"رغم العلاقات الحيوية الأمريكية القطرية، واستضافة الأخيرة لأكبر قاعدة عسكرية أمريكية، إلا أن العلاقات بين البلدين أخذت منحنى آخرَ، اتسم بالتدهور والتأزم، وذلك نتيجة للدعم القطرى لحركة حماس وللتقارب القطرى السورى من جهة، والقطرى الإيرانى من جهة أخرى، وهو ما يحتم على إدارة أوباما الاهتمام بتلك الدولة الخليجية الصغيرة، رغم انشغال أجندته بكثيرٍ من القضايا". هذه خلاصة دراسة نشرها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، الموالى لإسرائيل والمؤيد لسياساتها، والضاغط على الإدارة الأمريكية لتبنى سياسات داعمة لتل أبيب فى الثانى من الشهر الجارى (فبراير 2009) تحت عنوان "قطر تتحدى أمريكا بحماس"، للكاتبين سايمون هندرسون وماثيو ليفيت. فى بداية دراستهما، كما عرضها موقع تقرير واشنطن، يشير الكاتبان إلى الشكر الذى وجهه رئيس المكتب السياسى لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، خالد مشعل، فى مهرجان خطابى أقيم فى الدوحة للاحتفال بانتصار حماس للقيادة القطرية لدعمها الحركة ضد العدوان الإسرائيلى عليها فى قطاع غزة، فى السابع والعشرين من ديسمبر الماضى (2008) لمدة اثنين وعشرين يوماً، معلناً عن نصر مقاتليها (حماس) فى حربها ضد القوات الإسرائيلية، وإحباطهم لخطط إسرائيل من تلك الحرب، هذا فضلاً عن مدحه للشيخ يوسف القرضاوى المقيم فى قطر، ووصفه ب (شيخ المقاومة). ويرى كاتبا الدراسة أن مثل تلك التصرفات القطرية، التى تستضيف على أراضيها أهم مركز للقيادة الأمريكية العسكرية وأكبر قاعدة جوية أمريكية، يمثل خروجاً على التوافق العربى بدعمها للإسلاميين المتطرفين، ناهيك عن علاقاتها مع من تصفهم الإدارة السابقة بدول محور الشر، وقوى الممانعة فى المنطقة للسياسات الأمريكية فى إشارة إلى دمشقوطهران. ويرى الكاتبان أن التطورات فى الموقف القطرى يعرقل من السياسات الأمريكية حيال إيران، وعملية السلام فى المنطقة، وهو ما اعتبراه أيضاً تحديّاً للولايات المتحدة وسياساتها فى المنطقة. وعن العلاقات الأمريكية القطرية، تشير الدراسة إلى سماح الشيخ حمد بن خليفة لإسرائيل بفتح مكتب للتمثيل التجارى فى الدوحة، رغبة من قطر فى تحسين علاقاتها مع واشنطن، بجانب الخطوة المهمة، بالموافقة على إنشاء قناة الجزيرة الفضائية، التى يرون أنها أحدثت تحولاً فى التغطية الإعلامية التقليدية التى كانت منتشرة فى المنطقة بمحتوى إعلامى استفزازى ومثير لعديدٍ من حكومات المنطقة. ونوهت الدراسة إلى عمق العلاقات القطرية الأمريكية بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، للمساعدة التى قدمتها قطر بالسماح للولايات المتحدة باستخدام قاعدة العُديد Al-Udaid، فى الوقت الذى كانت تنادى فيه المملكة العربية السعودية بترك الجنود الأمريكيين للأراضى السعودية. ناهيك عن تقديمها الدعم للولايات المتحدة فى الحرب على الإرهاب من خلال تعزيز مركز القيادة المركزية التى سمحت للولايات المتحدة بمراقبة التحركات الجوية فوق العراق، بينما كانت تحلق قاذفات "بى –1"، لتقديم الدعم الجوى للقوات الأمريكية فى أفغانستان، ولكن الكاتبين يخلصان إلى أن التعاون القطرى الأمريكى، طالما كانت له تكلفة دبلوماسية، والتى هى فى تزايد مستمر حالياً. وعن تدعيم قطر لحركة حماس، يسوق الكاتبان عدداً من الدلائل على هذا الدعم، فيقولان: إن المسئولين القطريين يدعمون الإسلاميين الراديكاليين منذ فترة طويلة، ففى تسعينيات القرن المنصرم عمل خالد شيخ محمد، أحد العقول المدبرة لأحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 مهندساً فى قطر. وعندما اكتشفت الولاياتالمتحدة وجوده فى قطر، وطلبت القبض عليه، ساعده أحد الوزراء القطريين بتهريبه جوّاً إلى باكستان. وعن الدعم القطرى لحركة حماس يقولان: إن قطر تتبنى سياسة رسمية لدعم الحركة، فقد سمحت بأن يكون للحركة مكاتب رسمية بالدوحة، والسماح لحماس بزيادة جمع الأموال من خلال الأنشطة الخيرية بقطر، وعادة ما تستضيف مسئولى الحركة، فمشعل وعدد من قيادات الحركة، يقسمون وقتهم بين الدوحة والعاصمة السورية دمشق. ويقول مشعل: إنه تربطه علاقات شخصية بالمسئولين القطريين، منهم الشيخ حمد بن خليفة ووزير خارجيته ورئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم بن جبر، ويقول الكاتبان: إنه فى السنوات الأخيرة، زاد الدعم القطرى للحركة بصورة كبيرة. وفى الوقت الذى كانت هناك قيود ومعوقات صارمة على المساعدات الخيرية من المملكة العربية السعودية للحركة، أعلنت قطر علناً عن دعمها المالى للحركة، والذى زاد بصورة دراماتيكية. فقد قدمت قطر مساعدات مالية قدرت ب 50 مليون دولار، بعد تجميد المساعدات الأمريكية والأوروبية إلى السلطة الفلسطينية، بعد فوز حماس فى الانتخابات التشريعية الفلسطينية فى بداية عام 2006 وتشكيلها السلطة الفلسطينية. وبعد سيطرة حماس على قطاع غزة فى منتصف عام 2007 بررت قطر دعمها للحركة بالأزمة الإنسانية فى القطاع نتيجة حرمان حماس من المساعدات المالية الدولية. وفى بداية عام 2008 قال أحد مساعدى رئيس السلطة الفلسطينية: "إن قطر تعطى حماس ملايين الدولارات فى الشهر يستخدم جزء كبير منها فى شراء الأسلحة". وركزت الدراسة على دعم الشيخ يوسف القرضاوى، رجل الدين البارز، لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). فقد شارك الشيخ يوسف رئيس المكتب السياسى لحركة حماس "مشعل" فى حفل الاحتفال بنصر حركة حماس المقام فى قطر، كما استخدم الأول برنامجه بقناة الجزيرة لتدعيم الحركة، ويرى كاتبا الدراسة أن قطر تتسامح مع رؤيته المتشددة، وجمعه للأموال لصالح حماس، وينقل الكاتبان بعض ما قاله القرضاوى فى احتفالية نصر حماس منها قوله: "أعيش فى قطر منذ عدة سنوات، لكن الحكومة القطرية لم تتدخل فى أنشطتى". ويرى الكاتبان "أن الشيخ القرضاوى معروف بالفتاوى التى تدعو المسلمين إلى قتل الأمريكيين وبعض المدنيين فى العراق، ويبرر لحركة حماس هجماتها ضد المدنيين الإسرائيليين"، هذا حسبما جاء فى الدراسة. وتشير الدراسة إلى أنه فى أكتوبر من عام 2000 أسس الشيخ القرضاوى منظمة تسمى "ائتلاف الخير"، والمعروفة أيضاً ب "التحالف الخيرى". وتنقل الدراسة قولاً للاستخبارات الفلسطينية أن تلك المنظمة من أكبر المنظمات الداعمة لحركة حماس، فيما يتعلق بالدعم المادى. ولهذا حظرت إسرائيل فى فبراير 2002 المنظمة، وفى نوفمبر الماضى 2008 اعتبرت الولاياتالمتحدةالأمريكية المنظمة كياناً إرهابياً عالمياً. وفى هذا الصدد تقول وزارة الخزانة الأمريكية: "إن حماس هى من أنشأت هذه المنظمة (ائتلاف الخير)؛ لتسهيل نقل الأموال إلى الحركة". ويرجع الكاتبان الحيوية الدبلوماسية القطرية تجاه حركة حماس، إلى وزير الخارجية ورئيس الوزراء شيخ حمد بن جاسم بن جبر. ويريان أن هناك بعض الشك فى التحول من التحالفات الحالية يعكس الرأى الشخصى للأمير الشيخ خليفة الذى ارتاح إلى الرئيس السورى بشار الأسد. ويلاحظ عدد من المراقبين أن لدى الأمير قناعة بضرورة مساندة قطر لحركة حماس، والذى يأتى تمشياً مع نزعته الإسلامية المحافظة، ناهيك عن التوصل القطرى إلى أن الولاياتالمتحدة لا يمكنها القيام بكثيرٍ، فى وقت تسعى فيه إيران لأن تكون قوى إقليمية فى المستقبل بمنطقة الخليج العربى؛ والذى يدفع قطر إلى تطوير علاقاتها مع طهران. ولهذا، تزعمت قطر محاولة الخروج على القيادة المصرية والسعودية للعالم العربى، بعقدها قمة فى الدوحة لتدعيم حركة حماس بعد العدوان الإسرائيلى على الحركة فى قطاع غزة، وحضر القمة التى أخفقت فى تحقيق النصاب القانونى الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد. وفى القمة التى عقدت فى الكويت حاول العاهل السعودى الملك عبد الله القيام بمصالحة بين مصر والمملكة العربية السعودية من جهة، وسوريا وقطر من جهة أخرى، ولكن كاتبى الدراسة يقولان: إن العاهل السعودى فى حاجة إلى إعادة النظر فى التزاماته السابقة للعمل من أجل السلام مع إسرائيل. وعن الخيارات الأمريكية نتيجة الدعم القطرى لحركة حماس وقياداتها، التى تعتبرها واشنطن منظمة إرهابية، والتقارب القطرى من دول محور الشر والممانعة، حسب التنصيف الأمريكى للإدارة السابق، سوريا وإيران، يقول الكاتبان: إن أهمية قاعدة العُديد الجوية الحيوية تُقلل من فرص مناورة واشنطن، مشيرين إلى أن هناك خيارات أخرى لهذه القاعدة حيث يستخدم سلاح الجو الأمريكى المدرجات فى البحرين والإمارات، ولكن بشروط. ويعتقد الكاتبان أن احتياطات قطر من الغاز الطبيعى شجعتها على الخروج عن الصف العربى تجاه طهران والجماعات الإسلامية المتطرفة. ونظراً للطبيعة الشخصية للدبلوماسية القطرية، فإن الطريق لتغيير مأمول، هو الاتصال والحوار الأمريكى المباشر مع الشيخ خليفة، ويرى كاتبا الدراسة أنه مع وصول الإدارة الأمريكيةالجديدة بقيادة باراك أوباما، هناك فرصة للتغلب على الخلافات التى تُعزى إلى إدارة الرئيس بوش، لكنهما يريان أنه مع تعدد القضايا التى تفرض نفسها على البيت الأبيض، فإن إيجاد وقت للاهتمام "بدولة خليجية صغيرة" أمر صعب، ويؤكدان أن الموقف القطرى غير المرغوب فيه تجاه حركة المقاومة حماس وميلها إلى إيران يجعل "إمارة صغيرة فى منطقة الشرق الأوسط" ضمن أولويات إدارة أوباما المتعددة. ويخلصان إلى أن التحدى يكمن فى أن زيارة، وربما من جانب المبعوث الأمريكى للشرق الأوسط جورج ميتشل قد تغير من الموقف القطرى. السيرة الذاتية لكاتبى الدراسة (سايمون هندرسون وماثيو ليفيت): ◄ سايمون هندرسون، زميل فى برنامج الزمالة بيكر ومدير برنامج سياسات الخليج والطاقة بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى. عمل صحفياً فى هيئة الإذاعة البريطانية والفاينانشيال تايمز، كما عمل مستشاراً لشركات وحكومات. ولهدسون عديدٌ من المؤلفات منها السيرة الذاتية للرئيس العراقى صدام حسين. وتتركز كتابات هندرسون على مناقشة ديناميكيات السياسية الداخلية لعائلة آل سعود، وتطورات الطاقة والأحداث فى العراق والبرنامج النووى الباكستانى. ◄ ماثيو ليفيت، فقد تولى منصب مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات بالمعهد واشنطن. وخلال الفترة ما بين عام 2005 وبداية 2007، عمل فى منصب مساعد نائب وزير المالية للمخابرات والتحليل، حيث لعب دوراً مركزياً فى الجهود الرامية لإحباط قدرة الإرهابيين على تمويل الهجمات المهددة للأمن القومى الأمريكى. وإلى جانب عمله كشاهد خبير لدى وزارة العدل فى عديد من القضايا المتعلقة بالإرهاب، أدلى بشهادته أمام مجلس النواب والشيوخ فى القضايا المتعلقة بالإرهاب الدولى.