من باراك حسين أوباما، الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدةالأمريكية إلي أصغر متابع تمكنه ظروف تعليمه ومعرفته من متابعة الأمر، حبس العالم أنفاسه مع إعلان القس تيري جونز الذي هدد بحرق القرآن الكريم. جهز القس الذي قيل إنه مغمور واتهمه البعض بالجنون ويقود كنيسة في فلوريدا يتبعها خمسون فردا، ساحة أمام كنيسته وعلّق لافتة كتب عليها «مكان حرق القرآن!» دعونا من الألفاظ والصفات التي لا تجدي نفعا، فالأحداث التي يقول القس: إنها دفعته إلي ما ينتويه، قام بها هي الأخري، بضعة أفراد لم يكن أحد يسمع بهم من قبل يقودهم محمد عطا السيد، قاموا في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 11 سبتمبر 2001م بما لا يتخيله عقل. اختطفوا أربع طائرات نقل مدني تجارية، ووجهوها لتصطدم بأهداف محددة، نجحت في هدم برجي مركز التجارة العالمية بمانهاتن وإسقاط حائط بسور البنتاجون، سقط نتيجة لما سيطلق عليه بعض المسلمين غزو مانهاتن، 2973 ضحية، 24 مفقودا، بالإضافة لآلاف الجرحي والمصابين. نعيش في هول الأحداث وجنونها وظهورها من الخفاء حتي لحظتنا هذه! نفرّ أوراق النتيجة، فتسقط أيام سبتمبر من كل عام ليبقي الحادي عشر اللعين! أحدث تغييرات كبيرة في السياسة الأمريكية بدأت مع إعلانها الحرب علي الإرهاب، وأدت هذه التغييرات إلي احتلال أفغانستان والعراق. وظهر مشروع الشرق الأوسط الكبير، والفوضي الخلاّقة لأي شيء في الدين والسياسة والاقتصاد. أحرق أو لا تحرق مائتي نسخة من القرآن الكريم، ارسم أو لا ترسم رسوما كاريكاتورية دنماركية! إنه للأسف في عصر التغطية الإخبارية المعتمدة علي الإثارة ووسائل الإعلام الاجتماعية والعالمية، لا يمكننا أن نؤكد هامشية جونز ورسام الكاريكاتير. لنلتفت إلي ما أكده باراك أوباما في خطاب ألقاه في البنتاجون تطرق إلي الجدل السياسي المتفجر الدائر حاليًا في الولاياتالمتحدة وأثار غضب المسلمين في الخارج. لقد دعا أوباما الأمريكيين إلي عدم الاستسلام «للكراهية»، وقال: «كما ندين التعصب والتطرف في الخارج، سنبقي أوفياء لتقاليدنا هنا كأمة متنوعة ومتسامحة». ومن ناحيتنا في بلاد المسلمين هل نلوم القسّ جونز، ورسام الكاريكاتير ولا نلوم أنفسنا وثقافتنا وإعلامنا؟ أطرح هذا السؤال، وأنا أتابع التجديد والتحديث الذي طرأ علينا في أعقاب الحادي عشر الشهير من سبتمبر. أغلبه إعلامي ولا تشير إليه علامات أو تدلّ عليه إمارات الإخوة المتنكبون لصحيح الدين هبّوا فجأة من كل مكان، من تورابورا إلي القاهرة إلي بغداد وصنعاء والرياض ومقديشيو.. للأسف فهؤلاء الإخوة هم الذين يصنعون أيامنا بما تحمله من مآس، وفي تقديرهم أن توقع بلوغ غاياتنا السياسية وحقوقنا، لا يزال معقودا، للضربات والغزوات وأعمال القتل! لا يوجد برنامج سياسي أو اقتصادي يضعنا أمام غايات معقولة. والانتحاريات كلها من واشنطن ونيويورك إلي مدريد ولندن وشرم الشيخ... وعمليات قاعدة الجهاد في العراق، واليمن هي التي تفتح الطريق المسدود، وغداة تبنّي عمليات القتل والذبح يتم فعلا الإفصاح عن البرنامج، أنه إعلاء كلمة الدين وإقامة الشرع والثأر من الاستكبار والاستعلاء الغربيين وقطع الروابط والأواصر بعالم «الكفّار» وثقافتهم دون سلعهم وصناعتهم وعلمهم! والأمر لا يقبل التجزئة والإسلام هو الحلّ. وقديمًا سئل «سيد قطب» عن البرنامج فأجاب: نصل أولاً إلي الحكم وسوف تعرفون حينئذ برنامجنا. اعتقد أن ألفًا وخمسمائة عام أصبحت كافية لنظل مع الحالمين علي قناة دريم أو المحور يقلّدان الجزيرة أو ينافسانها، أن يظهر لنا كل مائة عام من يجدد لنا ديننا. لا يمنعنا تقصي معني مختلف للانتماء إلي هذا الدين أو الغيرة عليه أن نستنكر وضع جميع المسلمين وفي الغالب رغما عنهم في جانب التطرف، والجوار حول هذا المعني المختلف لا يوجد له مع الأسف الشديد مكان بارز، وسط شيزوفرينيا مواجهة أنظمة حكم فاسدة تريد التشبث بالثروة والسلطة، بينما تعاني شعوبها ويلات الفقر. ترد الجماعات الإسلامية بقتل الأبرياء وضرب السياحة وإرهاب المرأة وإفشاء الخرافات وإثارة الفتن! وحتي الأمس كانت هناك دعوة صريحة وواضحة علي قناة المحور لتكفير نوال السعداوي وسيد القمني! وعمومًا هل العنف ضروري؟ الشيء المؤكد أنه ينتمي إلي جرائم الكراهية التي يقصد منها إيذاء الناس أو ترهيبهم بسبب أفكارهم أو عرقهم أو دينهم.. القس ديفيس أعلن أنه لن يقوم بحرق مصاحف، فماذا نحن فاعلون