتم محاكمة الضباب؟.. «ذكريات أكتوبرية»    «زي النهارده».. وفاة الدكتور محمد السيد سعيد 10 أكتوبر 2009    مصرع عامل سقط من قطار الصعيد امام مزلقان «البرجاية» بالمنيا (صور)    نصائح مهمة لتفادي المشاكل التقنية عند التقديم على الهجرة العشوائية لأمريكا 2024    تعرف على القنوات الناقلة لمباراة الفراعنة وموريتانيا    علاء نبيل: هناك أزمة تواجه اتحاد الكرة خلال الفترة الحالية بسبب أعمار اللاعبين في قطاعات الناشئين    غارات وقصف عنيف شمال رفح واقتحام واشتباكات مسلحة في الضفة الغربية    بعضهم كرماء وطيبون.. تعرف على أكثر 3 أبراج عنفًا    دروس من حرب أكتوبر    الدعاء يوم الجمعة: باب للرحمة ووسيلة للتواصل مع الله    بسبب «النسيان أو النوم».. حكم قضاء الصلاة الفائتة    تصل إلى 49 ألف جنيها، الأسعار الجديدة للخدمات غير الطارئة للإسعاف    لبنان.. غارة إسرائيلية جديدة تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت    تفاصيل مداهمة أكاديمية تعليمية غير مرخصة تديرها سيدة في الدقهلية    أحمد الشريف: الشعر سيد الكلام وحب الكتابة يبدأ دائما بحب قراءته    الولايات المتحدة محبطة من عدم مشاركة إسرائيل للبيت الأبيض بخطة الرد على الهجوم الإيراني    طلاب الجامعة الأميركية بالقاهرةيتظاهرون رفضا للعدوان الصهيونى على غزة وبيروت    كرة سلة - الاتحاد يهزم الوحدة الإماراتي ويصعد لنصف نهائي البطولة العربية    علي جمعة يكشف عن شرط قبول الصلاة على النبي وأفضل صيغة ترددها    38 كيلو مخدرات.. محاكمة 3 أشخاص ضبطوا قبل ترويج الكيف في الشروق وبدر    حدث ليلًا| بيان حكومي مهم بشأن موسم الحج 2025 وموعد إصدار قانون العمل الجديد    هانئ مباشر يكتب: أبطال في سماء العلا    حظك اليوم| برج الجدي الخميس 10 أكتوبر.. «استكشف أحلامك من خلال التأمل»    خبير: "حياة كريمة" تعكس اهتمام الدولة بالمواطن وتوسيع أنماط الحماية الاجتماعية    وصفة سحرية.. 4 فناجين من القهوة لإطالة العمر ومحاربة الاكتئاب    اضطراب الوسواس القهري «OCD».. تعرف على الأعراض والأسباب    الثوم والفلفل الأحمر.. أطعمة مناسبة لمرضى الكلى    الدعاء يوم الجمعة: بركات واستجابة في اليوم المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكاية الكاملة لأخطر اجتماع عسكري.. 3 ساعات أسفرت عن نسف خط بارليف المنيع
يرويها اللواء باقي زكي..
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 05 - 10 - 2023

في يوليه 1969، داخل غرفة صغيرة بمقر الفرقة 19 مشاة، والتي كانت متمركزة غرب القناة، متخذة أوضاع دفاعية، ولدت فكرة تحطيم أسطورة خط بارليف المنيع الذي لا يقهر.. تلك الفكرة التي كانت وليدة اللحظة ولم يكن مخططا لها، أصبحت فيما بعد الأمل لكافة وحدات الجيش المختلفة لعبور القناة وتحقيق النصر المطلوب.
في الذكرى ال 50 لحرب أكتوبر المجيدة، نروي لكم تفاصيل واحد من أهم الاجتماعات خلال حرب الاستنزاف التي كانت مخرجاته لها دورا كبيرا في وضع لحد لغطرسة العدو وما نسجه من أساطير حول الساتر الترابي خط بارليف، وما بعده من أحداث متسارعة، وصولا إلى يوم الحرب ، على لسان صاحب الفكرة نفسه اللواء باقي زكي رئيس فرع مركبات الجيش الثالث الميداني خلال حرب 6 أكتوبر.
اقرأ أيضا: نصر أكتوبر| أول صورة لرفع العلم المصري على أرض سيناء
خبرات مهدت للفكرة
"أثناء خدمتي وخصوصًا رتبة الرائد، كان السد العالي يبنى، وطُلب ضباط لمعاونة واصلاح المعدات السوفيتية لاستكمال بناء السد الذي كان معركة تنمية حقيقة ".. بهذه الكلمات بدأ اللواء باقي زكي، بشرح الخلفيات التي أوصلته لطرح فكرة فتح الثغرات بخط بارليف، من أساسها.
كان واحدا ممن تم اختيارهم في تلك المهمة.. وتم تعيينه في أسوان مدير جراج الشرق بالسد العالي.. لم تكن المهمة بسيطة فقد كان الرائد باقي زكي، مسؤلاً عن 500 عربية و2000 عامل ، بجانب 80 خبير روسي.
أما العمل فقد كان 24 ساعة على 3 ورديات بخطط مترابطة ومتتابعة شديدة الدقة والاتزان، بهدف نقل جبال الرمال من محيط جسم السد العالي حتى جاءت نكسة يوليو، التي وصفها بأنها كمين دولي تم تنفيذه ضد الزعيم جمال عبد الناصر لوقف المد العروبي..
تابع: فيديوجراف| بطولات شهداء حرب أكتوبر.. الشهيد المهندس أحمد حمدي
نكسة 67 والكمين الدولي وصفعة الشعب
وحول سبب تسميتها بأنها كمين دولي، أكد ذكي أن حلفاء العدو قاموا بتسليح إسرائيل بأحدث المعدات بالكامل في مختلف الأجهزة، وقبل موعد الهجوم قاموا بعمل تشويش كامل لكل قواتنا في سيناء منعت الجميع من التواصل، وأعطوا الجيش الإسرائيلي الضوء الأخضر بالهجوم وقد كان.
جاء الرد سريعا من الشعب المصري، ووجه صفعة للقوى المعتدية و رفض تنحي عبد الناصر وخرجوا في مظاهرات حاشدة وأعادوه مرة أخرى للحكم، وهنا جاءت كلمة الرئيس الشهيرة " ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".
تلك الكلمات – يقول باقي ذكي – أشعلت الحماس في قلوبنا جميعا ، وفي اليوم الثاني لعودته للحكم تم عمل استراتيجية علمية جديدة متكاملة لإعادة بناء الجيش من تحت الصفر.
تابع أيضا: اللواء طيار حسين القفاص: دمرنا 90 % من الأهداف المطلوبة في يوم العبور
بذور فكرة اقتحام خط بارليف
في ذلك الوقت تم إنهاء انتداب الرائد باقي ذكي في أسوان، وتم تعيينه رئيس فرع مركبات الفرقة 19 مشاة ميكانيكا المتمركزة غرب القناة، بعد ترقيته لرتبة مقدم، وهي ضمن نطاق الجيش الثالث الميداني، وكانت الفرقة تتخذ أوضاعا دفاعية.
كانت المهام المكلف بها المقدم باقي ذكي تتمثل في صيانة وإصلاح كافة الأسلحة والمعدات، وفي أحد المرات عند مروره على أخر نقطة على الضفة، شاهد الساتر الترابي ما يفعله الأعداء من تعليته يوميا ووضع أسلحة ومعدات وتحصينات بداخله.. وهنا كان يقول لنفسه " لو هذا الساتر كان في أسوان لم يكن ليكون ذو قيمة بالنسبة لنا".
اقرأ أيضا: في ذكرى حرب أكتوبر.. رياضيون شاركوا في النصر المجيد
اجتماع مغلق وتاريخ لا ينسى
شدد اللواء باقي زكي عند روايته للأحداث على أن أحد أيام شهر يوليه عام 1969 يعتبر يوما فارقا في مسار الأحداث وفتح طريق النصر.. ففي ذلك اليوم تم تكليف الفرقة 9 مشاة ميكانيكا من القيادة العليا بالآتي:
"اتخاذ الأوضاع القتالية وعبور قناة السويس، واختراق خط بارليف والساتر الترابي، واتخاذ أوضاع شرق القناة".
تلك المهمة كما يوصفها اللواء باقي زكي، أحدثت حالة داخل الفرقة، وطلب قائد الفرقة من الجميع حضور اجتماع هام الساعة التاسعة مساء، وهو ما حدث بالفعل وحضر الجميع دون تأخير.
خلال الاجتماع شرح قائد الفرقة، طبيعة المهمة، وجاء الدور على رئيس المهندسين، الذي قام بدوره بشرح طبيعة الساتر الترابي وامكانياته الفنية والقتالية والهندسية.
اقرأ أيضا: المشير أحمد إسماعيل.. قائد أكتوبر الواثق في النصر
ضرب خط بارليف بالمتفجرات و المدفعية وقنابل الطائرات
في الحقيقة – والكلام للواء باقي- كانت أصعب نقطة في المهمة، هي كيفية اختراق خط بارليف، وعمل ثغرات فيه.. تم بحث إمكانية ضربه واختراقه إما بالمتفجرات أو بالمفرقعات أو ضربه بالمدفعية المكثفة بجميع أعيرته، أو الصواريخ وحتى قنابل الطائرات.
فكرنا في كل البدائل ودرسناها، كما يقول ذكي، وكانت نتائجها في أحسن الأحوال، أن أقل زمن لفتح ثغرة من 12 إلى 15 ساعة، بجانب نسب الخسائر التي ستكون لكل 5 جنود هناك واحد شهيد بواقع 20% من كتلة الجيش.
في هذا الاجتماع الهام جمع القادة كل خبرات الحروب السابقة حول تدمير ساتر ترابي، وجميعها كانت بنفس النتائج التي توصلنا إليها.. وفي هذه الأثناء كان المقدم باقي ذكي، يجلس ويستمع لكل ما يقال، وكانت التساؤلات تحوم حول رأسه من جميع الاتجاهات، كونه في النهاية هو المسئول عن نقل كل المعدات المطلوبة إلى خط بارليف لتدميره.
اقرأ أيضا: فيديوجراف| بطولات شهداء حرب أكتوبر.. الشهيد الطيار عاطف السادات
قوة المياه والحل السحري
وهنا قرر المقدم باقي زكي أن يتدخل، وقام برفع يده مستأذنا للحديث، إلا أن قائد الفرقة رد عليه مداعبا" إيه ياباقي.. انت داخل تنام ولا ايه؟
".. ورد باقي سريعا متسائلاً ليه يافندم؟؟.. فكانت الإجابة من القائد " إنت تتكلم في الآخر لأنك إنت اللي هتشيل كل دا فتسأل في الآخر.. وكان رده "أانا عاوز اتكلم في الكلام اللي سمعته يافندم".
هنا تدخل أحد القادة وقال نصا:" صحيح ما نسمع باقي رأيه ايه يافندم؟.. وكون الساعة قد وصلت إلى منتصف الليل تقريبا، أراد رئيس فرع المركبات بالفرقة 19 مشاة تلخيص الكلام وعدم إطالة الحديث.. وعلق المقدم باقي زكي في حديثه على ما قاله رئيس المهندسين، وتساءل " المهندس تكلم عن قوة الصواريخ وقوة المفرقعات وقاذفات الطائرات، ونسيتم قوة المياه.. ألا تعتبر قوة هي الآخرى؟.. والقناة موجودة بجوارنا وليست بعيدة.
ما قاله باقي ذكي جعل الصمت يخيم على المكان والجميع منصت، واستكمل حديثه قائلاً" نجيب طلمبات "ماصة كابسة"، وتثبت على زوارق خفيفة، وتسحب المياه بقوة اندفاع معينة على الساتر الترابي، اللي هما بالمناسبة حسنوه لينا".
عم الاستغراب وجوه الجميع.. فكيف يقوم العدو بتحسين الساتر الترابي من أجلنا، ولكنه لم يتركهم في تلك الحالة كثيرا، فتابع قائلاً" نعم.. جعلوه مائل 80 درجة، بل وقاموا بتقريبه من الضفة الشرقية، بجانب أنهم قاموا بتعليته، وهذا الارتفاع يساعد المياه في إزاحة التراب، وهو بدوره " هينزل بكل اللي فيه من أسلاك ومعدات ومفرقعات ايضا وحتى الألغام.
اقرأ أيضا: أكتوبر والسادات.. «الأسطورة والقائد» في عيون العالم | صور
حول مصدر الفكرة وهل كان قد قام بتجهيزها من قبل أم لا؟، أكد اللواء باقي زكي خلال روايته للأحداث أن هذا الكلام خرج منه دون تفكير فيه ولم يكن مستعدا له، لأنه في النهاية ليس تخصصه وكان تلقائيا، وبمثابة إلهام من الله.
"لقيت قيادة الفرقة سكوت".. وصف اللواء زكي تلك اللحظات، لافتا أنها كانت فكرة خارج الصندوق 180 درجة، لأنهم فكروا في كل شئ، حتى القنابل الذرية والنووية، طبقا لرأي الخبراء الروس.
عاودت الحديث مجددا وتحدثت قائلا حتى أكثر حالة الاستغراب الموجودة ":على فكرة الكلام دا حصل في مصر، احنا بنينا السد العالي بالتجريف"، وهنا رد القائد متسائلاً عما كنا نفعله في أسوان.
هنا أوضحت له بالتفصيل أننا كنا نسحب المياه من النيل، ونضخها على جبال الرمال المتواجدة بمحيط السد العالي، أما إذا كان الجبل بعيد نسبيا كنا نضع طلمبات تقوية للمساعدة في ضخ المياه، وذلك بالبط ما يحتاجه الساتر الترابي، لأن العدو هيأ لي كل الظروف لضربه بواسطة المياه.
اقرأ أيضا: نصر أكتوبر | محطات في حياة المشير الجمسي.. مهندس حرب أكتوبر «صور»
أسئلة مشروعة
بعد ما أنتهيت من الكلام، قائد الفرقة فتح باب المناقشة، كما يشير باقي في حديثه، فرد أول ضابط متسائلا: "افرض مافتحش الثغرة؟.. فرديت مسرعا ": مش ممكن، لأن نظرية المقذوف اللي جاية من قانون نيوتن الثاني، تؤكد كلامي، ولكن الرملة بسبب عوامل التعرية لو نشفت هناخد وزن زيادة".
تساءل آخر" طيب هنعدي من ثغرة مليانة مياه إزاي بكل المعدات والأفراد دي".. ولكن قائد الفرقة قاطعه مسرعاً " أنا عاوز الجنزير " يقصد الدبابة" تعدي الأول، لمساعدة فرق المشاة على الجبهة.. وكان ردي أنه بعد عبور الدبابات نقوم بإرسال أطقم من الأفراد تقوم بتسوية الطريق وتمهيده لعبور باقي القوات.
سؤال آخر تم طرحه حول أن طلمبات السد عالي كانت تحتاج للكهرباء، من أين سنوفرها، وكيف سنقوم بتوصيلها واستخدامها على الشاطئ الثاني ونحميها من العدو.
أيضا كانت الإجابة على هذا السؤال حاضرة في ذهني، وأكدت أن السد العالي مولداته كانت كبيرة لأنها مصممة من أجل عملية معنية، أما هنا في هذا الوضع، فلا نحتاج كل تلك الإمكانيات.. فقط نحتاج توظيف قوة اندفاع المياه وضخها في الساتر الترابي، وستسقط الرمال بهذا الميل وستفتح الثغرة بالطول والعرض الذي نحتاجه، وإدخال كل المعدات التي نريدها هدخل كل حاجة نحتاجها.
اقرأ أيضا: نصر أكتوبر.. الأكثر مرارًا وألمًا على رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية
يقول اللواء باقي زكي "لم يكن هناك اعتراض على الفكرة، وما ساعد الفكرة أن تنتشر حتى تصل إلى القائد العام للقوات المسلحة الرئيس جمال عبدالناصر، كون فاتورة كافة البدائل من صواريخ ومدفعية ومتفجرات، كانت باهظة على معداتنا وجنودنا".
هنا قام قائد الفرقة برفع سماعة التليفون، وتحدث مع اللواء طلعت حسن على، وقال نصا: أيوا يافندم.. احنا بندرس المهمة يافندم وعندي ضابط بيقول كلام مهم يافندم، حضرتك لازم تسمعوا.
وقتها تعدت الساعة 12 صباحاً ، ورد اللواء بأنه يريدنا صباحا في مكتبه، وبالفعل 7 صباحا كنا أمام مكتبه، وشرحنا له الفكرة وأبدى استغرابه من مهندس يتحدث عن فتح الثغرات، فنادى على قائد سلاح المهندسين وجلسا يستمعان إلى.
فور انتهاء المقدم زكي من شرح فكرته ببساطة، رد المسئول الكبير قائلاً" :لازم الكلام ده يوصل لهيئة العمليات"، وبالفعل اتصل، ومن حسن حظه كما يوصف صاحب الفكرة، رد نائب رئيس الهيئة وهو اللواء ممدوح جاد تهامي، والذي كان القائد السابق للفرقة 19 ميكانيكا، قبل اللواء الحالي.
فور علمه بالخطة وأن صاحبها من الفرقة 19 تسائل " مين بالفرقة .. أنا أعرفهم كلهم، وعندما أبلغوه بأن صاحب الفكرة هو باقي زكي، رد بأنه يعرفه ويثق فيه، وطلب منهم أن أتوجه إليه حتى يسمعني وجها لوجه.
اقرأ أيضا: «قادة النصر».. المشير «محمد علي فهمي».. رجل الصواريخ الأول حول العالم
لم يمضي من الوقت كثيرا، حتى ككنت أمام مكتب اللواء ممدوح، واستقبلني بحفاوة، وشرحت له الخطة أو الفكرة.. وهنا كانت الخبطة التي وجهها اللواء بيده على زجاج المكتب أمامه قد رجت المكان، وقال نصا " هيا يابني ماتجيش إلا كدا.. مدفعية ايه ومفرقعات ايه".
يقول باقي زكي عن تلك اللحظات" شعرت من ردهة فعله، أنه أحس بقيمة الكلام، وأهميته.. وهنا رفع اللواء جاد سماعة التليفون، وطلب رئيس هيئة العمليات اللواء نوفل، وشرح له بطريقة حرفية، مؤكدا له أن البديل الأوحد ثمنه غالي في المعدات والأرواح.
على الفور طلب مدير العمليات أن نتحدث مع مدير المهندسين اللواء جمال محمد على، لشرح كافة التفاصيل الخاصة بالفكرة له، والذي طلب حضوري إليه على الفور بدون تأخير، وهو ما حدث بالفعل.
اقرأ أيضا: اللواء محمود عبد الرحمن فهمي.. رجل البحر العاصف
مرة أخرى، وفي نفس اليوم يتحدد اجتماع آخر سريع، وبالفعل توجهت إليه وقابلته وشرحت الفكرة كلها، وقلت نصا " الفكرة طلمبات ماصة كابسة تتثبت على زوارق خفيفة وتسحب المياه بقوة اندفاع ويضرب بها الساتر الترابي، والرمال هتزل باللي عليها.
طلب مني إعادة الفكرة مرة أخرى على مسامعه ومن أين جاءت، فأجبته.. وكان سؤاله المفاجئ "مين كان معاك من القيادات خدم في السد العالي؟.. وطرحت عليه على الفور بعض الأسماء كان منهم العقيد شريف مختار، والذي كان بالصدفة يخدم في الإدارة، فاتصل عليه وأحضره على الفور.
حضر العقيد شريف، وسلمت عليه بطريقة حارة كوني ل أراه منذ فترة، وعرضت عليه فكرتي حول تدمير السد العالي بدون متفجرات كما كنا نفعل في أسوان مع جبال السد.. وكان رد العقيد شريف مختار حاسما ومؤكدا لكل كلمة قالها اللواء باقي ذكي وقال نصا " ايوا يافندم كل رمال السد العالي نزلناها كدا.. ولا يوجد حبة رمل هناك لم نقم بإنزالها إلا بواسطة استخدام المياه".
هنا نظر إلى قائد سلاح المهندسين وقال " عارف رايح فين"، وانصرفت عائدا أدراجي إلى اللواء ممدوح جاد، الذي شرحت له كل ما حدث وطلب مني العودة لوحدتي مرة أخرى.
في طريق العودة إلى وحدته، كان هناك أمرا يشغل بال المقدم باقي زكى، يبحث لها عن حل والتي تتمثل في العلاقة بين الطلمبة و"فتحة الباشبوري"، لأنها تحتاج إلى علاقة توافقية وتوازي بين الاثنين.. وهنا قرر الضابط زكي تغيير وجهته إلى وزارة السد العالي.
هناك أكد المقدم باقي زكي لمسئولي الوزارة أنهم ينظمون احتفالات للضباط والعساكر، في المناسبات الوطنية خاصة السد العالي، وطلب منهم إعارته لبعض اللوح التي تم تصويرها أثناء فترات بناء السد العالي حتى يعرضها على الضباط والعساكر..ويقول زكي حول ما فعله هناك " كل الألواح التي تتعلق بعمليات التجريف لجبال الرمال في السد العالي تحصلت عليها، واستفسرت عن كل شئ أريده، ومن هناك توجهت إلى قيادة الفرقة 19.
اقرأ أيضا: قبل حرب أكتوبر.. مواقف السادات أرعبت إسرائيل
جمال عبد الناصر ينتظر التقرير
فور عودته توجه إلى قائد الفرقة، وأعطاه جميع صور التجريف التي حصل عليها، وجلس القائد يدرس لوحة لوحة لمدة تزيد عن 3 ساعات، وفي النهاية طلب منه تقرير بسيط بدون القوانين العلمية، تتكون من كلام بسيط وسهل لفتح باب الفكرة للدراسة، ولا تكون أكثر من ورقة أو اثنين على أقصى تقدير.
إلى غرفته توجه الضابط مرعا ، وجلس لكتابة التقرير، الذي ما إن انتهى من كتابته يقوم بتقطيعه ويستعد لكتابة آخر.. وهكذا ظل ساهرا طوال الليل من أجل تنفيذ المهمة.. وعن ذلك يقوم " كنت أريد تقريرا بسيطا، لأنني لم أكن أنظر إلى الفكرة على أنها فكرتي وأريد تنفيذها، بل لأن الظروف قادتها أن تكون الفكرة الوحيدة القابلة للتنفيذ، ولا تحتاج لتكليفات عالية وخطرة، بل كانت عمل مفاجئ وغاية في البساطة ، والأهم أن العدو لم يلتفت إليها العدو، وهي تعتبر جبار بإمكانيات محدودة، ولابد أن تكون في أسرع وقت".
الساعة العاشرة صباحا رن هاتف مكتب المقدم زكي، وفوجئ بالقائد يطلب منه التقرير، الذي لم يكن قد أنهاه بعد، فطلب منه أن يتوجه إليه للتحدث معه فوافق القائد .. وهناك استغرب قائد الفرقة من مظهره، حيث لم يكن قد حلق ذقنه وملابسه مليئة بالأتربة، فقطع استغرابه سريعا وقال له ": والله ماسبت الكرسي ولا المكتب يافندم من امبارح، لاني أريد أعمل توازن بين الطلمبة و"فتحت الباشبوري".
هنا كشف له قائد الفرقة عن سر حربي وطلب منه عدم إطلاع أحد عليه مهما كان، وأكد له أنه يريد التقرير سريعا، لأن الرئيس جمال عبدالناصر، يقوم بعمل اجتماع كل أسبوع مع القيادات، ويريد عرض الفكرة عليه في الاجتماع القادم.. وكان رد المقدم زكي " التقرير خلص يافندم وزي ما حضرت عاوزه"، ولكنه عاد وطلب منه عمل تقرير صغير جدا يعتبر ملخص نهائي للفكرة، وبالفعل قام بكتابته سريعا وأعطاه إليه.
5 أيام فقط، وكان قائد الفرقة 19 ميكانيكا يطلب من المقدم باقي الحور لمكتبه، وهناك طلب منه بصورة مفاجئة المسودة الخاصة بالتقرير الذي قام بكتابته، وعندما أحضره قام القائد بإحراق المسودة في منتصف المكتب، وأبلغه قائلاً " الرئيس عبدالناصر رحب بالفكرة واهتم بيها وناقشها مع كل اللي قاعدين وأخر المناقشة تقرر استمرار الدراسة.
اقرأ أيضا: كيف نجح السادات في خداع الجميع؟.. لغز الساعات الحاسمة قبل معركة الثأر
تنفيذ الفكرة على أرض الواقع
أصبح هنا الأمر جدياً.. فلقد انتقلت الفكرة من حيز الكلام إلى حيز التنفيذ.. كل الأجهزة في الجيش بلا استثناء، تلقت الأوامر التكاتف لتنفيذ الفكرة، وطبقا للواء زكي باقي، فإن إدارة المهندسين وحدها قامت بعمل 300 تجربة، وكانت أول تجربة تمت في هذا الشأن، داخل منطقة حلوان في سبتمبر 69 على طلمبة ، احضروها من السد العالي تعمل بالكهرباء.
كانت نتيجة تلك التجربة الأولى، أنها قامت بعمل ثغرة في الرمال في غضون 4 ساعات وربع.. بعدها تم عمل التجارب على جميع أنواع الطلبمات، لأن المستهدف هو فتح ثغرات من بورسعيد إلى السويس، ولذلك تم عمل تجارب على جميع أنواع الأراضي.. أما عن أخر تجربة فعلية تمت، أكد اللواء باقي ذكي أنها تمت كبيان عملي داخل جزيرة البلاح بالقنال، بجوار العدو الذي كان يشاهد والأقمار الصناعية تصور دون أن يدروا ماذا نفعل.. وكانت النتيجة فتح ثغرة في 3 ساعات وربع، ووقتها تقرر استخدام طريقة التجريف على طول الجبهة.
اقرأ أيضا: بقلم كيسنجر.. أنور السادات القائد اليقظ والسياسي الاستثنائي
حرب أكتوبر وتدمير حائط بارليف المنيع
في 6 أكتوبر بدأت الحرب فعليا، مع دقات الساعة 2 ظهرا، وفي حدود الساعة السادسة مساء كانت أول ثغرة تم فتحها في خط بارليف، وعند حدود الساعة العاشرة، كان بفضل الله تم فتح 60 ثغرة كاملة، وكان نتيجة ذلك، نزول 90 ألف متر مكعب من رمال الساتر الترابي في أعماق القناة .
يقول اللواء باقي زكي عن ذلك " العدو كان يريد معرفة مجهودنا الرئيسي أين كان يتم، لكنه لم يكن يعي أننا نقوم بفتح الثغرات من بورسعيد إلى السويس على طول الخط ، ولذلك عندما حاول العدو بعمل هجمة مضادة كنا قد أسقطنا الساتر الترابي تماما، وتحولوا إلى فئران داخل الجبال.
يصف صاحب فكرة تدمير خط بارليف حرب 6 أكتوبر بأنه في أحد المرات أيام الحرب دخل إلى دبابة إسرائيلية محترقة، كونه كان رئيس فرع المركبات في الجيش الثالث الميداني بأكمله، وكانت رائحة الطلاء الجديد تزكم الأنوف، ولم تتحرك سوى لمسافة 240 كيلو فقط، مما يدل على أن العدو كان يمتلك كل شئ حديث وجديد، ونحن كنا نمتلك الإنسان المصري والفكر الذي أعطانا إياه الخالق.
اقرأ أيضا: أبطال أكتوبر.. اللواء ملاح علي حجاج صاحب أول صاروخ جوي ينطلق نحو مواقع العدو
السيرة الذاتية للواء باقي زكى
ولد فى 23 يوليو عام 1931 وتخرج عام 1954 من كلية الهندسة - قسم ميكانيكا من جامعة عين شمس، وعمل ضابطًا مهندسًا في القوات المسلحة خلال الفترة من عام 1954 وحتى 1 يوليو 1984، قضى منها خمس سنوات برتبة لواء.
نال اللواء باقى زكى يوسف العديد من الاوسمة وهي :-
نوط الجمهورية العسكري من الدرجة الأولى من الرئيس أنور السادات في فبراير عام 1974 عن أعمال قتال استثنائية تدل على التضحية والشجاعة الفائقة في مواجهة العدو بميدان القتال في حرب أكتوبر 1973.
حصل على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية عام 1984.
توفي اللواء باقي زكي يوسف في 23 يونيو 2018 عن عمر يناهز 87 عامًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.