مع تفاقم مشكلة البطالة، وقلة فرص العمل نتيجة لانكماش الاقتصاد بعد الأزمة العالمية، عادت الوظيفة الميرى لتكون حلما لكثير من الباحثين عن العمل. «إن فاتك الميرى، اتمرمغ فى ترابه»، هذه المقولة، وإن كانت فقدت قابليتها لدى الكثير من المصريين لسنوات إلا أنها مع بداية الأزمة العالمية، عادت لتكتسب جذبية مرة ثانية. فمع موجة التسريحات الجديدة التى صاحبت الأزمة العالمية، التى يتركز معظمها فى شركات القطاع الخاص، بدأ الموظف يبحث مرة أخرى عن الأمان فى القطاع العام. «أى وظيفة فى القطاع العام فى الوقت الحالى أكثر استقرارا»، يقول محمد سليمان، موظف فى إحدى شركات السياحة، التى استغنت عن 20% من العاملين بها، عقب الأزمة العالمية. سليمان يبحث عن عمل منذ شهر نوفمبر الماضى، إلا أنه حين جاء له عرضان احداهما فى شركة قطاع خاص براتب شهرى 2000 جنيه، والآخر فى وزارة البترول براتب لا يتجاوز ال800 جنيه فى الشهر، كان رده واضحا، «لقد تعلمت الدرس جيدا، ولن أعاود المجازفة ثانيا مع القطاع الخاص، قد يكون الراتب قليلا ولكنه مصدر دخل ثابت»، كما جاء على لسانه. سليمان ليس الوحيد الذى يفضل فى الوقت الحالى العمل فى القطاع العام، الكثيرون ممن حصدوا أضرار العمل الخاص يفضلون الآن «التمرمغ فى تراب القطاع العام». ولكن هل الحكومة قادرة على القيام بهذا الدور من التوظيف؟ «بالطبع لا»، كما تقول عالية المهدى، عميدة كلية الاقتصاد فى جامعة القاهرة، مشيرة إلى أن «القطاع الخاص هو الموظف الأساسى فى الدولة، وحتى إن كان فى وقت الأزمات يواجه بعض الصعوبات، إلا أنه من المستحيل إعطاء دوره فى التوظيف للقطاع العام أو الحكومة». وتضيف المهدى أن الحكومة لن تستطيع أن تسهم بأى دور إضافى فى التوظيف، لأنها، كما تقول، «متخمة بالعمالة»، مشيرة إلى أنه على الأقل 20% من العاملين فى الحكومة فائضون عن حاجتها». ووفقا لأرقام وزارة القوى العاملة، يبلغ عدد العاملين فى القطاع الخاص ما يقرب من 15 مليون عامل، بينما لا يتجاوز عدد العاملين فى القطاع العام 6 ملايين موظف، خرج نحو نصف مليون منهم إلى المعاش المبكر. وقد أسفر تراجع النشاط الاقتصادى بفعل الأزمة العالمية عن ارتفاع معدل البطالة ليصل إلى 8.8% فى الربع الثانى من 2008/2009 مقابل 8.6% خلال نفس الفترة من العام الماضى، وتقلصت فرص العمل الجديدة بنسبة 30%، من 128 ألف فرصة مقابل 181 ألف فرصة. العبء سيكون مضاعفا على الحكومة، لأنه مع أى أزمة، يتعثر القطاع الخاص، وفقا لنجلاء الأهوانى، نائبة رئيس المركز المصرى للدراسات الاقتصادية وذلك سيكون له «أثر خطير على مشكلة البطالة، خاصة مع تحول الحكومة مرة ثانية إلى مقصد لكثير من طالبى العمل». الأزمة توجد فرصة ولكن، كما تقول المهدى، «رب ضارة نافعة»، فإن الأزمة العالمية وما يصاحبها من انكماش لفرص العمل فى السوق المصرىة، قد يدفع بالعديد من الأفراد إلى إقامة مشاريع خاصة بهم، ومن ثم يزداد عدد المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التى هى فى الوقت الحالى «طوق النجاة للاقتصاد المصرى»، كما جاء على لسان المهدى، التى توضح أن هذه المشاريع هى الفرصة التى تنتج عن الأزمة. ولكن لتحقيق الاستفادة من هذه الفرصة، كما تقول المهدى، يكون على الحكومة دور فى تسهيل الإجراءات الخاصة بقيام هذه المشاريع مثل توفير تدريب رخيص لهؤلاء الناس، وتوفير إمكانات لتمويل هذه المشروعات، والأهم من ذلك توفير المكان اللازم لها. «المشكلة ليست مصرية بحتة، وإنما هى عالمية، ولكن الحكومة المصرية ليس لديها الإمكانات المالية التى تؤهلها لهذه المهمة، ولذلك فلتعوضهم بتسهيل إجراءات المشاريع»، كما جاء على لسان المهدى. وكانت الحكومة، منذ بداية الأزمة، قد قامت باتخاذ العديد من الإجراءات لمساندة المشروعات الصغيرة والمتوسطة مثل تقسيط الضرائب الخاصة بها وتأجيل بدء تحصيلها، وإعفاء البنوك التى تمولها من ال14% التى كان يجب عليها إيداعها فى البنك المركزى، وغيرها. ولكن، وفقا لها، فهى « قطعت شوطا ما ولكن مازال عليها الكثير لتقوم به». وتضيف المهدى أن الحكومة المصرية طالما أهملت هذه المشروعات الصغيرة والمتوسطة، على الرغم من كونها تمثل 98% من عدد الشركات العاملة فى السوق المصرىة، و80% من الناتج المحلى الإجمالى. «حل هذه المعادلة يكمن فى تنشيط هذا القطاع الذى يوفر سنويا 4.7% من فرص العمل فى السوق، خاصة أن هذه النسبة من السهل أن تتم مضاعفتها فى وقت الأزمة الحالى»، كما تقول الأهوانى.