بدت «عملية طوفان الأقصى» وكأنها استثمار لمشهد داخلى مرتبك فى الدولة العبرية. حكومة يمينية هى الأكثر تطرفًا، رئيسها محاط باتهامات فساد ورشوة وتحايل، خاضع لتحقيقات فى قضايا قد تودى بمسيرته السياسية وبمنصبه، أسير رغبات شركائه الائتلافيين، تصدع مجتمعى وانقلاب على الديمقراطية بإصلاحات قضائية ألهبت الشارع الإسرائيلى، أججتها مشروعات قوانين تمس الخدمة العسكرية الاحتياطية وتجنيد المتدينين. ◄ الهروب للأمام.. سياسة نتنياهو لإنقاذ حكومته مع نهاية العام تبدو الحكومة الإسرائيلية فى أقوى حالاتها منذ السابع من أكتوبر الماضى. تشبث نتنياهو بطوق النجاة الوحيد الذى يجيد استخدامه كلما أفلس من الأعذار أو أضاق عليه الخناق، فهرب إلى الأمام وكان الجموح فى اللجوء إلى الاغتيالات الاستهدافية التى طالت قادة حماس وحزب الله. فكان اغتيال اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس فى قلب إيران، ثم نجاح عملية «البيجر» التى راح ضحيتها قادة قوة الرضوان التابعة لحزب الله، وأخيرًا اغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله هى الرافعة التى قفزت بمعدلات تأييد نتنياهو وتماسك حكومته. حسب صحيفة الأخبار. ◄ جمعية سرية تحرك «بيبي» وتسيطر على خط الحكومة تفاقمت الاحتجاجات الحاشدة فى شوارع وميادين إسرائيل، وارتفعت أصوات عائلات الرهائن، خاصة بعد مقتل 6 أشخاص بنيران إسرائيلية أخطأت هدفها؛ وأصيبت العواصم الضالعة فى الوساطة بالغليان، وتفاقم حرج الرعاية الأمريكية، وزاد احتقان وزير الدفاع يوآف جالنت، الذى أقر بنهاية عملية «السيوف الحديدية» فى القطاع بعد تحقيق أهدافها! ربما يود نتنياهو نفسه خلاصًا من كابوس غزة، لاسيما وأنه لم يهتم يومًا ببقاء قواته فى محور فلادلفيا، ولا حتى بزوال حماس أو نزع سلاحها، حتى أنه رفض فى السابق اغتيال قائد حماس يحيى السنوار، إذ ضمن وجود الحركة وقوتها بقاء شقاق القوى السياسية الفلسطينية، ورسخ غياب الشريك فى عمليات محتملة مع إسرائيل، ما دعا نتنياهو طيلة سنوات التموضع على مقعد رئاسة الوزراء إلى تمرير أموال الدعم القطرية وغيرها للقطاع، وهو يعلم جيدًا أنها لا تخطئ قبضة حماس. ◄ طوفان الأقصى كشف عورة الموارد البشرية في جيش الاحتلال لم يفرز العدوان على غزة أزمة تجنيد طلاب المدارس الدينية، ولا حتى رفض الخدمة العسكرية بين صفوف جيش الاحتلال، وإنما ساهمت الأزمتان فى تفاقم واقع الموارد البشرية لدى جيش الاحتلال بعد «طوفان الأقصى» فى 7 أكتوبر 2023. حينها حوصر نتنياهو بين ضغوطات المتشددين دينيًا (الحريديم)، الهادفة إلى مصادقة الحكومة على قانون إعفاء أبناء تلك الشريحة من الخدمة العسكرية، وبين متطلبات الواقع الميدانى المرتبك، ما اضطره إلى سرعة اتخاذ قرارات وصفها فى حينه ب«الإنقاذ السريع». دون تشاور مع الحكومة، أو وزير الدفاع، أو حتى عرض الأمر على لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، اتخذ نتنياهو قرارًا بتفعيل «المرسوم 9»، الرامى إلى استدعاء قوات الاحتياط داخل وخارج إسرائيل. وتحت جنح ظلام ما وصفته إسرائيل ب«السبت الأسود»، وبتمويل تنظيمات يهودية أمريكية، تقاطر أسطول طائرات شركة «إيل عال» على مختلف دول العالم بما فى ذلك الولاياتالمتحدة؛ وبينما اخترق الأسطول برحلاته عطلة يوم السبت المقدسة وفقًا للتعاليم اليهودية، جمع مع العودة إلى مطار بن جوريون فيالق الاحتياط من خارج إسرائيل. ◄ مصنع الاستيطان يفتح الأبواب على الضفة والقطاع «من نقطة «إيلى غزة» الاستيطانية، ننطلق لإعادة استيطان كامل القطاع، ونمحو عار خروج اليهود منه قبل 19 عامًا»؛ بهذه العبارة المنشورة فى دورية «كيدوشت صهيون» المتطرفة، سمحت حكومة تل أبيب بتسويق الاستيطان فى قطاع غزة؛ وحسب ما نقلته «هاآرتس» عن الدورية اليمينية، نظم أقطاب «الحريديم» جولة داخل القطاع، استبقوها ببيان ترويجي، يدعو إلى ما وصفوه ب«الاتصال بقدسية المكان»، فضلًا عن تلاوة دروس ومواعظ توراتية، ونشاط ممتع للأطفال والعائلات يتضمن عناصر جذب متنوعة. ربما وشى وضع حجر أساس نقطة «إيلى غزة» الاستيطانية بإحدى أهم أسباب إقالة وزير الدفاع بينى جانتس، خاصة بعد صياغة تصوره للوضع فى القطاع بعد الانسحاب الإسرائيلى منه؛ وحسب قناة «أخبار 14» الإسرائيلية، أثار جالنت حفيظة وزير المالية، المسئول المباشر عن المصنع الاستيطانى فى غزة والضفة الغربية والقدس بيتسلئيل سيموتريتش برفض الاستيطان اليهودى فى القطاع، لتمكين القوات الدولية المقرر نشرها فى القطاع بموجب خطته من أداء مهامها الأمنية، فضلًا عن إعادة إعمار القطاع. ◄ انهيار ثقة المستوطنين في حكومة وجيش تل أبيب تبددت ثقة الإسرائيليين فى قدرة حكومة نتنياهو وجيش الاحتلال على احتواء الأوضاع الأمنية المتردية منذ عملية «طوفان الأقصى» حتى الآن؛ وبعيدًا عن كشف حساب مؤجل حول إخفاقات المستوى الأمنى فى التعاطى مع تبعات عمليات المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة، سقطت ثقة المستوطنين مع انتهاك المجال الجوى الإسرائيلى غير مرة من الشمال والجنوب، ووصول الأمر إلى اختراق منظومات الدفاع الجوى الإسرائيلى بصاروخ الحوثيين القادم من مسافة تزيد على 2000 كيلو متر وسقوطه فى عمق تل أبيب. وبينما لا تمل الأجهزة المعنية فى تل أبيب نشر رسائل التطمين، الداعية إلى عودة المستوطنين النازحين من الشمال إلى مستوطناتهم، وعودة مستوطنى غلاف قطاع غزة من إيلات إلى حيث أتوا، وتسويق توفير الملاجئ الآمنة لاستيعاب الجميع وقت الخطر، لا يكترث المستوطنون بالرسائل وأصحابها، ولم يسقط من ذاكرتهم عزوف نتنياهو وحكومته عن إبرام صفقة لإعادة الرهائن من قطاع غزة.