على الرغم مما حل بالشعب الفلسطيني من مأساة إنسانية وما تعرض له من تشريد وتهجير جراء نكبة عام 1948، فإن بطولات الجنود والمتطوعين المصريين على الأرض الفلسطينية لا تزال تعيش في الوجدان الشعبي الفلسطيني، حيث روى هؤلاء الأبطال بدمائهم الزكية تراب الأرض الفلسطينية في محاولة الدفاع عنها وصد عدوان العصابات الصهيونية. البطل أحمد عبد العزيز، ضابط الجيش المصري، الذي وصل إلى رتبة "قائمقام" أي عقيد، قرر أن ينضم للمقاومة وقاد المتطوعين حين صدر قرار التقسيم وأُعلن قيام دولة يهودية، وخاض معارك هامة على مشارف القدس دفاعًا عن الأرض الفلسطينية ورفضًا لقرار التقسيم. التحق البطل أحمد عبد العزيز بالمدرسة الحربية وتخرج منها، وصار لاحقا ضابطًا متميزا بسلاح الفرسان، والتحق بسلاح الفرسان الملكي، وأصبح بجدارة أحد أشهر الطيارين في ذلك الوقت، ثم تخرج في من كلية أركان الحرب. كان لدى أحمد عبد العزيز نظرة مختلفة بشأن مقاومة الاحتلال الصهيوني إذ كان يرفض دخول الجيوش النظامية لتحرير فلسطين على أساس أن هذا الأمر سيعد اعترفا رسميا بالكيان الصهيوني، لذلك طلب بنفسه إحالته للاستيداع من الجيش المصري ليتطوع مع المقاومة، وتخلى عن رتبته وامتيازاته وشكل كتائب المتطوعين الفدائيين لإنقاذ فلسطين من أيدي العصابات الصهيونية وأصبح قائدا لما عرف بالقوات الخفيفة في حرب فلسطين. تولى تدريب كتيبة كانت تعرف باسم المجاهدين للدخول في الحرب، حيث أعدهم ودربهم وقام بتسليحهم بمعرفة الجيش المصري من مدافع خفيفة وأسلحة وبقدر من الذخائر، واتخذ كل وسيلة لإقناع المسؤولين بأهمية تزويد المتطوعين بالسلاح، كما اعتمد على ما جمعه من المتطوعين من الأسلحة التي خلّفتها الحرب العالمية الثانية؛ فأصلح ما يمكن إصلاحه منها. بعد وصوله إلى بيت لحم، بدأ باستكشاف الخطوط الدفاعية لعدوه المتمثل في العصابات الصهيونية، التي تمتد من "تل بيوت" و"رمات راحيل" في الجهة الشرقية الجنوبية للقدس، حتى مستعمرات "بيت هكيرم" و"شخونات هبوعاليم" و"بيت فيجان" و"يفنوف" ونشر قواته مقابلها، بحسب مذكرات الضابط الأردني عبد الله التل، الذي كان قائدًا لمعركة القدس وقتذاك، وأكد أن هذه القوات كانت مزودة بالأسلحة الخفيفة كالبنادق والرشاشات وعدد قليل من المدافع القوسية ومدافع من عيار رطلين تحملها سيارات عادية غير مصفحة. وبحسب المذكرات ذاتها وضع عبد الله التل، القوات الأردنية في كل المنطقة تحت تصرف أحمد عبد العزيز، لإيمانه بوطنيته وإخلاصه، وشنّ الضابط المصري بمجرد وصول القوات أول هجماته على مستعمرة يهودية تدعى "كفار داروم" بهدف تحريرها، وهي مستعمرة لليهود حصينة منيعة، اتُّخذت مركزا للعدوان على الفلسطينيين، ففاجأهم بهجوم خاطف، وألقى الفزع والهلع في نفوس الصهيانة. البداية كانت موفقة وزادت المجاهدين ثقة وإيمانا، وتطلعوا إلى عمليات جديدة وضربات موجعة، فتوجهوا إلى مدينة دير البلح، وكان لها أهمية خاصة؛ حيث تتحكم في طرق الاتصال بين غزة وخان يونس، فرسم أحمد عبد العزيز خطة للهجوم عليها، فحاصرتها القوات حصارا شديدا، وبعث اليهود إليها بمصفحات لإنقاذها وفك حصارها، فلما ترامت هذه الأخبار إليه استعد لتلك المصفحات وفاجأها بمجموعة فدائية لتقييم كمين لها في الطريق، ورمتها بقذائف متتابعة نجحت في القضاء عليها، وفي الوقت نفسه كانت القوات الأخرى للفدائيين تضرب مستعمرات اليهود بكل ضراوة وبسالة حتى تمكنوا من دخول المدينة، وتطهيرها من العصابات اليهودية. بعد دخول الجيوش العربية الحرب انضمت كتيبة المجاهدين إلى الجيش المصري والأردني، حيث تمركز أحمد عبد العزيز هو وقواته في الأراضي الفلسطينية، وكانت وقتها مستعمرة "رمات راحيل" تشكل خطورة نظرا لموقعها الاستراتيجي الهام، فقرر عبد العزيز المشاركة بقواته مع الجيش الأردني في هجوم على المستعمرة، وبدأت المدفعية المصرية الهجوم بقصف، زحف بعده المشاة يتقدمهم حاملو الألغام الذين دمروا أغلب الأهداف المحددة لهم، ولم يجد اليهود إلا منزلا واحدا احتمى فيه مستوطنو المستعمرة، وحين انتشر خبر انتصار العرب بدأ السكان يفدون إلى منطقة القتال لجني الغنائم، والتفت العدو للمقاتلين، وذهبت جهود عبد العزيز ورفاقه في إقناع الجنود بمواصلة المعركة واحتلال المستعمرة سدى، مما أدى إلى تغير نتيجة المعركة بعدما وصلت تعزيزات لرمات راحيل قامت بعده العصابات الصهيونية بشن هجوم في الليل على أحمد عبد العزيز وجنوده. وبحسب محمد حسنين هيكل، استشهد البطل أحمد عبد العزيز في عملية طائشة عن طريق الخطأ برصاص مصري; فعندما كان في طريقه بصحبة اليوزباشي صلاح سالم، أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة في مصر فيما بعد، إلى القيادة المصرية في المجدل ليلة 22 أغسطس 1948، ووصل بالقرب من مواقع الجيش المصري في الفالوجة، أطلق أحد الحراس واسمه العريف بكر الصعيدي، النار على سيارة الجيب التي كان يستقلها أحمد عبدالعزيز، بعد اشتباهه في أمرها، فأصابت الرصاصة صدر القائد البطل الذي ما لبث بعدها أن لفظ أنفاسه الأخيرة وأسلم الروح شهيدا.