إخلاء سبيل صلاح التيجاني بكفالة 50 ألف جنيه    مجلس الوزراء: خطوات هامة وبدايات مبشرة لصناديق الاستثمار المصرية في الذهب    وزيرة التضامن تبحث مع سفير الاتحاد الأوروبي التعاون في مجالات العمل المشتركة    الأسهم الأمريكية تسجل مكاسب للأسبوع الثاني.. وداو جونز يصل مستوى غير مسبوق    الدفاع الروسية: قواتنا استهدفت منشآت طاقة أوكرانية بأسلحة عالية الدقة وطائرات دون طيار خلال الليل    وزير الداخلية اللبناني: نعمل على صد أي محاولة لضرب الأمن الداخلي في لبنان    الناخبون في التشيك يواصلون التصويت لليوم الثاني في انتخابات مجلس الشيوخ والمجالس الإقليمية    التشكيل المتوقع للمصري في مواجهة الهلال الليبي بالكونفدرالية    القنوات الناقلة لمباراة ريال مدريد وإسبانيول في الدوري الإسباني.. والقنوات الناقلة    تأجيل محاكمة مضيفة الطيران المتهمة بقتل ابنتها في التجمع الخامس لدور أكتوبر    عمرو الفقي: تحية لفريق عمل والقائمين على مسلسل برغم القانون    مفتي الجمهورية من موسكو: علينا تصحيح الصورة المغلوطة عن التراث الإسلامي بالحوار    المشاط تبحث تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الوكالة الفرنسية للتنمية    مستثمرو مرسى علم يطالبون بمشاركة مصرية قوية فى بورصة لندن السياحية نوفمبر المقبل    واتكينز ينهي مخاوف إيمري أمام ولفرهامبتون    موعد مباراة ريال مدريد وريال سوسيداد والقنوات الناقلة في الدوري الإسباني    غدًا.. وزير التعليم يزور قنا لتفقد عدد من المدارس مع بداية العام الدراسي    سقوط 3 عناصر إجرامية بترسانة أسلحة بالقليوبية    توجيهات عاجلة من مدبولي ورسائل طمأنة من الصحة.. ما قصة حالات التسمم في أسوان؟    ضبط المتهم المتهم بالتعدي على سيدة لخلافات على أولوية المرور في القاهرة    محافظ المنوفية: طرح 12 مدرسة جديدة للتعليم الأساسي والإعدادي والثانوي    الليلة، انطلاق عرض مسلسل تيتا زوزو على منصة Watch It    انطلاقة قوية لمواليد برج الأسد في بداية الشهر الشمسي الجديد    القصة الكاملة لشائعة وفاة محمد جمعة.. ما علاقة صلاح عبد الله؟    داعية إسلامي: يوضح حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    مستشفيات جامعة سوهاج تنهي قوائم الانتظار بنسبة 98 ٪؜    «اللي بيحصل يهد ريال مدريد».. رسالة نارية من ميدو ل جمهور الزمالك قبل السوبر الإفريقي    رواتب تصل ل25 ألف جنيه.. فرص عمل في مشروع محطة الضبعة النووية - رابط التقديم    في يوم السلام العالمي| رسالة مهمة من مصر بشأن قطاع غزة    تقرير أمريكي: بلينكن لم يزر إسرائيل بجولته الأخيرة خشية تقويضها لجهود الوساطة    شيخ الأزهر يعزي اللواء محمود توفيق وزير الداخلية في وفاة والدته    تحرير 458 مخالفة «عدم ارتداء الخوذة» وسحب 1421 رخصة بسبب «الملصق الإلكتروني»    وزير الشئون الاجتماعية اللبناني: التفجيرات الإسرائيلية الأخيرة غير مسبوقة وتتطلب تكاتف جهود الجميع    وزير الإسكان: تخفيض 50% من رسوم التنازل عن الوحدات والأراضي بالمدن الجديدة    بعد ارتفاع الطن.. سعر الحديد اليوم السبت 21 سبتمبر 2024 في المصانع    "تحيا مصر وعاش الأزهر".. 12 صورة ترصد أول أيام الدراسة في معاهد أسيوط (صور)    زاهي حواس: مصر مليئة بالاكتشافات الأثرية وحركة الأفروسنتريك تسعى لتشويه الحقائق    بسمة بوسيل تنشر إطلالة جريئة لها.. وتغلق التعليقات (صور)    انتظام الدراسة في أول أيام «العام الجديد» بقنا (تفاصيل)    عالم بوزارة الأوقاف يوجه نصائح للطلاب والمعلمين مع بدء العام الدراسي الجديد    تأهل علي فرج لاعب وادى دجلة لنهائي بطولة باريس للإسكواش    دراسة فرنسية: 35 مليون شخص مصابون ب"الألزهايمر" حول العالم    بدء العام الدراسي الجديد.. ما هي خطة وزارة الصحة لتأمين للمنشآت التعليمية؟    عقب الإصابة بأعراض النزلات المعوية.. «الوقائي» يتفقد الحالات المرضية ب4 مستشفيات بأسوان    الفرق الطبية بالشرقية تجري 475 زيارة لخدمة كبار السن وذوي الهمم    «بعد حبسه».. بلاغ جديد للنائب العام ضد الشيخ صلاح التيجاني يتهمه بازدراء الدين    استقرار أسعار اللحوم الحمراء اليوم السبت 21 سبتمبر    «اعرف واجبك من أول يوم».. الواجبات المنزلية والتقييمات الأسبوعية ل رابعة ابتدائي 2024 (تفاصيل)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    انخفاض جديد في درجات الحرارة.. الأرصاد تزف بشرى سارة لمحبي الشتاء    وزير خارجية لبنان: لا يمكن السماح لإسرائيل الاستمرار في الإفلات من العقاب    لطيفة: أمي قادتني للنجاح قبل وفاتها l حوار    رياضة ½ الليل| مواعيد الإنتركونتينتال.. فوز الزمالك.. تصنيف القطبين.. وإيهاب جلال الغائب الحاضر    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    الزمالك يُعلن طبيعة إصابة مصطفى شلبي ودونجا قبل مواجهة الأهلي في السوبر الأفريقي    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    ضحايا جدد.. النيابة تستمع لأقوال سيدتين يتهمن "التيجاني" بالتحرش بهن في "الزاوية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر والموت عطشا!!
نشر في صباح الخير يوم 03 - 01 - 2012

هل يمكن أن يأتى اليوم الذى تموت فيه مصر عطشا ؟! هل مصر معرضة لضربة قاسية ومؤثرة بأسلحة المناخ ؟! هل التغيرات المناخية بأيدى العلماء وبفعل قوى الشر فى العالم ممكن أن تنشر الجفاف والمجاعة والموت، خاصة أن مصر هى ثانى دولة فى العالم تأثرا بالتغيرات المناخية ؟! هل لا مفر من دخول مصر حروب المياه ؟! وأخيرا ماذا سنفعل لو كان هناك تهديد «للأمن المائى» المصرى ؟!!
لا أحد يستطيع أن ينكر أن «الماء هو الحياة» وأن «مصر هى النيل.. والنيل هو مصر»، وبدون النيل سيتغير وجه الحياة على أرض مصر تماما، فقد شكل النيل على مدى التاريخ حياة الشعب وعقائده وعاداته، ويكفى ما حدث فى الثمانينيات من كارثة مروعة لمصر ودول حوض النيل، حيث عانى الجميع من «الجفاف الشديد» الذى استمر «8 سنوات» من «عام 9791-8891»، لدرجة وصل معها قياس تدفق النيل عند أسوان إلى أسوأ حالاته نحو «24 مليار متر مكعب فقط» فى عامى «3891 - 4891»، وفى يوليو «8891» اضطرت مصر إلى سحب «01 مليارات متر مكعب» من المخزون الاستراتيجى، وهو أدنى منسوب وصل إليه النيل خلال الثلاثين عاما الماضية، والذى هدد الاقتصاد القومى بإيقاف توليد الكهرباء من محطة السد العالى، وبلغت موجة الجفاف فى الثمانينيات درجة بالغة من السوء على مصر، حيث أثرت سلبا على الزراعة والرى والمحاصيل، والسياحة والنقل النهرى، والصناعة وغيرها، ووصلت «صدمة الجفاف» حدها الأقصى عندما أفزعت المصريين وجعلتهم يخشون من أزمة مائية قادمة ومتوقعة، وأصبح أمن المياه المصرية «قضية أمن قومى»، لدرجة لم يعد لدى المصريين أى اعتراض إذا ما أقدمت الدولة على الحرب إذا كان هناك أى تهديد لجريان النيل فى مصر
* الفقر المائى.. وحروب المناخ
هل يعلم المسئولون والسياسيون عندنا أن مصر هى «ثانى» دول العالم تأثرا بالتغيرات المناخية التى قد تكون بفعل فاعل وبأيدى العلماء، حيث أكد تقرير بريطانى صدر حديثا عن مركز «هادلى» للأرصاد الجوية بالمملكة المتحدة يحذر من الاحترار وارتفاع درجة الحرارة على نطاق واسع فى مصر منذ عام 1960 التى وصلت إلى أسوأ موجاتها فى عام 2007، وكشف التقرير عن أن درجة الحرارة سوف تستمر فى الزيادة بمقدار من «3-5 درجات» حتى عام 2100، وسوف تتأثر مصر بارتفاع منسوب البحر، ويتزايد الطلب على المياه بشكل يمثل تهديدا لأمن مصر المائى، وأن مياه نهر النيل سوف تتعرض للشح، كما سينخفض معدل الأمطار مستقبلا بنسبة 20٪، وبسبب هذا الفقر المائى سوف تتأثر المحاصيل الثلاثة الغذائية الأولى فى مصر وهى «القمح - الأرز- الذرة»، ويحذر التقرير البريطانى لمركز «هادلى» للأرصاد الجوية مما شهدته مصر فى السنوات العشر الأخيرة من ظواهر مناخية غامضة وغير عادية كارتفاع درجة الحرارة وازدياد الليالى الدافئة وانخفاض الليالى الباردة هذا غير العواصف الشديدة والزلازل وموجات الجفاف والسيول المدمرة واضطراب الطقس والمناخ.
أكدت دراسة بالغة الخطورة قامت بها منظمة اليونسكو للأمم المتحدة وأجراها العالم «بيفرل ميج»، أن «مصر» هى دولة الصحراء الأولى فى العالم بناء على التقسيم الدولى لدول «الحزام القاحل» وقسمته الدراسة إلى ثلاثة مستويات طبقا لمعدلات سقوط الأمطار، المستوى الأول المناطق «شديدة القحولة» والأمطار بها تقل عن «100 مم» على المتر المربع سنويا، والثانى «المناطق القاحلة» والأمطار بها تقل عن «250 مم»، والثالث «المناطق شبه القاحلة» والأمطار بها تقل عن «400 مم»، المحزن أن «86٪» من الأراضى المصرية تقع تحت المستوى الأول وهو «شديد القحولة»، وأن «41٪» الباقية تقع تحت المستوى الثانى وهو «الأراضى القاحلة»، حيث إن معدل الأمطار التى تسقط على مصر سنويا لا تتجاوز «01 مم» على المتر المربع وهو أقل معدل لأى دولة فى العالم !!
* الجفاف فى مصر.. رعب المستقبل
يحذر العلماء للأسف الشديد من أن مصر وسبب العبث والتلاعب فى التغيرات المناخية وحروب المناخ، وما تتعرض له فى السنوات الأخيرة من ازدياد مستمر لمعدلات حدوث الكوارث الطبيعية المصطنعة كالزلازل والعواصف والأعاصير وموجات الجفاف والسيول وغيرها، مما يؤدى إلى التدمير والهلاك وموت الملايين من البشر، والمثير للسخرية والتعجب أنه فى أغلب الأحوال يكون الفاعل مجهولا!! وتلصق التهمة بالقضاء والقدر!! وقد أدى الانتباه إلى هذه الظاهرة إلى إنشاء العديد من المنظمات الدولية للحد من المخاطر المميتة لهذه الكوارث المناخية وإقامة قواعد البيانات والمعلومات اللازمة لذلك وأبرزها «منظمة الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث»، خاصة أن مصر من الدول شديدة التأثر بالمخاطر المباشرة للتغيرات المناخية الناتجة عن ارتفاع متوسط درجة الحرارة وارتفاع سطح البحر، ولهذا تتعرض للجفاف الشديد ولغرق الدلتا.
فى كارثة مروعة اتضحت ملامحها فى السنوات العشر الأخيرة أن «مصر» للأسف الشديد قد تجاوزت حد الفقر المائى وتعيش «أزمة المياه»، لدرجة بلغ معها نصيب المواطن المصرى من الماء حتى أصبح «تحت خط الفقر المائى»، حيث انخفضت حصة الفرد فى ماء النيل من «1000 متر مكعب سنويا» إلى «650 مترا مكعبا»، وفى تقرير خطير صدر عن مركز المعلومات ذكر أن نصيب الفرد المصرى كان «2604 أمتار مكعبة سنويا» منذ 50 عاما مضت، اليوم أصبح نصيب الفرد من المياه سنويا 860 مترا مكعبا أى أن نسبة الانخفاض بلغت 67٪، وسوف يتقلص نصيب الفرد إلى «582 مترا مكعبا» بحلول عام «2025»!! هذا فى الوقت الذى تؤكد فيه منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» أن كل إنسان يولد يحتاج إلى نحو «1000 متر مكعب من الماء سنويا»، للوفاء بجميع احتياجاته من الغذاء والشرب واستخداماته المتعددة الأخرى، وهذا هو الحد الأدنى من الاحتياج المائى لكل إنسان كما قدرته منظمة «الفاو». وكل هذا يؤكد أن أوضاع مصر المائية حرجة للغاية وتزداد سوءا بسبب التغيرات المناخية، وهو ما يحتاج من السياسيين والمسئولين فى مصر إلى تغيير جذرى فى الفكر، وإلى سياسات مختلفة تماما بسبب نسبة الفقد الكبير للغاية فى مواردنا المائية والتى قد تتجاوز «50٪» فى بعض التقديرات، وهو ما يهدد الأمن المائى المصرى ، ولأن مصر من الدول الفقيرة بالماء هى فقيرة بالضرورة فى الزراعة والصناعة والتنمية.
* الأمن المائى المصرى.. فى خطر
ذكر التقرير الرسمى الحكومى أن موارد مصر المائية المتجددة والمتاحة من نهر النيل، والمياه الجوفية والأمطار وغيرها من الموارد بلغت «64 مليار متر مكعب»، بينما احتياجات مصر الفعلية من المياه أكبر من ذلك، وأول المخاطر التى تهدد الأمن المائى المصرى هى «نقص» موارد نهر النيل حيث تشير التقديرات الأولية التى وردت بتقرير «ستيرن» الخبير الإنجليزى بالبنك الدولى، إلى التكلفة الاقتصادية المرعبة «للتغيرات المناخية» وتأثيراتها السلبية على مصر، حيث يحذر من احتمال «نقص» موارد نهر النيل نتيجة لتحرك «أحزمة المطر» من فوق الهضبة الإثيوبية والتى تمثل «85٪» من موارد مصر من النهر، والهضبة الاستوائية ،التى تمثل «15٪» من الموارد المصرية، وهذا النقص يبدأ بنسبة «76٪» وسوف يؤدى إلى كوارث مدمرة، لأن احتياجات وادى النيل الحالية تعانى من عجز قدره «9 مليارات متر مكعب» ولا تستطيع مصر أن تتحمل مزيداً من العجز، وهو ما يؤكد أهمية تدارك الإسراف فى استخدامات المياه من حيث كميتها والتركيب المحصولى المناسب لترشيدها.
ليس «نقص» موارد نهر النيل هو أهم المخاطر فقط التى تهدد الأمن المائى المصرى، بل إن هناك مخاطر أخرى عديدة منها «نقص» المياه الجوفية بدلتا النيل لأنه طالما نقصت موارد نهر النيل، فسوف ينسحب هذا النقص على المياه الجوفية، أما مياه «الخزانات الجوفية الساحلية» فسوف تزداد ملوحتها نتيجة طغيان البحر، وسوف تتعرض «الخزانات السطحية» لتبخر مياهها بسبب شدة الجفاف، ومشكلة نقص مياه «الخزانات الجوفية الصحراوية» أنها غير متجددة، والكارثة بالنسبة لخزانات المياه الأخرى هو سوء الاستخدام كإقامة بحيرات صناعية وحمامات سباحة ورى مساحات شاسعة من ملاعب الجولف وغير ذلك، والمؤسف أن ما نفعله الآن هو جريمة نكراء بكل المقاييس وهو ما يمكن أن تحدثه التغيرات المناخية من أضرار!! هذا بالإضافة إلى نقص مياه «الأمطار» نتيجة تحرك أحزمة المطر وهو للأسف ما بدأ بالفعل.
* «100 مليون نسمة».. تحدٍ مرعب يواجه مصر !
أخطر التحديات التى تواجه مصر وتهدد الأمن المائى المصرى هى «الزيادة السكانية» والتى تضاعفت نحو «5 مرات» منذ عام 1952 عندما كان عدد سكان مصر نحو «18 مليون نسمة»، الآن ونحن فى عام 2012 نقترب من «90 مليون نسمة» ورغم ذلك نصيب الفرد من المياه كما هو !! ومن المتوقع أن يبلغ عدد السكان نحو «100 مليون نسمة» فى عام 2017، والكارثة هى أن الغالبية العظمى من السكان نحو 97٪ يعيشون فى وادى النيل والدلتا على مساحة نحو «4٪ فقط» من إجمالى المساحة الكلية لمصر والتى تبلغ نحو «مليون كيلو متر مربع»، وبالطبع تتبع الزيادة السكانية زيادة فى الطلب على المسكن، وقامت الدولة بإنشاء المدن الجديدة وشجعت المحافظات على التوسع العمرانى فى الظهير الصحراوى وهو ما يحتاج إلى مرافق وعلى رأسها «المياه».. وهو ما يشكل ضغطا كبيرا على موارد مصر المائية..
من المخاطر أيضا التى أدت إلى تفاقم «أزمة المياه فى مصر» الفوضى فى إنشاء المنتجعات على طول الساحل الشمالى بلغت أكثر من «220» مدينة سياحية تضم مئات الألوف من الشقق والشاليهات والفيلات والقصور، والتوسع الهائل للاستثمارات على سواحل مصر من «مرسى مطروح» على الحدود الشمالية مع ليبيا إلى «مرسى علم» على الحدود الشرقية مع السودان وهى سواحل طولها «2200 كيلو متر»، والإنشاءات والاستثمارات تزحف على كل شواطئ مصر من الفنادق «5 نجوم» و«7 نجوم» وحمامات السباحات والبحيرات الصناعية فى الغردقة وسفاجا والقصير ومرسى علم وشرم الشيخ ودهب ونويبع وطابا، وكل ذلك يحتاج إلى رصيد مائى هائل.. فمن أين ؟!!
لم تتوقف كارثة تهديد الأمن المائى المصرى عند هذا الحد بل فوجئنا بظاهرة «السكن فى الصحراء» التى بدأت على الطرق الصحراوية مثل «طريق مصر إسكندرية الصحراوى - مصر السويس - مصر الإسماعيلية - مصر المنيا - مصر العلمين».. تجذب إليها الأغنياء ونوعية من السكان ينشدون الهدوء والبعد عن المدن المزدحمة والملوثة وحولوها إلى مستعمرات سكنية يطلق عليها «كومباوند» تحتاج إلى مد شبكات مياه تقوم بسحب واستنزاف قدر كبير من المياه من المخزون الاستراتيجى لمصر، ومن المخاطر أيضا «التوسع الزراعى» واستصلاح الأراضى وهو ما يحتاج إلى قدر كبير من المياه، حيث تستحوذ الزراعة فى مصر للأسف على النصيب الأكبر من المياه وهو «38.3٪»، وأعجبنى ما قرأته من تحذير مخيف لخبير المياه الدولى العالم الكبير د. «إبراهيم مصطفى كامل» من أن مصر تستهلك مياهها كلها فى نظام «الرى بالغمر» المتوارث من آلاف السنين وليس «الرى بالرش أو التنقيط»، ومع استمرار المنظومة المائية الحالية فإن ذلك يقودنا إلى الموت والفناء عطشا وجوعا»، أضف إلى ذلك «التوسع الصناعى» وإنشاء آلاف المصانع والمدن الصناعية والتى تستهلك بشراهة نسبة عالية من المياه وأخيرا لا ننسى سوء استخدام المياه والإسراف وعدم الترشيد وسوء الاستهلاك لدرجة أن «50٪» من المياه الصالحة للشرب تهدر يوميا !!
* مصر.. وحروب المياه
هل أدرك المسئولون والسياسيون عندنا أن «مصر» من الممكن جدا أن تخوض حروب المياه بسبب الصراعات الساخنة فى الشرق الأوسط ؟ يقول د. «رشدى سعيد» خبير المياه الدولى المعروف : «فى ظنى أن التفريط فى مياه النيل أمر غير وارد فى الوقت الحاضر، فقد أصبح موضوع «نقص المياه» معروفا لساسة مصر معرفة جيدة، ويبدو فعلا أن السياسيين أدركوا مخاطر الفقر المائى فى الشرق الأوسط، فها هو «بطرس بطرس غالى» الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق والذى حذر كثيرا عندما كان وزيرا لخارجية مصر «من أن الحرب القادمة فى الشرق الأوسط ستكون حربا على المياه»، وقال الملك حسين عاهل الأردن أنه «لا يتصور دخول بلاده حربا قادمة مع إسرائيل إلا إذا كانت حربا على المياه»، أما «ليستر براون» رئيس معهد وورلد ووتش بواشنطن فيقول : «إن حروب المستقبل سوف تنشب نتيجة لمحاولة الدول المحافظة على أمنها الغذائى».. ونحن نتساءل هل يمكن إنتاج الغذاء بدون ماء ؟! بالطبع لا !! فالماء هو عصب الحياة والتقدم والرقى وبدون ماء تنهار الحضارات.
الحقيقة المؤسفة أن هناك ثلاثة «مخاطر خارجية» تهدد الأمن المائى المصرى وهى التحديات التى تمثل «الوقود المشتعل» لدخول مصر حروب المياه، أولها هو «نهر النيل» فعلى الرغم من كونه أطول أنهار العالم «6695 كيلو متراً» فإنه من أفقرها فى موارده المائية، وترتيبه «الثامن والعشرين» ولا يزيد تصرفه المائى على «84 مليار متر مكعب» ، وهو نهرلا نظير له فى العالم فهو الذى يمد مصر بالمياه، وتبدأ رحلته من «منبعه» فى بحيرة فيكتوريا بأوغندا إلى «مصبه» بالبحر الأبيض المتوسط بالإسكندرية، وتطل عليه «9 دول أفريقية» ويعيش على ضفافه أكثر من «350 مليون نسمة»، والملفت للنظر أن نهر النيل له طبيعة مختلفة عن كل الأنهار فى العالم، فكلما جرى نحو مصبه فى مصر فقد جزءا من مياهه، وهذا يعنى أن النيل يفقد ما يحمله من مياه فى رحلته من منبعه إلى مصبه وهذا عكس أنهار العالم كلما سارت نحو مصبها ازداد ما تحمله من الماء، ولهذا للأسف يمكن أن تستخدم دول منابع الأنهار «المياه» فى فرض السيطرة والنفوذ على الدول الواقعة عند مصب النهر، وذلك بتحويل المياه أو التهديد بها أو إنشاء السدود وهو ما أثار الخوف والقلق لدى المصريين من قيام «إثيوبيا» بإنشاء سدود على النيل الأزرق والذى سيؤدى إلى تقليل جريان النيل إلى مصر وتهديد الأمن المائى الذى يقع تحت حماية القوات المسلحة التى تعتبر أن أى تهديد لأمن النيل هو تهديد للأمن الاستراتيجى لمصر، الذى يعطى الحق للقيادة العامة بإصدار الأوامر مباشرة بتدخل الجيش دون انتظار موافقة مجلس الشعب، وأصبح يتردد «لماذا لا يدمر سلاح الطيران المصرى السدود الإثيوبية بالقنابل»؟!
إسرائيل أيضا هى التهديد الثالث للأمن المائى المصرى عندما أعلنت عن نواياها ورغبتها فى الحصول على حصة من مياه النيل، وذلك تأكيدا للشعار الذى ترفعه إسرائيل بأرض الميعاد «أرض إسرائيل من النيل إلى الفرات» !! وهو شعار يتعلق بالمياه، حيث تعتمد سياسات إسرائيل فى «توطين المهاجرين» على تأمين المياه لهم بشتى الطرق من جميع جيرانها، ولاشك أن رفض مصر المتكرر لمطالب إسرائيل لاستخدام مياه النيل سوف يقود منطقة الشرق الأوسط إلى الدخول فى حروب المياه، ولا يجب أن ننسى الممارسات الإسرائيلية للسطو على مياه نهر الأردن وحرمان الأردن وسوريا وفلسطين من حقهم العادل فى المياه، والسؤال الآن ماذا نحن فاعلون أمام التهديد الإسرائيلى بالغ الخطورة على الأمن المائى المصرى ؟!
ولكن..
هل تستحق «قطرة الماء» أن تشن من أجلها الحروب ؟! نعم.. ويكفى أن نعلم أن الأمن الغذائى لمصر والأمن القومى والعسكرى يرتبط بهذه القطرة من المياه، لقد أجمع خبراء المياه فى العالم على أن «قطرة الماء» ستصبح هى السلطة الاستراتيجية المهيمنة على مستقبل دول الشرق الأوسط.. فهل نحن فى مصر منتبهون أم أننا غارقون فى القضايا العبيطة !! وإلى الأسبوع القادم بمشيئة الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.