بينما أعلن الجيش الإسرائيلى عن استعداده لمرحلة ثالثة من الحرب على قطاع غزة يتحدث فيها عن «مسارات مغايرة» و«استهدافات نوعية متسلسلة» تختلف عن سير العمليات العسكرية الإسرائيلية فى القطاع فى الشهور الثمانية الماضية فى مرحلة ستخوضها وحدة «رفائيم» المعززة بتقنيات الذكاء الاصطناعى التوليدى والأنظمة العسكرية المؤتمتة، والمزودة بأسراب الطائرات المسيرة التى تمدها بها شركة «سمارت شوتر»، تجدد الحديث عن وجه التكنولوجيا الإسرائيلية القاتلة، وهل تجبُّ مرحلة الاستهدافات «النوعية المتسلسلة» المزعومة ما قبلها من عمليات إبادة جماعية مدفوعة بتقنيات الذكاء الاصطناعى وخوارزمياته التى تحدد هويات الضحايا قبل استهدافهم؟ وذلك انطلاقًا من مجزرة ارتكبها الاحتلال فى منطقة مواصى خان يونس، السبت الماضى، متذرعًا بعملية أمنية لاغتيال رجل حماس الثانى فى جريمة راح ضحيتها 360 مدنيًا بين شهيد وجريح. وحدة «رفائيم»، المشتهرة بوحدة الأشباح، تأسست عام 2019، بدفع من رئيس الأركان السابق بجيش الاحتلال، أفيف كوخافى، قُتل قائدها السابق روى ليفى على إثر إصابته بجروح بليغة على منحدر وعر خلال عملية «طوفان الأقصى» التى شنتها حماس، يوم السابع من أكتوبر الماضى، لتبدأ ربما على إثر ذلك رحلتها الانتقامية من سكان قطاع غزة. وتدير الوحدة نفسها مجموعات من الطائرات بدون طيار الهجومية والاستطلاعية والمركبات الجوية بدون طيار والدبابات وفرق المشاة التى تجمع المعلومات الاستخبارية وتشارك فى توجيه الطائرات بدون طيار إلى الهدف، وفى الوقت نفسه تقوم بالمناورة. وفق موقع «ناشونال أنترست» فإن الوحدة مزودة بأسراب من الطائرات من دون طيار، التى تحمل أيضًا كاميرا تسمح لمشغلها بالتأكد من هوية الهدف بالتعاون مع صناعة الفضاء الجوى، وقوات الدفاع الإسرائيلية، ووكالة الفضاء الأمريكية. تستخدم «رفائيم» سلسلة أنظمة معززة بتقنيات الذكاء الاصطناعى، وتتولى تلك الأنظمة عملية تجميع وتصنيف كميات هائلة من البيانات والمعلومات الاستخباراتية، ثم تغذى تلك البيانات بنظام «جوسبل» الذى يمكن اعتباره النظام الأخير فى تلك السلسلة، وبين أذرع «رفائيم» أسلحة مؤتمتة مثل أنظمة التصويب الذكية التى تنتجها شركة «سمارت شوتر» الإسرائيلية، بما فى ذلك نظام «SMASH» الذى يستخدم تقنيات رؤية حاسوبية لمعالجة بيانات آنية لتحليل المشاهد وتوجيه الطلقات بدقة نظام «جوسبل». وبذلك عمدت الأنظمة العسكرية الإسرائيلية وقادتها الذين يحددون أهدافهم عبر خوارزميات تنفذ مهام متعددة كالاستطلاع والهجوم وتحليل البيانات واتخاذ القرارات، إلى توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعى لسفك الحد الأقصى من دماء الفلسطينيين، فى ظل غياب مبدأ «التناسب» والتكافؤ العسكرى المتعارف عليه فى الحروب والنزاعات المسلحة، وذلك للتغطية على عجز قوات الاحتلال عن اختراق وتحييد شبكات الاتصالات التابعة لحركة «حماس»، رغم ما تمتلكه من إمكانات تكنولوجية متطورة. هذا ما أكدته مجلة «+972» الإسرائيلية اليسارية فى تحقيق أفادت خلاله بأن الجيش الإسرائيلى عمد إلى إبادة الفلسطينيين، مستعينًا بتقنيات الذكاء الاصطناعى التوليدى. «+972»- وهى مجموعة إعلامية إسرائيلية يسارية معنية بتسليط الضوء على النزاع الفلسطينى- الإسرائيلى استخلصت اسمها من رمز الاتصال الدولى «972»، الذى تتقاسمه الأراضى الفلسطينية المحتلة وإسرائيل- وأشارت فى تقريرها إلى معايير الاستهدافات الإسرائيلية غير القانونية، منوهة بضلوع قادة جيش الاحتلال فى ارتكاب جرائم حرب عبر التدليل على معطيات كل ضربة على حدة وفق افتراضات القانون الدولى. أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية السابقين وصف أنظمة الذكاء الاصطناعى العسكرى بأنه «مصنع إعدام جماعى»، وفقًا لتحقيق استقصائى مشترك أجرته مجلة «+972» وموقع «لوكال كول» الإسرائيليان، واعتمد على شهادات سبعة أعضاء حاليين وسابقين فى الاستخبارات الإسرائيلية، بالإضافة إلى شهادات وبيانات ومعلومات فلسطينية، والبيانات الرسمية التى أدلى بها المتحدث باسم جيش الاحتلال وغيره من المؤسسات الرسمية. يؤكد التحقيق أنه على عكس المفترض من استخدام مثل تلك الأنظمة المتطورة من أجل تقليص عدد الضحايا، ومحاولة تقليل «الأضرار الجانبية»، فإنها تعمد لتوسيع نطاق الضحايا. فى السياق ذاته، خلص تقرير للمعهد الملكى لخدمات الدفاع والأمن «RUSI»- بريطانى معنىّ بالدراسات العسكرية والأمنية- إلى أن جيش الاحتلال استخدم الذكاء الاصطناعى ليس لتحسين الاستهداف، لكن لتوسيع وتسريع دورة أهدافه فى قطاع غزة، مستندًا إلى الإجراءات المحيطة بعمليات القتل المستهدف من الجو، مشيرًا إلى أن لدى تل أيبب شبكة معلومات تم بناؤها منذ احتلالها القطاع، إضافة إلى افتقار مسلحى غزة إلى أى دفاعات جوية حقيقية، ما سمح لطائرات إسرائيل المأهولة وغير المأهولة بأداء عمليات مراقبة شبه مستمرة، وجمع كميات هائلة من المعلومات الاستخبارية والتصوير من الأقمار الصناعية ونقل المعلومات العملياتية، إذ بات لدى إسرائيل أرشيف بيانات مفصل للفلسطينيين، حتى إن طائرات الاستطلاع «كواد كوبتر» يمكنها التعرف على هوية أى شخص تُلتقط صورته، وذلك نتاج عقود من المراقبة مكنت الجيش الإسرائيلى من حيازة معلومات استخباراتية قريبة من الكمال قدر الإمكان فى بيئة قتالية حديثة. واختتم التقرير بتحميل إسرائيل المسؤولية القانونية لاستهداف المدنيين فى جميع الأحوال، مستندًا إلى عدم مراعاتها مبدأ «التناسب» المتعارف عليه فى الحروب والنزاعات المسلحة، كما دلل على ذلك بالاعتبارات القانونية فى أثناء مراحل التخطيط العملياتى وموافقة القادة المتعلقة بالضربات ومدى التزامها بقانون النزاعات المسلحة، موضحًا أن شرعية كل ضربة فردية على حدة (نظرًا لقانون الحرب) تعتمد بشكل أساسى على مفهوم التناسب. أشارت مجلة «+972» الإسرائيلية إلى الحد الأقصى لعدد المدنيين «المقبول» الذين يمكن قتلهم فى ضربة جوية، والذى لا يمكن للقائد تجاوزه إلا بموافقة مستويات القيادة العليا، بأنه 15- 20 مدنيًا مقابل كل «مقاتل» من ذوى الرتب المنخفضة، وأكثر من 100 مدنى لكل قائد أعلى رتبة، وذلك قياسًا على «القيمة المحددة للضحايا غير المقاتلين» التى حددتها الولاياتالمتحدة فى العراق وأفغانستان، رغم أنها لاتزال مثيرة للجدل بسبب التقييم الشخصى لبعض الأرواح على حساب البعض الآخر والتناقض الكبير بين عدد الضحايا. الأمر ذاته استندت إليه مصر فى دفوعها أمام المحكمة الجنائية الدولية، عقب انضمامها لدعوى الإبادة التى رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل. وفى جميع الأحوال ارتكبت إسرائيل جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، مستعينة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى التوليدى القاتلة؛ فحال قسنا عدد الضحايا والشهداء فى القطاع، والبالغ عددهم نحو 38 ألفًا و884 شهيدًا؛ نجد أنه كان على إسرائيل إعلان أسماء نحو 2620 من قياديى «حماس» العسكريين جرى اغتيالهم أو 393 قائدًا ذا مكانة مرموقة جرى اغتيالهم من صفوفها الأولى سياسيًا وعسكريًا داخل قطاع غزة، وهو ما لم يحدث قط.