في تاريخ مصر أحداث عظيمة رسمت مسار حضارتها. وبنت العقيدة التي تربط أبناء مصر بوطنهم الغالي. وتسمو بالقيم الوطنية. وتزيد من أسس الولاء والإنتماء لبلدنا مصر. ومن أهم الأحداث في تاريخ مصر المعاصر. نصر أكتوبر المجيد. والذي نعيش ذكراه الرابعة والأربعين في هذه الأيام. ونتلمس من دروسه طريقنا إلي بناء مصر الحديثة. حرب أكتوبر لم تكن حرباً عدوانية. بل كانت حرباً شرعية. ترتبت علي حرب سبقتها وهي حرب يونيو 1967.. كما انها الحرب التي لم يكن بداً منها حتي تستعيد مصر والعرب حقوقهم وكرامتهم وتحرير أرضهم المغتصبة. وبفضل روح اكتوبر كقيمة من قيم العسكرية المصرية التي تولدت عشية ايقاف النيران في حرب يونيو 1967. ونمت وكبرت مع كل جهد بذله المقاتلون ليضيفوا جديداً مع كل اشتباك. وتصقلها دماء الشهداء. وعرق المقاتلين في التدريب وبناء المسرح حتي اكتملت تماماً صباح السادس من أكتوبر. والعسكرية المصرية - صانعة نصر أكتوبر العظيم - هي خليط من صفات الفروسية المتأصلة عند العرب. وهي محصلة العبقرية التي تولدت وعاشت بين أبناء مصر من آلاف السنين ومنحتها الإصرار والقوة والعزم الموروثة عن أجدادهم القدماء. وهي نتاج التحضر والإيمان والديمقراطية المتأصلة في شعب مصر المؤمن. وكل ذلك ينصهر في بوتقة العلوم وعصر المعلومات لذلك فإن روح العسكرية المصرية التي تحلي بها شعب مصر العظيم وقواته المسلحة وهيأ من خلالها سبل النصر... قد نبعت من: - المسئولية المطلقة التي يتحملها القادة والأفراد في وقت واحد. - الدقة في التخطيط والجرأة في التنفيذ والمخاطرة المحسوبة. - الإلتزام بالعمل والتعاون بين الجميع لتحقيق الهدف. - التضحية من أجل الوطن. مهما كانت تكاليف تلك التضحية. ووقوف الشعب خلف قواته المسلحة في مرحلة الإعداد وإدارة الحرب والثقة المتبادلة بين الشعب وجيشه. ومن هنا. فقد كانت حرب أكتوبر فريدة في خصائصها. وجاءت كثورة جذرية كاملة قلبت مفاهيم الحرب التقليدية وغير التقليدية. وقال عنها خبراء الإستراتيجية "لايحق لأي جيش علي مستوي العالم أن يدعي أنه كان بإمكانه الإعداد والتخطيط لحرب أفضل مما قامت به القوات المسلحة المصرية" كما وصفها العالم الكبير جمال حمدان بأنها حرب محدودة ... ولكنها كثيفة وحرب طويلة ... ولكن بدايتها خاطفة وحرب طيران حسمتها الصواريخ وحرب دبابات انتصرت فيها المشاة وهي حرب التقنية المتقدمة ... ضد القوي البشرية وهي أول حرب هجومية يكون فيها التفوق للمدافع وهي الحرب التي قامت من أجل تحقيق السلام الدائم والعادل في المنطقة. وهناك معادلة وضعها مخططو الإستراتيجية المصرية نصب اعينهم. عند تحديد الهدف السياسي/العسكري للحرب ... وهي: - ان النصر في المعركة سيؤدي إلي إحداث توازن في القوي. - والتوازن "لو تحقق" هو الذي سيؤدي إلي تحقيق سلام عادل ودائم. - والسلام "القوي" سيؤدي إلي تحقيق التنمية وتعويض خسائر الحرب. - والتنمية هي التي ستؤدي إلي الرخاء وتنامي قوي الشعب وعودته إلي جذوره الحضارية المعروفة عنه. وقبل كل ذلك. فإن الإعداد الجيد وتصحيح أخطاء الجولة السابقة هو الذي سيحقق النصر المبين. وهناك العديد من الإحصائيات عن الإعداد لنصر أكتوبر العظيم: - فالإعداد للحرب استغرق 2310 أيام أو ست سنوات وحوالي أربعة اشهر. - والإعداد تم علي اربع مراحل: * إعادة البناء وبما اطلق عليه الصمود أو التهدئة. واستمرت لمدة 14شهراً من شهر يونيو 1967 وحتي اغسطس 1968. * تنشيط الجبهة واستمرت لمدة ستة اشهر "سبتمبر 1968 - فبراير 1969". * تسخين الجبهة "اوبما أطلق عليها حرب الإستنزاف" لمدة 500 يوماً من 8 مارس 1969 - 8 أغسطس 1970. * الإستعداد النهائي للحرب لمدة ثلاث سنوات. وحوالي ثلاثة اشهر. - إن حجم التجهيزات الهندسية في مسرح العمليات استخدم فيه مواد هندسية تعادل بناء عشرة اهرامات بحجم الهرم الأكبر... وتجهيز طرق بحجم أطوال الطرق في مصر في هذا الوقت. - إن اختيار توقيت الحرب. تم من خلال دراسات عميقة شاركت فيها قيادات القوات المسلحة. وظلت سرية تماماً. وتم تنسيقها مع الشقيقة سوريا ولم يعلن توقيت الحرب للقيادات التعبوية إلا مساء يوم 4 أكتوبر. ووضع جدول لإبلاغ التوقيت للمستويات الميدانية. وآخره الجنود حيت يتم تلقينهم في الثانية عشرة ظهر نفس يوم الحرب "6 أكتوبر". - إن خطط إعادة البناء نظمت بأسلوب غاية في الدقة حيث تتسارع الوصول إلي الكفاءة القتالية المطلوبة لبدء الحرب... وكان التدريب علي المعدات يسبق وصولها الفعلي إلي الموانئ المصرية. بحيث تستكمل الوحدة وتعلن استعدادها بمجرد وصول تلك المعدات. - إن استعادة كفاءة القوات لم يكن بالامر اليسير ولكن كانت هناك عقبات كثيرة تطلب تذليلها الكثير من الجهد سواء من القيادة السياسية أو العسكرية. - لم تكن الأجواء سهلة وميسرة في مرحلة الإعداد. بل كانت متوترة تماماً وتتخللها معارك ضخمة أو محدودة. كما لعبت الدعاية والحرب النفسية أثراً عميقاً في تحدي ابناء مصر لكل العقبات وتحقيق النصر. - وهنا لابد أن نذكر لشعب مصر العظيم وقوفه إلي جوار قواته المسلحة وبذل التضحيات العظيمة من اجل استعادة الكرامة وتحرير سيناء: * فالشعب المصري ربط الأحزمة علي البطون وقبل تحول الإقتصاد إلي إقتصاد حرب حيث بلغ الإنفاق العسكري من 30 - 40 في المائة من حجم ميزانية الدولة... إلي جانب التعبئة من القطاع المدني إلي القطاع العسكري. * شاركت كل الشركات المدنية في الإعداد للحرب دون اي شكوي من تأخير في سداد ثمن المطالب أو غيرها. * جادت الأسر المصرية بأعز ابنائها المثقفين لكي ينضموا إلي صفوف الجيش. وكان تجنيد المؤهلات العليا ركيزة من ركائز بناء القوات المسلحة. * تحمل الشعب المصري - دون أي شكوي - ويلات غارات العمق في حرب الإستنزاف وكانت إسرائيل تقصد منها ثورة الشعب علي قيادته السياسية. * في 6 أكتوبر تحولت مصر بالكامل إلي المدينة الفاضلة. حيث لم ترتكب جريمة واحدة علي اي مستوي في ارجاء البلاد. والكل ناشد المشاركة في الحرب. - اما الحرب نفسها فقد استغرقت 22يوما قتاليا "6-28 أكتوبر" وتمت علي اربع مراحل: * مرحلة تحقيق المهمة الأساسية "6-13 أكتوبر" وهي بمثابة مراحل النجاح الأساسية التي تم فيها تدمير خط بارليف. والوصول إلي خط تقسيم المياة علي عمق 12-15كم من قناة السويس. * مرحلة تطوير الهجوم "يوم واحد" 14 أكتوبر. واصطدم بالإحتياطيات الإستراتيجية للعدو. وصدرت الأوامر له بالعودة لتعزيز رأس الكوبري. * مرحلة صد الهجوم المضاد شرق القناة "15-18 أكتوبر". * مرحلة الثغرة "18-28 أكتوبر" واستمرت فيها المعارك شرق وغرب القناة. وأعقب ذلك حرب الإستنزاف لمدة ثمانين يوماً. حتي انسحبت القوات الإسرائيلية المحدودة من غرب القناة عقب اتفاقية فض الإشتباك الأولي في 17يناير 1974.. ومن خلال هذه الجولة الطويلة: - فقد أجبرنا إسرائيل علي التوجه نحو السلام وليس التخطيط الدوري للعدوان ضد العرب. - وأجبرناها علي التخلي عن نظرية أمنها في بناء إسرائيل الكبري من النيل للفرات علي حساب العرب. - وأجبرناها علي الإعتراف بحقوق الفلسطينيين في دولتهم. بعد أن كانت ترفض ذكر مجرد كلمة فلسطين. - وحققنا علو كعب العسكرية المصرية. وإنبعاث الحضارة المصرية من جديد. - واكدنا ثقة الشعب في قواته المسلحة. - أما نتائج الحرب. فقد سادت علي جميع المستويات: * علي المستوي الوطني تحقق النصر والتوازن لكي تبدا بعده مرحلة السلام التي نجني ثمارها الآن. * وعلي المستوي السياسي. فقد غيرت الحرب الخريطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط والغت إدعاءات إسرائيل بأن حدودها تصل إلي آخر جندي يقف عندها. * وعلي المستوي الإقتصادي غيرت نظم العالم الإقتصادية وقلبت الموازين نتيجة لإرتفاع أسعار البترول. * وعلي المستوي العسكري. فقد احدثت ثورة في الإستراتيجيات ونظم التسليح والقيادة والسيطرة. وأخيراً تحيا مصر دائماً قوية مستقرة. لواء ا ح م / عبد المنعم كاطو