الأهرام: 17/11/2008 بعد أن أصبحت إسرائيل أمينا عاما( مساعدا) في الاتحاد من أجل المتوسط لم يعد مستبعدا أن تتحمس مجددا لإطلاق فكرة إنشاء الاتحاد من أجل البحر الأحمر حتي تنفي عنه وصفه بالبحيرة العربية, باعتبار أن معظم الدول المطلة عليه هي دول عربية باستثناء إسرائيل وإريتريا.. وإذا علمنا أن إسرائيل كانت تحلم منذ سنوات بتدويل البحر الأحمر, وهي متغلغلة( دبلوماسيا وعسكريا) في القارة السمراء, وتعبث أصابعها منذ زمن في مناطق متاخمة لشواطئ هذا البحر, لأدركنا خطورة ما يجري في هذه المنطقة تحديدا علي الأمن القومي العربي.. ومثلما كان العراق في زمن صدام حسين وما يمثله من تهديد لأمن واستقرار دول الجوار في المشرق العربي ذريعة لاحتلاله والسيطرة علي منابع نفطه, فها هي القرصنة الصومالية تصبح حجة لعسكرة البحر الأحمر باعتبار أن القراصنة الصوماليين يهددون شريانا مهما من شرايين التجارة الدولية.. ولا خلاف علي أن انهيار الدولة المركزية في الصومال قد أفرز هذه الآفة مع آفات أخري لكن التجربة أكدت لنا مثني وثلاث ورباع أن مثل هذه الظواهر تعمل بعض القوي علي إنضاجها علي نار هادئة منذ فترة, إذ ليس بوسع الذاكرة العربية أن تنسي تهديد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش للصوماليين في أعقاب إهانتهم أمريكا عندما قتلوا أربعة من جنودها, وسحلوا جثثهم في شوارع مقديشو وتركوا الأطفال الصغار يعبثون فيها علي مرأي ومسمع من الشاشات ووسائل الميديا.. .. والثابت عملا أن الدول الكبري التي وجدناها قبل ذلك في العراق لديها خطط استعمارية معدة سلفا في الصومال والاختلاف الوحيد هنا, هو أن العراق كان دولة قوية, ومن ثم تفكيكها كان هو الغاية.. ثم البقاء فيها( احتلالا أو وفق اتفاقية أمنية) كان هو الهدف الثاني.. أما الصومال فهي مفككة أصلا, واحتلالها ليس هو الغاية باعتبار أنها دولة فقيرة( وليست غنية بالنفط كحال العراق) وإنما الغاية الأسمي هي السيطرة علي منطقة البحر الأحمر بكاملها.. وهذا هو ما يحدث, فعلا لا قولا, وإلا ما معني أن تهب أمريكا وحلف الناتو بإرسال فرقاطات عسكرية إلي البحر الأحمر.. ومثلما كانت الحجة في العراق هي حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة, فالحجة ذاتها قائمة, وقد يكون السبب مضاعفا في حالة الصومال, باعتبار أن عمليات القرصنة اتسعت رقعتها بحيث بلغت أكثر من60 اعتداء في الأشهر القليلة الماضية حصل فيها القراصنة الصوماليون علي نحو30 مليون دولار كفدية.. لكن الأهم أيضا أن أمريكا تؤكد أن هناك علاقات مشبوهة بين القراصنة والجماعات الإرهابية وتري أن عمليات السلب العسكري البحري التي تجري علي شواطئ الصومال تتم لحساب الجماعات الإرهابية( المنحدرة من تنظيم القاعدة بالضرورة وبحسب الرؤية الأمريكية).. .. وهكذا, وربما دون أن ينتبه العرب إلي أن بحيرتهم( أقصد البحر الأحمر) أصبحت بؤرة للصراع الدولي المسلح لأن الدول الأوروبية خصوصا فرنسا وإسبانيا قررت بالفعل إرسال سفن عسكرية خصوصا بعد أن احتجز القراصنة سفينتين فرنسيتين وبعد أن جأر الأسطول الفرنسي والإسباني لصيد التونة بالشكوي من استهداف القراصنة لهم.. .. ولكي تكتمل دوائر الصراع الدولي كان لابد أن تبعث روسيا بسفن عسكرية من طراز رفيع لتعيد هيبة روسيا في البحار كما كانت ولترد في الوقت نفسه علي أولئك الذين تجرأوا وخطفوا السفينة الأوكرانية المحملة بدبابات روسية قيل إنها كانت في طريقها إلي كينيا أو إلي جنوب السودان.. وهكذا وفي أقل من شهر أصبحت بحيرة العرب تموج بسفن وفرقاطات عسكرية من كل لون وحجم.. وهنا يحق للدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر وهي:( مصر والسودان والسعودية والأردن واليمن وجيبوتي والصومال) أن تعلن تخوفها من تعرض أمنها القومي للخطر. ولا شك في أن وجود قوات بحرية عسكرية بهذه الكثافة سيجعل أمن الدول المطلة علي البحر شيئا( مستباحا) ناهيك عن أن هناك حديثا عن شركات أمنية خاصة تعرض خدماتها لإقامة نقاط مراقبة( بالرادارات والأسلحة الثقيلة) إلي جانب دعوات بإنشاء بوليس بحري يجوب البحر الأحمر ليل نهار دون تمييز بين مياه إقليمية أو أعالي بحار.. ومما يضاعف من مخاوف الدول العربية المطلة علي البحر أن قرار مجلس الأمن رقم(1816) قد سمح بدخول المياه الإقليمية وكان معروفا وفقا لاتفاقية جامايكا(1982) أن دخول المياه الإقليمية محظور ويكتفي بأعالي البحار.. .. وكانت أمريكا قد أضافت إلي مهام قوتها الضاربة التي تحمل اسم(150) وتأسست في إطار عملية الحرية الدائمة في أفعانستان, القيام بدوريات أمنية بحرية تمتد إلي خليج عدن( بين الصومال واليمن) كما تقدم حلف الناتو في الوقت نفسه بنشر أسطول يضم عشر فرقاطات عسكرية مجهزة بأعتد أجهزة المراقبة والتسليح.. ولم تتردد بروكسل في تقديم طروحات وبدائل عديدة للتنسيق بين القوات البحرية الأوروبية الموجودة فعلا في المنطقة لضمان حركات المرور, المؤلم أن الرؤية العربية الخاصة بأمن البحر الأحمر لا تزال ضبابية رغم بعض الاجتماعات التي تمت في إطار الجامعة العربية وعبر مجلس الأمن والسلم وإبداء المخاوف من اشتداد المنافسة الدولية بين القوي الكبري التي سيتحول معها البحر الأحمر إلي منطقة تهديد أولي في العالم.. ورغم معرفة العرب لأهمية هذا المسار الكبري لتجارة النفط من منطقة الخليج العربي إلي البحر الأحمر, ثم إلي قناة السويس, وبالتالي إلي الأسواق العالمية, وأنه يقصر المسافة التي تقطعها ناقلات النفط العملاقة إلي أوروبا بنسبة60% ويمر منه يوميا نحو3.3 مليون برميل نفط, وتستخدمه26 ألف ناقلة نفط سنويا, فإنها لم تلتفت بالقدر الكافي إلي مسألة( تأمينه) ضد مخاطر القرصنة واللصوصية التي قد تدفع الشركات الكبري للاتجاه إلي مسار رأس الرجاء الصالح مما يزيد من التكلفة والأسعار والإضرار بهذا الشريان التجاري الدولي المهم والعسكري والاستراتيجي أيضا, فكلنا يذكر الدور الذي قام به هذا الممر في حربي الخليج الأولي والثانية وحرب احتلال العراق, وقبلها حرب أكتوبر1973 عندما تم إغلاقه عند باب المندب في وجه السفن الإسرائيلية.. وفي ظني أن المطروح عمليا هو أن تتقدم الدول المعنية الثلاث بشكل أكبر وأوسع بهذا الممر( أقصد مصر صاحبة قناة السويس, والسعودية صاحبة أطول شاطئ عليه, واليمن حارسة باب المندب وخليج عدن) بفكرة إنشاء اتحاد من أجل البحر الأحمر علي غرار الفكرة الفرنسية الخاصة بالاتحاد من أجل المتوسط, علي أن يتضمن برامج دفاعية وأمنية وتنموية مشتركة, توفر المناخ الملائم للتنسيق بين الدول العربية المطلة عليه.. علي اعتبار أن هذا الاتحاد سيكون مقصورا علي الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر.. إن مشروعا كهذا سوف يقطع الطريق علي إسرائيل التي تؤكد بعض المؤشرات أنها تقوم سرا كعادتها بالترتيب مع إريتريا لإقامة اتحاد من أجل البحر الأحمر لتضمن لنفسها مرة أخري( مكان القيادة) كما لها اليوم في الاتحاد من أجل المتوسط.. في ظني أنه يتعين علي مصر أن تبدأ( اليوم قبل غد) هذا المسار قبل فوات الأوان..