الأحداث الكبرى فى التاريخ لن يكون لها أى قيمة لو لم توثق جيدًا، كى تعرف بها الأجيال القادمة وتستفيد من دروسها وتتعلم من خبراتها .. لهذا أخذت مجموعة من المؤرخين على عاتقها مهمة توضيح الصورة الحقيقية لحرب أكتوبر، ورصد وتوثيق البطولات الفردية والجماعية التى تمتلئ بها حرب أكتوبر، بعيدًا عن الأسرار السياسية. «الصباح» التقت المتحدث الرسمى باسم «المجموعة 73» والذى أوضح أن هذه المجموعة تأسست عام 2008وتضم عددًا كبيرًا من الشباب المصرى المحب لوطنه والمهتم بالشئون العسكرية والتأريخ ، وأن تلك المجموعة لا تهدف إلى ربح أو تجارة، وقامت المجموعة طوال الست سنوات الماضية برصد وتوثيق نحو 2000موضوع ما بين القصص والوثائق والفيديوهات التى تتحدى مزاعم إسرائيل بأنها انتصرت فى حرب أكتوبر والتى كان ترددها فى الفترات الأخيرة معتمدة على حقائق منقوصة من جهات غير محادية. وأكد أحمد الزايد المتحدث باسم المجموعة أنهم يعملون من أجل توثيق جميع الأحداث المتعلقة بحرب أكتوبر عن طريق لقاءات مع أبطال حرب أكتوبر وتوثيق شهاداتهم كذلك جمع جميع الوثائق والفيديوهات، بالتنسيق مع الشئون المعنوية للقوات المسلحة، رغم أن هذا الدور من المفترض أن تقوم به الدولة.
رسائل الفزع الإسرائيلية أولى الحكايات التى جمعتها المجموعة 73 هى قصة سعد زغلول .. شاب ريفى مصرى حاصل على دبلوم التجارة ، جند فى الجيش قبل حرب أكتوبر 1973م، ثم تعلم اللغة العبرية والتحق بفرق الاستطلاع المكلفة بالاستماع إلى الاتصالات اللاسلكية بين وحدات العدو لمعرفة نواياها واتجاهاتها وإبلاغ قيادة المخابرات العسكرية بهذه المعلومات لتوجيه القيادة العسكرية التى تدير المعركة للتصرف المناسب. زادت أهمية معلومات زغلول التى يجلبها من خلف خطوط العدو بعد أن تمكنوا من اختراق خطوط اتصال العدو والتنصت على كل ما تقوله قوات قيادات الجيش الإسرائيلى عبر الأجهزة اللاسلكية. وحسب شهادة زغلول يقول: «شاركت فى رصد الاتصالات اللاسلكية التى تقوم بها قيادة العدو فى أم خشيب والجفجافة وجميع أرجاء سيناء، برًا وبحرًا وجوًا، قبل نشوب حرب رمضان عام 1973م، كما شاركت فى عمليات استطلاع خلف خطوط العدو، وهى التى تم فيها تم الرصد التاريخى لعملية العبور العظيم حيث إننا تمكنا من اختراق مواقعه الموصدة وأسلاكه الشائكة، وأصبحت كل كلمة تقال من العدو مسموعة لقيادتنا على أرض المعركة وكبار القادة الذين يوجهون دفة القتال. المجموعة 73 استطاعت توثيق عدد من الإشارات اللاسلكية المتبادلة بين القوات الإسرائيلية ظهر يوم 6 أكتوبر 73، هذه بعض أمثلتها: - إنهم يعبرون بالآلاف ، الطائرات المصرية فوق مواقعنا ، نتعرض لضرب شديد بالمدفعية . - الكوماندوز المصريون يحيطون بمواقعنا ويطلقون علينا البازوكا، ودباباتهم تتدفق بغزارة عبر الجسور، إن هدير الجنازير يصم الآذان . - نطلب نجدة سلاح الجو فورًا، أين سلاح الجو ؟ ثم جاءت الرد من القيادة الإسرائيلية لجنودهم: ممنوع الاقتراب من خط القناة لمسافة 15 كم . وبحسب شهادة زغلول فقد ساعدت تلك التسريبات القيادة العليا فى الدفع بجميع الجنود للعبور بشكل كامل وإحكام السيطرة على القناة وضرب المواقع المهمة للعدو.
القائد لا يترك المعركة
حكاية بطولية أخرى وثقتها المجموعة 73 هى قصة الطيار المصرى شريف محمد عرب، ففى الساعة الواحدة ظهر يوم السادس من أكتوبر عام 1973 العاشر من رمضان 1393، توجه البطل الذى كان وقتها برتبة رائد طيار مع رفاقه إلى الطائرات للكشف عليها و إدارة المحركات للتأكد من الجاهزية للانطلاق. حددت مهام السرب بتدمير موقعى هوك بالجدى و المليز بقوة 16 طائرة تحت قيادة شريف محمد عرب، ثم الاستعداد بإعادة الضرب فى موجة ثانية. فى الموعد المحدد أقلعت طائرات السرب تحت قيادة البطل الرائد طيار فى أزواج قتالية من الممر الرئيسى لتنفيذ أولى واجبات حرب التحرير، و لكن حدث ما لم يكن متوقعًا. فبعد أن أقلعت الطائرات بعشر ثوانٍ حدث ماس كهربائى بطائرة البطل و سقطت الخزانات الاحتياطية المعلقة فى جسم طائرته مما يستلزم العودة إلى القاعدة لإصلاح العطل. و هنا قرر البطل الاستمرار فى تنفيذ المهمة لأنه لو عاد إلى القاعدة فربما العودة تنال من الروح المعنوية لأفراد السرب خاصة وهو قائدهم، مما قد يهدد بفشل أول طلعة و أهمها فى حرب التحرير كما شعر البطل أنه سوف يفقد شرف قيادة سربه فى أولى هجمات حرب التحرير و الكرامة. توجهت الطائرات إلى أهدافها و دمرتها تدميرًا تامًا، وأمر البطل طيارينه بالعودة مباشرة حتى لا يتعرضوا لاشتباكات بعد نجاح المهمة، وعاد هو بطائرته بعد أن نفد منها الوقود تمامًا. و فى التاسع عشر من شهر أكتوبر 1973 صدرت الأوامر من المركز الرئيسى للقوات الجوية بتكليف ثمانى طائرات محملة بالقنابل و الصواريخ بضرب كوبرى العدو عند الدفرسوار، و تعد هذه المهمة من المهام الانتحارية نظرًا لشدة كثافة وسائل الدفاع الجوى المعادى حول هذا الكوبرى سواء من الصواريخ أو المدفعية المضادة للطائرات أو من المظلات الجوية المعادية. تم تكليف الرائد طيار شريف محمد بتنفيذ هذه المهمة، و أقلعت الطائرات المصرية من قواعدها، و عندما وصلت إلى شمال مطار فايد بخمسة كيلومترات اعترضتها مظلة جوية للعدو بقوة 12 طائرة ميراج، فأصدر البطل أوامره لقائد الرف الثانى المكون من أربع طائرات بالانطلاق إلى المعبر المحدد و تدميره، واشتبك هو مع طائرات الميراج والرف الأول برغم عدم تكافؤ القوات، فقواتنا كانت 4 طائرات «ميج 17» مقابل 12 طائرة ميراج للعدو، و قد استشهد أحد طيارينا و نجح الرف الثانى فى إصابة الكوبرى و تعطيل العمل على المعبر.
200 يوم خلف خطوط العدو
إحدى البطولات التى تشبه حكايات الأساطير هى ما قام بها جندى الصاعقة عبد الرءوف جمعة أحد أبطال أكتوبر الذى انتهى به الأمر الآن كعامل فى إحدى مدارس سوهاج. يقول جمعة إنه كان هو وكتيبته يقومون بمهمة انتحارية فى الثانية من ظهر 6 أكتوبر 1973، حيث كانت مهمة الكتيبة منع أى من طائرات العدو من الخروج، بعد أن حملتهم طائرة هليكوبتر إلى مطار أبو رديس. وأضاف جمعة إنهم تمكنوا من منع العديد من الطائرات، إلا أن انقطاع الإمدادات عن الكتيبة أدى إلى استشهاد معظم أفرادها، وأصيب هو بدفعة رشاش من أعلى دبابة، أسفل ظهره، وقد تمكن من الاختباء هو ومن كان معه من أفراد الكتيبة الذين نجوا وتمكن من علاج جراحه من رمال الزئبق بسيناء. ظل جمعة ومن معه يومين فى الصحراء دون أى إمداد أو غذاء حتى رآهم أحد البدو واصطحبهم إلى مكان أمن بأحد الخنادق وظل يمدهم بالغذاء والمياه لمدة 7 شهور خلف خطوط العدو وكانت عمليات البحث عنهم جارية إلا أن العدو لم يتمكن من العثور عليهم. وظل أفراد الكتيبة يتنقلون طوال هذه الفترة بين الصخور والأودية بمساعدة البدو حتى وصلوا السويس بعد سبعة أشهر من بدء المعركة فى أكتوبر . وللأسف لجأ البطل إلى العمل عاملًا فى إحدى المدارس الحكومية بمدينة سواج دون أى تكريم حتى الآن.
الرادار البشرى الرادار البشرى هو البطل أسامة خليل من شبين الكوم مركز قويسنا منوفية، والذى كان يرى فى منامه الأحداث قبل أن تحدث بعدة أيام ، هذا بحسب ما وثقته مجموعة 73» مع أسامة شخصيًا وشهادات عدد من الجنود الذين كانوا برفقته فترة الحرب، وهو الأمر الذى ما زال محل خلاف حتى الآن فالبعض يصدق هذا الأمر والبعض الآخر لا يصدقه. الرؤية الأولى حسب قول أسامة كانت يوم 5 يونيو 67 والتى كان قد سردها لقائد الكتيبة من قبلها بعدة أسابيع بأنه سيصاب بيده اليسرى وهو ما لم يصدقه قائد الكتيبة وقتها، وحسب نص قول أسامة الذى وثقته المجموعة يقول :«أخبرنا قائد الكتيبة يوم 4 يونيو، إنه من المحتمل أن تحدث حرب غدا، وجاء يوم 5 يونيو صباحًا وكان برفقتى مجند من البدو، يتمتع بنظر قوى جدًا، اسمه عبد الكريم وقمنا بتجهيز الموقع تمامًا، وشاهد عبد الكريم 4 أهداف سوبر مستير، ثم أبلغنى أنه رصد 4أهداف وأعطيت الأوامر بالاشتباك، وكنت حتى ذاك الوقت لا أعلم أن الحرب بدأت، وكنت فى ذلك الوقت برتبة ملازم قائد سرية، وتمكنا من إصابة طائرتين وهربت الأخرى ولم تعد أى طائرة مرة أخرى فى ذلك اليوم وكانت المعنويات مرتفعة جدًا، وجاء قائد وحدة المدفعية المجاورة وشكرنا على حسن تصرفنا. ويكمل أسامة خليل: وفى يوم 6 يونيو فى تمام الساعة العاشرة صباحًا أغارت طائرات كثيرة على موقعنا، وتم ضربنا بطلقة مدفع فيكرز 30مل من طائرة ميراج واحترق الجرن وأصبت فى يدى اليسرى، وأصيب نمرة 2 على المدفع وهو محمد السيد أحمد وتحققت الرؤيا القديمة التى أخبرت بها قائد الكتيبة من قبل.