تتراوح أسعار النفط الخام منذ أسابيع حول مستوي 70 دولاراً للبرميل، وسط مجموعة من الاضطرابات والحروب في منطقة الشرق الأوسط ونيجيريا وفنزويلا، وكأن هناك نوعاً من الحالة الانفصامية ما بين سياسات الدول المنتجة وقطاع النفط. وحتي إذا افترضنا أن الحرب الإسرائيلية علي لبنان بعيدة عن الدول النفطية، فهناك صراعات أخري في صلب المنطقة البترولية، لا يمكن غض النظر عنها، عاجلاً أم آجلاً. ايران ... فهناك الملف النووي الإيراني والتهديدات المتكررة التي تطلقها الولاياتالمتحدة حول فرض العقوبات في حال عدم انصياع إيران ووقف برنامج تخصيب اليورانيوم. وعلي الرغم من أن واشنطن لم تحدد حتي الآن نوع العقوبات التي تود ان يفرضها مجلس الأمن علي إيران التي تحصّل حالياً نحو 54 بليون دولار سنوياً من بيع النفط الخام بسبب المستوي العالي للأسعار، إلا أنه يستبعد ان تشمل هذه العقوبات النفط، علي الأقل في المستقبل المنظور، لأن الحصول علي إجماع من قبل الدول الدائمة العضوية علي هذا الاقتراح صعب، ناهيك عن مدي تأثير ردود فعل الأسواق في ظل الأسعار العالية الحالية. العراق ... من ناحية أخري ووفقا لتقرير صادر عن موقع "البورصة انفو" ، هناك الانفلات الأمني في العراق، فعلي رغم كل التصريحات المُطمئنة من المسؤولين في واشنطن وبغداد، حقيقة الأمر أن هناك فلتاناً أمنياً يخلف يومياً عشرات ضحايا العنف الطائفي في جميع أنحاء العراق. وأخذ الصراع بعداً جديداً الأسبوع الماضي في الاقتتال ما بين عناصر جيش المهدي والقوات الحكومية في الديوانية والسماوة، ناهيك عن الحوادث الأمنية اليومية في البصرة. وهذا معناه، بالنسبة للأسواق العالمية، اقتراب النزاع من آبار ومنشآت وأنابيب النفط في جنوب العراق. استقرار .. لكن علي رغم هذه التطورات، تبقي الأسعار مستقرة. فمعدل سعر سلة نفوط "أوبك" في شهرأغسطس استقر علي 69.52 دولار للبرميل، مقارنةً بمعدل 68.89 دولار في شهر يوليو. أما معدل سعر سلة "أوبك" للعام الحالي حتي الآن فهو 63.11 دولار، مقارنةً بمعدل 50.64 دولار لعام 2005. ماذا وراء هذا الاستقرار في الأسعار؟ لقد تأكد الآن، وبعد تصريحات عدة من المسؤولين النفطيين في الدول العربية ومنظمة "أوبك"، أن في الأسواق ما يكفي من النفط الخام، حتي إلي حد الإشباع، وذلك لمواجهة حالات الطوارئ المحتملة جداً في هذه الأيام الحرجة. وشكك بعض المسؤولين الغربيين بهذه التصريحات في حينه، واستهانوا بها، وطالبوا الدول الأعضاء في "أوبك" بمزيد من الإنتاج غير عابئين بحقائق السوق، بل متغاضين عنها، لخدمة أهدافهم السياسية المحلية، أو تلك المعادية لدول المنطقة. وخير مثال علي توافر نفط كافٍ في الأسواق هو الأرقام الصادرة عن "إدارة معلومات الطاقة" في وزارة الطاقة الأميركية. فقد أفادت المعلومات الرسمية عن استيراد الولاياتالمتحدة 11.2 مليون برميل يومياً من النفط الخام خلال الأسبوع قبل الماضي، وهو أعلي معدل للواردات في التاريخ الأميركي. كما أفادت المعلومات ذاتها أن شركات النفط الأميركية استطاعت تخزين كميات كبيرة نسبياً من النفط الخام والبنزين في الأسابيع الأربعة الأخيرة. والغريب في الأمر، أن استهلاك البنزين في اغسطس هو الأكبر في كل أشهر السنة في الولاياتالمتحدة لكثرة استخدام السيارات في العطلة الصيفية. معني ذلك أنه بدلاً من أن ينقص المخزون الأميركي في الشهر الماضي، زاد معدله. وأخيراً، يشير المصدر نفسه إلي أن مجموع المخزون التجاري الأميركي من النفط الخام هو أكثر من بليون برميل. وهذا يعني أن ما يتوافر لدي الولاياتالمتحدة من مخزون نفط خام تجاري واستراتيجي هو حوالي 1.8 بليون برميل. وبعملية حسابية صغيرة، هذا يعني أن لدي الولاياتالمتحدة ما يكفي من النفط في خزاناتها وكهوفها ما يعادل نحو 200 يوم من النفط المستورد. وطبعاً، ليس كل هذا النفط المستورد هو من الشرق الأوسط، بل 20 في المئة فقط منه. في الحقيقة تعني هذه المعلومات، أن توافر هذه الكميات الضخمة جداً من الخام في الأسواق العالمية (إذ أن لدي بقية الدول الصناعية الغربية واليابان كميات مماثلة للمخزون الأميركي)، والتمكن من ايصالها الي السوق الأميركية في فترة قصيرة جداً بعد تسرب النفط من أنبوب الآسكا، كل هذا يعني أن الأسواق متخمة، وان الشركات قادرة ولديها المرونة الكافية للعمل بسرعة في تعويض اي نقص محتمل. كما تعني هذه المعلومات أن الشركات الكبري تدرس الأحداث بدقة وتتعامل معها بدراية. فاستقرار الأسعار علي مستوي 70 دولاراً حتي الآن، علي رغم الاضطرابات الأمنية في الدول النفطية، معناه أنها تأخذ الحيطة من خلال ملء خزاناتها إلي أعلي مستوي ممكن، ولكن في الوقت نفسه لا تتسرع بدفع الأسعار إلي الأعلي في الوقت الراهن لأنهم لا يرون حالياً سبباً رئيساً لذلك.