معروف أن مصر تحتل موقعا جيوستراتيجيا ميزها عبر التاريخ، موقع يمكنها من المشاركة في صياغة السياسات الإقليمية والدولية حربا وسلما. وقد حقق لها ملتقاه الآسيوي والأفريقي مكانة مختصة تجعلها دولة مفصلية بين منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. وتستند الأهمية الجيو إستراتيجية لمصر علي أربعة محاور رئيسية، وهي الموقع الجغرافي والقوي البشرية الهائلة، والثروات الاقتصادية، والتراث الحضاري التاريخي العريق الذي يعود لآلاف السنين. وارتباطاً بموقعها والمتغيرات التي مرت عليها تواجه مصر تحديات كبيرة لأمنها الداخلي سواء في الداخل أو من خلال الإتجاهات الإستراتيجية المختلفة.. فمن الإتجاه الإستراتيجي الغربي نجد عدم الإستقرار السياسي والأمني الممتد في ليبيا والناشئ عن انتشار السلاح بين القبائل والنزاعات القبلية التي تصاعدت لصراعات علي السلطة والثروات وأدت لحرب أهلية كما ساعدت علي انتشار الإرهاب، مما زعزع استقرار العمق الإستراتيجي الغربي لمصر وهدد الحدود الغربية المصرية. وبالنظر للإتجاه الإستراتيجي الشمالي الشرقي نجد تعاظم القوي العسكرية الإسرائيلية المواجهة لمصر وبما يهدد التوازن الإستراتيجي العسكري بالمنطقة في ظل الظروف الحالية.. ومن جانب آخر تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، مع سيطرة مسلحة كاملة لحركة حماس، والتي ارتبطت فكرياً بجماعة الإخوان المسلمين مما أدي لتعميق الانقسام الفلسطيني الداخلي. وقد كان للأنفاق السرية من قطاع غزة إلي شمال سيناء شديد الأثر علي الأمن الداخلي المصري، في الوقت الذي تواجه فيه الدولة المصرية هجمات الإرهاب في سيناء.. وقد أدي كل ما سبق إلي تهديد الحدود المصرية الشرقية وأيضا تهديد عمقها.. ونجد علي الاتجاه الإستراتيجي الجنوبي أزمة »مثلث حلايب»، ومحاولات جر القاهرة لتدويل القضية، فضلاً عن التقارب الشديد بين الخرطوم وأديس أبابا بشأن نهر النيل وسد النهضة والذي قد يأتي علي حساب مصر.. بجانب ان السودان قد صُنفت من سنوات دولة راعية للإرهاب وتؤوي إرهابيين مطلوبين علي ذمة قضايا عنف وتخريب في مصر.. ولا شك أن مصر تعاني من تسرب عناصر إرهابية من السودان عبر الحدود. أما عن تهديد المياه والتغيرات المناخية، فطبقاً لبعض الأبحاث يتوقع ان تعاني مصر من عجز في إيراد النهر بمتوسط سنوي مقداره 9 مليارات متر مكعب، وسيزداد العجز المائي إلي 16 مليار متر مكعب سنويا مع التغيرات المناخية، وستخسر مصر ما لايقل عن 2 مليون فدان من الاراضي الزراعية، كما سيترتب علي انشاء السدود انخفاض من انتاج الكهرباء من السد العالي وخزان أسوان بمقدار 20، كما قد يسهم سد النهضة في إثيوبيا في ندرة المياه. وهناك تحديات مركبة للأمن الداخلي في مصر، فقد أدت الحدود الدولية المتسعة، وحركة اللاجئين إلي تسهيل الهجرة غير الشرعية، والجرائم العابرة للحدود كتجارة وانتشار السلاح، وتجارة المخدرات والرقيق الأبيض والأطفال، وتجارة الأعضاء البشرية وغيرها.. ورغم عدم نجاح أي فتن طائفية أو عرقية أو قبلية في مصر إلا أن الإنقسام المجتمعي حول قضايا غير مؤثرة قد بدأ في التزايد بين الشعب المصري في أمور لا تستحق وربما هناك جهات بعينها وراء ذلك.. وأخيراً نجد الإرهاب المسلح والمنفرد في سيناء وعلي الحدود الغربية وأحياناً في الداخل والذي يعمل بقوة لفرض السيادة الكاملة ولو علي قرية مصرية صغيرة..أما التحدي الأخطر فهو التزايد السكاني الكبير مع عدم وجود الموارد الإقتصادية اللازمة لمجابهة النو السكاني، إذ تحتاج مصر لمعل نمو إقتصادي سنوي 9.5% وهو ما لم يحث للآن. وعن جهود مصر لمواجهة هذه التحديات والموقف الدولي منها يدور المقال القادم. استشاري وأستاذ زائر للأمن الدولي بأكاديمية دفاع الناتو