تظل مسألة تنامي النفوذ الإسرائيلي داخل أمريكا وحول العالم حاضرة بكل معانيها الاستفزازية، وهو نفوذ متنام إلي درجة البلطجة والغرور الذي لا يجد من يردعه، إلي درجة جعلت الرئيس الأمريكي باراك أوباما ينتهز فرصة عطلة الكونجرس ليعجل التوقيع علي قرار إرسال سفير أمريكي جديد إلي دمشق وآخر إلي تركيا، بل وتوقيع قرار تعيين نائب لوزير العدل الأمريكي بعد أن ظلت تلك القرارات في مواجهة اعتراضات من الجمهوريين المناوئين لأوباما داخل الكونجرس. هذا النفوذ الإسرائيلي والذي يعتمد علي سياسة لا تترك المجال لهفوة أيًا كان مصدرها وسواء كان المعترض علي سياسة إسرائيل سياسيا أو كيانًا اقتصاديا أو حتي دولة دون محاسبة باستخدام كل الأدوات المتاحة بدءًا من المحاكمة بعد أن نجحت مراكز القوي المعروفة باسم لوبي إسرائيل في مختلف أنحاء العالم في تقنين ما يعرف بفزاعة معاداة السامية، ولدينا مثال المفكر الفرنسي روجيه جارودي، وحيث أصبحت معظم بلدان الغرب وعلي رأسها الولاياتالمتحدة تعاقب من يثبت اتهامه بما يسمي «معاداة السامية». ومرورًا باستخدام فزاعات الإعلام الموالي لإسرائيل، استخدام هذه الفزاعة أي معاداة السامية شجع إسرائيل علي التمادي وحيث تحاول دون كلل ادماج معاداة السامية أو اليهودية بمعاداة ما يسمي بالصهيونية، في الوقت الذي تحاول الحصول علي اعترافات دولية بيهودية الدولة الإسرائيلية. وفي الوقت الذي جندت فيه إسرائيل نفوذها المتنامي لوقف أي محاولات فلسطينية للجوء إلي الأممالمتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية وللأسف نجحت في الحصول علي دعم أمريكا وهو شيء متوقع فصدرت التحذيرات ولن أقول الأوامر وتراجع الجانب الفلسطيني عن مطالبته هذه، فإن نجاحًا آخر تكاد إسرائيل أن تحرزه برز قبل أيام حين أعلن الفلسطينيون علي استحياء لجوئهم لمجلس الأمن الدولي لإدانة مجرد إدانة الاستيطان الإسرائيلي المستمر علي الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس منذ العام 1967، . وسارع المتحدث المناوب باسم الخارجية الأمريكية إلي الاعتراض علنا علي تلك المحاولة وبالطبع استخدم مبرر «ترك الجانبين للنقاش مباشرة حول هذه القضايا في محادثات السلام»، هذا الاعتراض وإن كان لم يتضمن إشارة واشنطن لاعتزامها استخدام حق الفيتو لوقف استصدار مشروع القرار هذا والخالي تماما من أي اقتراحات لفرض عقوبات علي إسرائيل إلا أنه يعكس بوضوح موقف واشنطن التي كانت قبل أسابيع قد أعلنت تسليمها وتوقفها عن مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان. إن الغرور الإسرائيلي المستمر وصل إلي درجة إعداد قانون عبر الكنيست يجرم من يجرؤ من الشركات أو الدول علي مقاطعة منتجات المستوطنات غير الشرعية حسب القانون الدولي لأنها علي أرض محتلة ومسروقة كأجراء احترازي يمهد لاستصدار نسخ منه علي المستوي المحلي في دول العالم بعد تزايد اعتراضات متواضعة في الشارع الأمريكي والأوروبي مؤخرًا ضد متاجر تبيع سلعًا مستوردة من المستوطنات الإسرائيلية وتباع بعضها تحت لافتات غير حقيقية تدعي أنها منتجات إسرائيلية وليست منتجات للمستوطنات المنهوبة من أراضي الفلسطينيين وتتوالي الأنباء حول نجاحات النفوذ الإسرائيلي، في تواز مخجل مع جهل بين ومضاد من الجانب العربي. فإسرائيل الذي امتد نفوذها في مناطق الخط الأحمر بالنسبة لنا ولدينا مثال علي ذلك في علاقتهم المشبوهة بالسودان الجنوبي المفترض وحيث ستكون سفارة إسرائيل واعتراف إسرائيلي وأمريكي في سباق لتبوؤ أول من يعترف بأول دول السودان المقسمة، فمتي ندرك أنهم في واشنطن وبقية عواصم أوروبا والغرب عمومًا لا يفهمون سوي لغة المصالح بدليل مواقفهم التي تغيرت فورا بوقع «ذات المصالح» عقب موقف العرب الموحد واستخدامهم لسلاح النفط في حرب 1973 . لقد نجحت إسرائيل في التأثير بنفوذها المفرط علي صناع القرار بل والرأي العام فحولت الحقائق إلي أكاذيب، وتحولت مصالح الغرب مع العرب إلي أصفار، وتحولنا نحن إلي دول تؤيد الإرهاب الفلسطيني وظهرت حملات منظمة ضد الإسلام والعرب بل وحملات زرعت لدي الرأي العام رفضًا للاعتماد علي النفط العربي. بينما غابت الحقيقة والتي تقول إن مجموع الواردات الأمريكية من النفط العربي قياسا علي وارداتها العامة من النفط لا تتجاوز 20% وأن الشركات النفطية الكبري وأغلبها أمريكية تعيش علي مكاسب هائلة من واقع سيطرتها علي صناعة وتجارة النفط العربي حول العالم تتجاوز في كثير من الأحيان مكاسب أصحاب النفط أنفسهم، بعد هذا لا يبقي لنا سوي أن نحلم بيوم يكون بوسع المرء منا ونحن نعبر إلي عام جديد أن نحلم مجرد أن نحلم بموقف عربي واحد يعتمد علي لغة المصالح حين نستطيع أن نقايض ولو لمرة واحدة أخري مصالحنا بمصالحهم ومواقفهم تجاهنا وتجاه إسرائيل بتوقفنا عن المنح دون مقابل سوي «الذلة».