لو كان السادس من أكتوبر معجزة كما يقال ما كان لنا بعده مستقبل! إن قيمة الحدث التاريخي انه يجري حسب طبائع الأشياء لا عكسها في حين أن المعجزة تجري عكس هذه الطبائع. عندما أراد العقاد في كتابه عبقرية محمد أن يدلل علي نبوة الرسول جعل في مقدمة الأدلة ان العصر كان في حاجة إلي نبي وكان محتما ان يظهر. وينطلق هذا القول بحذافيره علي أي حدث تاريخي آخر, فالثورة الأمريكية غيرت وجه التاريخ, والثورة الفرنسية فعلت الشيء نفسه, وأيضا كان6 أكتوبر يوما تاريخيا. تعرض الاقتصاد المصري لخسائر هائلة أثرت علي قدراته وصورته العامة وأدائه تمثلت في: فقدان سيناء بثرواتها البترولية والمعدنية وامكاناتها السياحية, حيث قامت إسرائيل بنهب ثروات سيناء وبالذات نفطها وهو ما يعني ان مصر فقدت بشكل نهائي جزءا من الثروات الطبيعية في سيناء بعد حرب.1967 فقدت مصر إيرادات القناة التي قد بلغت نحو95.3 مليون جنيه عام1966 أي نحو219.2 مليون دولار توازي نحو4% من الناتج المحلي الاجمالي في ذلك العام, حيث توقفت الملاحة في قناة السويس في منتصف عام1967 حتي عام1974 قبل أن يتم افتتاحها في عام.1975 فقدت مصر جانبا مهما من الإيرادات السياحية قدرت بنحو100 ألف جنيه يوميا أي نحو36.5 مليون جنيه سنويا توازي قرابة84 مليون دولار في ذلك الحين. السياسات الاقتصادية بين الحربين: تشكلت ملامح السياسات الاقتصادية المصرية في الفترة ما بين حرب يونيو1967 وحتي حرب أكتوبر1973 علي اساس انها سياسات لإدارة اقتصاد حرب وتجسد ذلك في: فرض ضرائب جديدة وزيادة معدلات الضرائب القائمة وذلك لزيادة الإيرادات العامة الضرورية لمواجهة التزايد السريع في الانفاق العام اللازم للاستعاد لخوض جولة جديدة من الصراع العسكري مع العدو. تزايد إصدار البنكنوت كألية لتمويل الانفاق العام فيما يعرف بالتمويل بالعجز, حيث بلغت الزيادة في البنكنوت المصري اكثر من ثمانية اضعاف مقدار التغيير في الناتج المحلي الاجمالي في ذلك العام. كما اتسمت السياسة الاقتصادية آنذاك بإعطاء أولوية للاستثمارات التي تخدم المعركة علي كل ما عداها من استثمارات, فبداية من عام1972 تم ايقاف استيراد السلع الكمالية, كما تقرر زيادة الرسوم الجمركية علي السلع الكمالية الواردة للاستعمال الشخصي بنسبة50%, كما تم قصر تجارة الجملة في المواد والسلع التموينية الأساسية علي القطاع العام, وكان الهدف من ذلك هو منع أي تلاعب في هذه السلع وضمان وصولها إلي جماهير الشعب باعتبار توفيرها عنصرا مهما في تحقيق الاستقرار السياسي. كما لجأت مصر إلي زيادة الاعتماد علي التمويل الخارجي من خلال القروض والمنح التي تلقتها مصر من الدول الشقيقة والصديقة في ظل عدم كفاية المدخرات المحلية لمواجهة متطلبات الانفاق الاستثماري, وفي ظل العجز الكبير في ميزان المدفوعات الجاري بسبب زيادة الواردات الضرورية للتسريع بتهيئة الظروف للجيش لخوض حرب أكتوبر.1973 ويمكن القول بأن القطاعات العريضة من أبناء الشعب هي التي تحملت عبء تمويل الاستعداد لمعركة أكتوبر في الفترة ما بين الحربين. وهكذا استطاع المقاتل المصري تحطيم جدار الوهم الذي بنته إسرائيل والتي ادعت فيه أنها تفوق مصر حضارة وقدرة, واليوم تم التأكيد الفعلي علي ان المصري الذي أقام حضارة ضاربة بجذورها في عمق الزمان كان ومازال قادرا علي اقامة حضارة جديدة استمرارا لما قدمه للبشرية.