تعاني عدد من الحكومات حول العالم من أزمات العمالة الزائدة، التي تنتج عادة عن سياسات توظيفية تهدف في الأساس إلى تحقيق مكاسب سياسية، وتوفير فرص عمل دون النظر إلى الاعتبارات الاقتصادية. وتتفاقم أزمات العمالة الزائدة عادة مع وجود قوانين لحماية الثبات الوظيفي للعاملين، وإجراءات الحماية من التنافسية ما يؤدي بدوره إلى تضخم حجم العمالة لدى تلك الدول بصورة تمثل عبئاً اقتصادياً. وبلغت نسبة العمالة الزائدة في المشروعات الحكومية في الهند وتركيا حوالي 35% في مطلع التسعينيات، فيما تراوحت نسبة العمالة الزائدة في غانا وأوغندا بين 20-25، وفقا لدراسة أعدها «سونيتا كيري» بعنوان «الخصخصة والعمالة: ما يحدث للعمال حين تتجرد الحكومات من مواردها». وتقول الدراسة إنه عادة ما تتركز العمالة الزائدة في الوظائف الإدارية أكثر من الوظائف الفنية، والمشروعات الحكومية الاحتكارية المدعومة حكومياً مثل صناعات الحديد والصلب والبنية التحتية. وبلغت نسبة العمالة الزائدة بشركة الصلب المصرية 80% في 1991، فيما كانت النسبة في الشركات التركية حينها 30%. وتعاني شركات السكك الحديدية المملوكة للدولة من العمالة الزائدة بينما تتراجع أعداد من يعتمدون على خدماتها نتيجة ظهور شركات نقل أكثر تنافسية. وفي البرازيل بلغت العمالة الزائدة حوالي 20 ألف موظف من إجمالي 42 ألفاً بالمؤسسة، وكان حجم الإنتاجية أقل من معدلاته الطبيعية لدى الدول الصناعية كدولتي الجوار تشيلي والأرجنتين. وبلغت فاتورة الأجور وحدها 70-75% من نفقات القطاع العام، وفقاً لدراسة أجرتها «سونيتا كيري» بعنوان «الخصخصة والعمالة: ما يحدث للعمال حين تتجرد الحكومات من مواردها». وحذّر «ماترين راما»، في دراسة بعنوان «تخفيض حجم العمالة في القطاع العام» من النموذج الذي اتبعته دول جنوب آسيا وأمريكا اللاتينية في تقليص عمالة القطاع العام، حيث لجأت لسياسات أدت بدورها إلى توجه العمالة المسرحة إلى صناعات أخرى غير مرغوبة. وشددت الدارسة على أن التسريح القسري عادة ما لا يجدي من الناحية السياسية، ونصحت الدارسة باللجوء إلى طرق تدفع العمالة الزائدة إلى الرحيل عن المؤسسات بشكل طوعي، وهي الوسيلة المتبعة عادة لدى حكومات الدول النامية والمؤسسات متعددة الجنسيات. ولفت «راما» إلى أن البنك الدولي دعم بشكل غير مباشر 40 محاولة لتقليص للقطاع العام وعمالته في الدول النامية، خلال الفترة بين عامي 1991 وأواخر 1993، واستهدفت عملية التقليص الإدارات الحكومية، والعمالة بالمشروعات المملوكة للدولة، وتخفيض عدد المجندين (في حالات ما بعد الصراع)، ونتج عن عمليات التقليص هذه عن تسريح 125 ألف عامل بتكلفة 400 مليون دولار، منهم 87 مليون مكافآت نهاية الخدمة. ولفتت دراسة معنونة ب «تقليص العمالة وبدائله» التي أعدتها مؤسسة (SHRM) المعنية بسياسات الأعمال والموارد البشرية، في 2009، إلى وجود 4 استراتيجيات لتقليص العمالة في القطاع العام وغيره من القطاعات؛ الأولى هي الاستنزاف، أي أن تلجأ المؤسسة إلى عدم الاستعانة بموظف جديد ليحل محل الموظف القديم الذي رحل عن المؤسسة وتحال مهام الموظف الراحل إلى الموظفين المستمرين في المؤسسة، ويكون أمام الموظف الموجود حرية الاختيار بين المكوث أو الرحيل. أما الاستراتيجية الثانية، فهي الرحيل الطوعي، أي تقديم مبلغ مالي مرضي للعامل أو الموظف يشجعه على ترك العمل، ويعوضه عن خسارة وظيفته، والاستراتيجية الثالثة هي تقديم حوافز التقاعد المبكر، وفيها تعرض المؤسسات مبالغ مالية سخية للموظفين مقابل تعهدهم بالرحيل عن المؤسسة في المستقبل القريب. أما الاستراتيجية الرابعة فهي التسريح القسري، التي تجرد الموظف من أي خيار، وهي أخر وأصعب خيار قد تلجأ إليه المؤسسة، ويلجأ فيها الموظفون عادة إلى القضاء. ولفتت تقرير مكتب الولاياتالمتحدة للمحاسبة العامة بعنوان «تقليل العمالة.. استراتيجيات التقليص المستخدمة في مؤسسات مختارة» إلى تجارب عدد من الدول في تخفيض العمالة، إذ لجأت الولاياتالمتحدة إلى سن قانون لتقليل العمالة بالمؤسسات الحكومية خلال الفترة من 1994إلى 1999، وخفضت العمالة بالفعل بمقدار 272 ألف و900 موظف يعملون بنظام الدوام الكامل، ما يمثل نسبة مقدارها 12 % من العمالة الحكومية بموجب قانون إعادة هيكلة القوى العاملة لسنة 1994. وامتدت تجار تقليل العمالة في القطاع العام وتقليص حجمه إلى المملكة المتحدة ونيوزلندا وكندا، أيضاً، ولجأت الدول الثلاثة إلى تقليل حجم العمالة من خلال توسيع قاعدة القطاع الخاص، وعززت خطط هذا التقليص ببرامج الإدارة المالية، إضافة إلى تقديم بعض الالتزامات السياسية. وأوضح كتاب «إدارة القطاع العام في استراليا: تحديات جديدة واتجاهات جديدة، أن حكومة استراليا عمدت خلال حقبة التسعينيات إلى تقليص العمالة على ثلاثة مستويات هي حكومة الكومنولث، والحكومة المحلية، والقطاع العام، وتراجع عدد العاملين بالحكومة من 1.7 مليون في 1987 إلى 1.5 مليون في نوفمبر 1996. وكشفت دراسة صادرة عن جامعة «مانشستر» بعنوان «القطاع العام في أوروبا خلال الأزمات»،أن السويد لجأت عقب الأزمة الاقتصادية التي لحقت بها مطلع التسعينيات إلى تقليل حجم القوة العاملة بالقطاع العام، وذلك خلال الفترة منذ منتصف 1996. أما بريطانيا التي شهدت تمدداً في حجم العمالة بقطاعها العام، فقد لجأت منذ 2010 إلى تبني سياسية صارمة لتقليل حجم العمالة بعد تصاعد أزمة التقشف، وزيادة المخاوف بشأن تأثر الاقتصاد البريطاني بأزمة الدين العام في منطقة اليورو.