تستمر أزمة تسريح العمالة في القطاع الخاص السورى، والتي اشتدت في الأشهر الأخيرة على خلفية الازمات الاقتصادية المتلاحقة التى تشهدها سوريا لتشكل أزمة كبرى الى جوار أزمات الخبز والمازوت والبنزين والكهرباء والمرور وارتفاع الأسعار .. الا أن أزمة التسريح تعد أشد الازمات قسوة لانها ترتبط بلقمة العيش وتنعكس بآثارها على جيل الأبناء. ويؤكد مصدر مسئول فى اتحاد عمال دمشق أنه نتيجة الأحداث التى تشهدها سوريا تم تسريح عشرات الآلاف من العاملين خلال الأشهر الأخيرة مطالبا بتعديل تعديل قانون العمل الجديد، الذي لم يحل مسألة التسريح، رغم أن مناقشات مطولة دارت حوله قبل صدوره. وقال المصدر فى تصريحات لمراسل وكالة انباء الشرق الاوسط فى دمشق "إن الحكومة لم تأخذ رأي اتحاد العمال بعين الاعتبار وهذا ما أوصل الأمر إلى ما نحن فيه الآن".. مشيرا الى أن رئيس الاتحاد أكد أن من يلجأ إلى التسريح سيقاضيه الاتحاد. يذكر أن القطاع الخاص السوري شهد عمليات تسريح عمالة بشكل واسع النطاق ، لاسيما في قطاعات السياحة والمصارف والفنادق ومكاتب السفر وشركات الطيران ، ومنح القطاع الخاص جزءا كبيرا من العمال إجازات مفتوحة تفضي في نهاية المطاف إلى الفصل النهائي من العمل. وإلى جانب تسريح العمال نتيجة تراجع الأداء فى تلك القطاعات ، هناك مئات الآلاف من المحال التجارية التى تهدمت بفعل الاشتباكات التى تشهدها المحافظات السورية .. ومن ثم فقد العاملون فيها وظائفهم .. بالاضافة الى الاف المحال التى أغلقت أبوابها بشكل مؤقت حيث لم يجد أصحابها اى فائدة او عائد من بقائها مفتوحة فآثروا اغلاقها الى /حين ميسرة/ توفيرا للرواتب والنفقات الاخرى/. وكان من المتوقع أن يحل قانون العمل الجديد -الذي اختلفت وزارة العمل مع اتحاد العمال وغرف الصناعة على صياغته النهائية - العديد من مشكلات العمل ، غير أن انتقادات كثيرة توجه له ، أبرزها ما يطالب به الاتحاد اليوم بإعادة النظر بذلك القانون. ويقول المواطن السورى محمد . ن /55 سنة/ أنه يمتلك مصنعين وعددا من المحال التجارية فى سوق الحامدية لبيع منتجات مصنعيه وأنه حتى عامين مضيا كان يعمل عنده 65 عاملا .. لكن أحد المصنعين تهدم فى حلب والثانى توقف عن الانتاج تماما ولم تعد المحال تدر أى دخل وهكذا اضطررت إلى تسريح أكثر من 50 عاملا لأنى لا استطيع توفير رواتبهم .. وأبقيت على حوالى 15 عاملا رغم تحملى لرواتبهم. بدوره يؤكد أبو وليد /62 سنة صاحب مكتبة فى وسط دمشق/ أن أربعة عاملين كانوا لديه بالمكتبة يتناوبون العمل على مدار الساعة .. ومع تطور الازمات لم تعد المكتبة تدر أى عائد تقريبا فاضطررت الى تسريح جميع العاملين ، والآن أقف بالمكتبة بمفردى فأفتحها فى التاسعة صباحا وأغلقها الساعة الرابعة حتى أعود إلى منزلى فى ضوء النهار. وفى القطاع المصرفي السورى ، يخشى العاملون من عدم تجديد عقود عملهم ، ويرون أن ذلك مرهون بنسب الإيداعات والأرباح، مؤكدين أن الايداعات فى تقلص مستمر بسبب الأزمة ، فمن يملك المال يشتري به ذهبا أو يحوله إلى الدولار، تجنبا لإيداع الأموال ببنوك فرضت عليها العقوبات. ويقول احد العاملين فى بنك خاص / طلب عدم ذكر اسمه لمراسل أ.ش.أ/ إن موظفين في إحدى المصارف الخاصة يضعون يدهم على قلوبهم، لاسيما في الفترة الأخيرة التي شهدت استقالة عدد من الموظفين من ذوي المراكز والذين يتقاضون أعلى الرواتب ، وهذا يعني تقليص مصروفات البنك مما يمنع تسريح الموظفين ويسمح بالإبقاء على الموجودين. وأعرب عن تخوفه من ان يكون هذا الوضع مؤقتا لأن دخل البنك فى نتاقص مستمر وهو ما يعنى حتما تسريح جديد للعمالة لتقليل النفقات .. وبالطبع لا استقطاب لموظفين جدد وبالتأكيد لا يوجد اى توظيف فى القطاع المصرفي بأكمله. وقال "إن رواتب الموظفين الموجودين حاليا قلصت بمعدل الثلث، وفي حال رفضوا فعليهم البحث عن بنك آخر يوظفهم والغالب أنهم لن يجدوه".وفى نفس السياق ، يخشى محلل مالي سوري /طلب عدم ذكر إسمه/ من أن نقص الإيداعات في البنوك الخاصة ينبئ بعمليات تسريح واسعة النطاق للموظفين، ويؤكد أنه فى ظل الظروف الحالية وعدم الاستقرار ، فإنه ليس من حق الفعاليات التجارية والصناعية توجيه اللوم إلى البنوك الخاصة إذا ما لجأت هذه البنوك إلى رفع نسبة الفائدة على القرض وعلى الائتمان. وإلى جانب ذلك ، فإنه لا يجوز مطالبة البنوك بالتوسع في الإقراض في ظل ظروف اقتصادية صعبة، فالأموال التي في حوزة البنوك ليست ملكها ولا يمكن المغامرة فيها وهي مسئولة أمام المودعين، ويتوجب عليها الحفاظ على من تبقى منهم وخاصة أن الإيداعات تقلصت بحدود كبيرة في بعض البنوك مثل بنك عوده الذي أعلن مؤخرا عن انخفاض إيداعاته بمعدل النصف. بدوره قال مصدر مسئول بأحد البنوك أن رواتب الموظفين تشكل جزءا كبيرا من التزاماتها ومن رأسماله، وقد لا تستطيع دفعها في حال تقلصت الإيداعات لأكثر منذ ذلك، فمثلا تكشف ميزانية أحد البنوك الخاصة أن تكاليف نفقات الموظفين بلغت في العام الماضى 920 مليون ليرة تقريبا، وهذا الرقم يمثل حوالي سدس رأسمال البنك، وبناء عليه يفترض أن لا تقل إيداعاته عن 6.30 مليار ليرة شريطة أن يقرضها بالكامل بفارق 3 نقاط لكي يستطيع تغطية رواتب موظفيه. وفى ظل استمرار الأزمات التى تشمل كافة القطاعات والمجالات السورية ، فإنه من المتوقع أن تتزايد عمليات تسريح العمال من هذه القطاعات ، ويتطلع المواطن السورى البسيط إلى حل الأزمة التى طالت تداعياتها لتشمل مختلف فئات وشرائح المواطنين الأغنياء منهم والفقراء.