وسط حالة التوتر وعدم الاستقرار، الذى تشهده العلاقات بين مصر وحركة المقاومة الفلسطينية "حماس" منذ عزل الرئيس الإخوانى "محمد مرسي"، والحكم القضائى الأخير بحظر أنشطة حماس فى مصر والاستفزازات الحمساوية لمصر، أثيرت التساؤلات حول مستقبل تلك العلاقات، وما إذا كانت ستمهد الطريق أمام منافسى مصر على الريادة الإقليمية ( تركياوإيران ومعهما قطر) لاستغلال تلك الفرصة والانقضاض عليها وتوظيفها لصالحهم. وتكمن المشكلة، حسبما يرى العديد من المحللين، فى أن التضييق المصرى على حماس وعمليات خنقها قد يدفع الحركة إلى الرد عبر شن حرب إرهابية، وهو ما بدأ بالفعل يظهر، حيث نظمت كتائب القسام الذراع العسكرى ل حماس عرضًا عسكريًا على الحدود المصرية، والأخطر ليس فى شن عمليات إرهابية، بل هو اتجاه حماس لحلفائها وأعدائها فى آن واحد والارتماء فى أحضانهم بما فى ذلك إسرائيل للاستقواء بهم ضد مصر. إيران انحسرت العلاقة بين حماس وإيران إلى أدنى مستوياتها عقب اندلاع الأزمة السورية ومغادرة قيادة حماس لدمشق علناً ومغادرة ممثل حماس للعاصمة طهران، فيما بقيت الاتصالات على مستوى العلاقات الشخصية بين الجانبين؛ مما أدى إلى وقف التمويل الذى يقدر بحوالى 23 مليون دولار شهرياً الذى كانت تتلاقه حماس من إيران. ووفقًا لمصادر عالية المستوى داخل حركة "حماس" أكدوا عودة الحميمية فى العلاقة مع الجمهورية الإسلامية فى إيران بعد عدة لقاءات عقدها الطرفان فى اكثر من عاصمة عربية وإسلامية لترميم ما شابها من فتور خلال العامين الماضيين، إثر انسحاب قيادة حماس من سوريا ودعمها ل "الثورة". وجرت عدة اتصالات بين شخصيات بارزة فى الدولة الإيرانية وقيادات حماس من أجل عقد لقاءات لرأب الصدع بين الجانبين؛ مما أفضى إلى الوصول إلى تفاهمات أولية لإعادة إحياء العلاقات من جديد بينهما. وكان أعلى تمثيل للقاءات تم بين الجانبين كان بين رئيس المكتب السياسى لحركة حماس "خالد مشعل" وممثل إيرانى رفيع المستوى فى العاصمة التركية أنقرة خلال زيارة مشعل لتركيا فى (أكتوبر 2012) الماضى واجتماع آخر عقد فى العاصمة القطرية. ويبدو أن اشتعال الأزمة وتدهورها بين مصر وحماس مؤخرا أدى إلى اتخاذ المزيد من الخطوات الجدية لعودة العلاقات الإيرانية الحمساوية وكشف عنها عضو المكتب السياسى لحركة المقاومة الإسلامية حماس، محمود الزهار، بشروع الحركة فى خطوات من شأنها إحداث تطور فى العلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية قريبًا، فقد صرّح رئيس مجلس الشورى الإسلامي، على لاريجاني، بأن علاقة إيران مع حركة حماس عادت كالسابق، وهى تدعمها على اعتبار أنها تيار مقاوم. تركيا ظهرت تركيا على الساحة بعدما اضطربت العلاقات بين إيران وحماس، وحلت تركيا محل إيران كمصدر ممول رئيسى لحركة "حماس" بغزة وذلك بالاتفاق مع قطر والتى تستضيف قيادة "حماس" منذ خروجها من سوريا بحيث بلغت حجم التحويلات المالية عام 2012 إلى حماس بغزة نحو 250 مليون دولار. ومن المتوقع أن تزداد العلاقات تحسنا بين تركيا وحماس فى ظل التصعيد للأزمة بين حماس والسلطات المصرية، بالإضافة إلى اتفاق الاثنين على سياسية دعم جماعة الإخوان الإرهابية التى رفضها الشعب المصرى ويرون الآن أنها مستهدفة ومضطهدة فى مصر بعدما عزل الشعب فى ثورة 30 يونيو رئيسهم الإخوانى "محمد مرسي". قطر وفيما يخص قطر، فمن المعروف المساعى والجهود التى تبذلها قطر من أجل الوصول إلى دور ريادى إقليمى واستغلال الأزمة بين مصر وحماس لمصلحتها حتى تهيمن على الجماعات الإسلامية الإرهابية وتتخذها درعا للوصول إلى هدفها فى أن تكون لها الريادة فى المنطقة. وكان من المعروف أن قطر قد تعهدت بإرسال 400 مليون دولار لقيادات "حماس" بغزة فى عام 2012 ولكنها لم تصل بسبب أزمة قطر مع النظام الجديد فى مصر، ومن المتوقع أن تزداد كمية المساعدات القطرية لحماس فى الفترة القادمة. المنافسة القطريةالإيرانية على حماس: ويمكن بلورة المنافسة الإيرانيةالقطرية على حماس من خلال 3 سناريوهات: السناريو الأول يتوقع أن تستمر العلاقات القطرية الحمساوية فى التقارب، ما دامت العلاقات القطرية الإخوانية دافئة، وفى حالة استمرار هذا التقارب، سيقل تأثير إيران على المنطقة كثيرًا، وستصبح ليس لها حلفاء باستثناء حزب الله اللبناني، والذى سيصبح محاصرًا فى حالة سقوط النظام السوري، ووقتها سنكون إزاء معادلة إقليمية جديدة تلعب فيها قطر دورًا متعاظمًا بأموالها الطائلة. ووفقًا لهذا السيناريو فستكون المساعدات القطرية (المادية واللوجستية) لحماس هى عصب الحركة، وهى البديل عن الدعم الإيراني، وهو ما يعنى تقاربًا أكثر وأكثر بين قطر وحماس. أما السيناريو الثاني، فقائم على إنهاء المد الإسلامى وتوغله من خلال إسقاط جماعة الإخوان الإرهابية والذى أثر بالضرورة على تراجع قطر وفتح الباب أمام المطامع الإيرانية إلى استعادة دورها فى المنطقة عن طريق اجتذاب حركة حماس وتدعيمها؛ حتى تكون بعدًا إستراتيجيًّا لها فى المنطقة بجانب حزب الله. أما السيناريو الأخير فيعتمد على "استمرار حالة الشد والجذب" والتدافع بين إيرانوقطر حول ولاء حركة حماس، وفى هذا السيناريو ستصبح حماس هى الرابح الأكبر فى معركة الولاءات تلك، وخصوصًا أن لحماس باعًا طويلاً فى التعايش مع جدليات الأنظمة العربية، والتناقضات بينها، وأثبتت عبر سنين قدرتها على التعامل مع هذه التناقضات والاحتفاظ بمسافات آمنة من الجميع. وبالنظر إلى هذه المنافسة القوية من أجل إحلال الدور الريادى الذى تلعبه مصر والوسيط بين حماس وإسرائيل، يبقى السؤال..من سيكون المستفيد الأول من هذا الصراع والانقسام بين مصر وحماس؟؟! وبالطبع ستكون الإجابة "إسرائيل". إسرائيل الكهيان الصهيونى " إسرائيل" هى المستفيد الأول من العداء بين السلطات المصرية الحالية وحركة حماس ، ومؤكدًا بأن أهم الأمور التى يعتبرها الكيان الصهيونى أكثر إيجابية هى اعتبار السلطات فى مصر بأن حركة حماس هى حركة عدائية وتمثل تهديدًا للأمن القومى فى مصر. هذا بالإضافة إلى أن تدمير الأنفاق عمل على تحسين البيئة الإستراتيجية بالنسبة للكيان الصهيوني، فمثل تلك الإجراءات العقابية من تدمير الأنفاق قد أسمهت بشكل ملحوظ فى تجفيف منابع حماس عسكريا واقتصاديا مما يؤدى إلى تقليص قدراتها العسكرية التى من المتوقع أن تشنها على العمق الصهيوني. هذا بالإضافة إلى أن إعلان القضاء المصرى "حماس" بأنها جماعة إرهابية، أثار غضب حماس واعتبرته قراراً سياسياً جائراً يخدم الاحتلال الإسرائيلي، نظرًا لأن مثل هذا القرار سيحاول محاصرة المقاومة ويخدم الاحتلال الإسرائيلى ويتقاطع مع أجندته فى تحويل الصراع من صراع مع الاحتلال إلى صراع مع الإرهاب". وفى الوقت ذاته لا تمانع إسرائيل فى استقواء حماس بأى طرف خارجى حتى إن كان عدوًا لإسرائيل ( إيران)، من أجل إزعاج مصر ، بل إن إسرائيل وحماس قد لا يمانعان فى التحالف معًا من أجل إثارة التوترات على الحدود المصرية ، فمن مصلحة إسرائيل استمرار التوتر فى سيناء وعلى الحدود وأن تظل العلاقة بين مصر وحماس متوترة. أما الخاسر الأول من تدهور العلاقات المصرية الحمساوية هى القضية الفلسطينية نظرا لربط حماس بين الموقف الذى تتخذه مصر منها وبين موقفها من القضية الفلسطينية واعتبرت أنه تخلٍ عن القضية خاصة أن "حماس" تعتبر نفسها خط الدفاع الأول عن الأمة فى مواجهة المشاريع الصهيونية فى المنطقة، وهو ما يجب أن تتنبه له مصر.