بينما أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلى عن استعداده ل«مرحلة ثالثة» من حربه على قطاع غزة، تتصدر فيها فيالق وحدة «رفائيم» المشهد الميدانى، وفيما يتحدث الإعلام الإسرائيلى عن «مسارات مغايرة» و«استهدافات نوعية متسلسلة» تختلف عن سير العمليات العسكرية الإسرائيلية بالقطاع، فيما يخص سقوط المدنيين في مرحلة ستخوضها وحدة «رفائيم» المعززة بتقنيات الذكاء الاصطناعى التوليدى والأنظمة العسكرية المؤتمتة مع اقتراب الانخراط في صفقة تبادل للأسرى بين الاحتلال و«حماس»، باتت حتمية بفعل معطيات الشارع الإسرائيلى، تجدد الحديث عن وجه التكنولوجيا الإسرائيلى القاتل، وهل تجبّ مرحلة الاستهدافات النوعية المتسلسلة المزعومة ما قبلها من عمليات الإبادة المدفوعة عمدًا بتقنبيات الذكاء الاصطناعى؟. مدنيو غزة.. أهداف تعرفها خوارزميات الاحتلال جيدًا عمدت الأنظمة العسكرية الإسرائيلية وقادتها الذين يحددون أهدافهم عبر خوارزميات تنفذ مهام متعددة كالاستطلاع والهجوم وتحليل البيانات واتخاذ القرارات، إلى توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعى لسفك الحد الأقصى من دماء الفلسطينيين، في ظل غياب مبدأ «التناسب» والتكافؤ العسكرى المتعارف عليه في الحروب والنزاعات المسلحة، وذلك للتغطية على عجز قوات الاحتلال عن اختراق وتحييد شبكات الاتصالات التابعة لحركة «حماس»، رغم ما تمتكله من إمكانات تكنولوجية متطورة. هذا ما أكدته مجلة «+972» الإسرائيلية اليسارية في تحقيق أفادت خلاله بأن الجيش الإسرائيلى عمد إلى إبادة الفلسطينيين، مستعينًا بتقنبات الذكاء الاصطناعى التوليدى. «+972»- وهى مجموعة إعلامية إسرائيلية يسارية معنية بتسليط الضوء على النزاع الفلسطينى الإسرائيلى استخلصت اسمها من رمز الاتصال الدولى «972» الذي تتقاسمه الأراضى الفلسطينية المحتلة وإسرائيل- أشارت في تقريرها إلى معايير الاستهدافات الإسرائلية غير القانونية، منوهة بضلوع قادة جيش الاحتلال في ارتكاب جرائم حرب عبر التدليل على معطيات كل ضرية على حدة وفق افتراضات القانون الدولى. المجلة أضافت أن نسبة 10% استهداف مدنيين قد تكون مقبولة في حالة استخدام الذكاء الاصطناعى في تحليل البيانات وتنظيفها في حين أن جل ضحايا القطاع من المدنيين ما يدلل على تعمد استهدافهم. هكذا سرع الاحتلال وتيرة حصد أرواح المدنيين في السياق ذاته، خلص تقرير للمعهد الملكى لخدمات الدفاع والأمن«RUSI»- بريطانى معنى بالدراسات العسكرية والأمنية- إلى أن جيش الاحتلال استخدم الذكاء الاصطناعى ليس لتحسين الاستهداف، لكن لتوسيع وتسريع دورة أهدافه في قطاع غزة، مستندًا إلى الإجراءات المحيطة بعمليات القتل المستهدف من الجو. وأوضح التقرير كيفية عمل دورات الاستهداف بما في ذلك النقاط الحرجة التي تختلف من منطقة إلى أخرى ومن قائد إلى آخر، حيث يمكن للتكنولوجيا أن تحد من الوفيات بين المدنيين أو تزيد منها، لكنه أكد أن إسرائيل تمتلك واحدة من أكثر شبكات الاستخبارات «كثافة وجودة» في مناطق الصراع في العالم، مشيرًا إلى أن لدى تل أيبب شبكة معلومات تم بناؤها منذ احتلالها للقطاع، إضافة إلى افتقار مسلحى غزة إلى أي دفاعات جوية حقيقية؛ ما سمح لطائرات إسرائيل المأهولة وغير المأهولة بأداء عمليات مراقبة شبه مستمرة، وجمع كميات هائلة من المعلومات الاستخبارية والتصوير من الأقمار الصناعية ونقل المعلومات العملياتية، إذ بات لدى إسرائيل أرشيف بيانات مفصل للفلسطينيين، حتى إن طائرات الاستطلاع «كواد كوبتر» يمكنها التعرف على هوية أي شخص تلتقط صورته، وذلك نتاج عقود من المراقبة مكنت الجيش الإسرائيلى من حيازة معلومات استخباراتية قريبة من الكمال قدر الإمكان في بيئة قتالية حديثة. تنسيقات مشتركة بين أنظمة الذكاء الاصطناعى وقادة الاحتلال وتابع التقرير: «هذا الكم الهائل من المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية يجعل تنظيف البيانات يدويًا أمرًا شبه مستحيل، لذا عادةً ما يشارك الذكاء الاصطناعى في هذه المرحلة، حيث يمكن لنماذج التعلم الآلى (ML) التعرف على الأنماط لتحديد المعلومات ذات الصلة، بما في ذلك تحديد الأهداف العملياتية كالأشخاص أو الأشياء أو تحركات المركبات، أو حتى تحديد مناطق إطلاق الصواريخ؛ إذ تتم ترجمة المعلومات عادةً إلى تنسيقات مشتركة بين الذكاء الاصطناعى والقائد، حيث يمكن دمجها لتقديم رؤية شاملة لساحة المعركة»، مؤكدًا أن فرز البيانات الأولية من الكاميرات والرادار وبيانات الهاتف وأجهزة الاستشعار الأخرى- يقلل من الأخطاء البشرية، لكن ذلك عكس ما حدث في قطاع غزة. واستكمل التقرير: «بافتراض أن كمية المعلومات الاستخبارية ترتبط بشكل إيجابى بالدقة واليقين في عملية صنع القرار؛ فإن نظام غربلة المعلومات الاستخبارية الذي يعالج كميات أكبر بكثير من البيانات مقارنة بالمحلل البشرى من شأنه أن يقلل من الخسائر غير المقصودة في دورة الاستهداف.. هذا ممكن فقط من خلال نظام موثوق يتجنب المدخلات الكاذبة المتكررة (الهلوسة)»، ملقيًا باللوم على أن الأخطاء في الاستهداف قد تعود إلى تحيزات البشر الذين أنشأوا النظام ودربوه واختبروه، ما يؤدى إلى اختناق الذكاء الذي يمكن استخدامه في المراحل المستقبلية. غياب لميدأ «التناسب» المعمول يه في مناطق النزاعات واختتم التقرير بتحميل إسرائيل المسؤولية القانونية لاستهداف المدنيين في جميع الأحوال، مستندًا إلى عدم مراعاتها مبدأ «التناسب» المتعارف عليه في الحروب والنزاعات المسلحة، كما دلل على ذلك بالاعتبارات القانونية في أثناء مراحل التخطيط العملياتى وموافقة القادة المتعلقة بالضربات ومدى التزامها بقانون النزاعات المسلحة، موضحًا أن شرعية كل ضربة فردية على حدة (نظرًا لقانون الحرب) تعتمد بشكل أساسى على مفهوم التناسب، وأن القادة مسؤولون بشكل أساسى عن دماء المدنيين التي أريقت، مردفًا: «رغم أن مبدأ التناسب وشرعنة قتل المدنيين يظل مفهومًا محل خلاف في قانون النزاعات المسلحة، نظرًا لأرجحته بين الشرعية والأخلاق وتلاعب القادة العسكريين بالثغرات التي تتضمنها عبارات قوانين النزاعات؛ فإنه في حالة الجيش الإسرائيلى يبدو من الواضح أنه استخدم أنظمة الذكاء الاصطناعى ليس لتحسين الاستهداف، لكن لتوسيع وتسريع دورة أهدافه». ولمزيد من التدليل على تعمد إسرائيل ارتكاب جريمة الإبادة، كشفت مجلة «972+» أن القادة الإسرائليين وقبل كل ضرية منفردة جوية كانت أو مدفعية اطلعوا بشكل تفصيلى على درجة الأضرار الجانبية للضحايا المدنيين المحددة مسبقًا من قبل الذكاء الاصطناعى، مؤكدة تورطهم في سفك دماء المدنيين بدلًا من تقييم مبدأ «التناسب» المتعارف عليه في القانون الدولى بشأن الحروب والنزاعات المسلحة، وهى قيم وأرقام تعطى للقادة قبل إعطاء الأمر بتنفيذ كل ضربة على حدة. ما هو الحد الأقصى للمدنيين «المقبول إراقة دمائهم» وفق المعايير الأمريكية ؟ وأشارت المجلة إلى الحد الأقصى لعدد المدنيين «المقبول» الذين يمكن قتلهم كضمان في ضربة جوية، والذى لا يمكن للقائد تجاوزه إلا بموافقة مستويات القيادة الأعلى؛ على سبيل المثال، هناك 15-20 مدنيًا مقابل كل «مقاتل» من ذوى الرتب المنخفضة، وأكثر من 100 مدنى لكل قائد أعلى رتبة، وذلك قياسًا على «القيمة المحددة للضحايا غير المقاتلين» التي حددتها الولاياتالمتحدة في العراق وأفغانستان، رغم أنها لا تزال مثيرة للجدل بسبب التقييم الشخصى لبعض الأرواح على حساب البعض الآخر والتناقض الكبير بين عدد الضحايا. الأمر ذاته استندت إليه مصر في دفوعها أمام المحكمة الجنائية الدولية، عقب انضمامها لدعوى الإبادة التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، وفى جميع الأحوال ارتكبت إسرائيل جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، مستعينة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى التوليدى القاتلة؛ فحال قسنا عدد الضحايا والشهداء في القطاع والبالغ عددهم نحو 38 ألفًا و295 شهيدًا؛ نجد أنه كان على إسرائيل إعلان أسماء نحو 2620 من قياديى «حماس» العسكريين جرى اغتيالهم أو 393 قائدًا ذا مكانة مرموقة جرى اغتيالهم من صفوفها الأولى سياسيًا وعسكريًا داخل قطاع غزة، وهو ما لم يحدث قط. ففي آخر تطورات حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة، ارتكبت قوات الاحتلا مجزرة مروعة بحق المدنيين النازحين في منطقة مواصي خانيونس راح ضحيتها 300 فلسطيني بين شهيد وجريح. إسرائيل سفكت دماء 38 ألف مدني مقابل استهداف 3 قادة عقب دخول القصف الجوي والتوغل البري الإسرائليلي يومه ال282، دون تحقيق أي من أهداف إسرائيل المعلنة بشأن حربها على غزة؛ برر الاحتلال الإسرائيلي مجزرة مروعة في منطقة مواصي خانيونس التي تعج بخيام النازحين، السبت، راح ضحيتها 300 مدني بين شهيد وجريح بأنها عملية استخبياراتية لاغتيال القياديين في حركة حماس، محمد الضيف، ونائبه رافع سلامة زاعما بذلك أن معظم ضحايا الهجوم من جنود وقادة الحركة. وزعم الاحتلال أنه تمكن من اغتيال، سلامة رافع، ووصفه يأنه نائي القائد الاعلى لكتائي عز الدين القسام، محمد ضيف. وحال صحت رواية الاحتلال يصيح «رافع» ثالث جنرال من حماس يتم اعتياله منذ بداية الحرب، عقب أيمن نوفل قائد لواء المعسكرات المركزية، وأحمد رندور قائد لواء الشمال، وفقا لصحيفة «يديعوت أحرونوت» التي وصفت سلامة رافع بالشخصية المهمة والمهيمنة للغاية، زاعمة أنه من قام بتنسيق جهد حماس الحربي وقضية المختطفين. وفي مقابل اغتيال 3 من قادة الحركة سفك الاحتلال دماء 38 ألفًا و584 مدنيًًا فلسطينيًا وذلك وفق أحد احصاء لوزارة الصحة الفلسطينية الأحد. نتنياهو.. استراتيجية المجازر والمفاوضات وفقا للعديد من المحللين فإن ما يقوم به الاحتلال من مجازر في القطاع يظهر أن اليد العليا في المفاوضات هي للمقاومة وليست للاحتلال، وأن أي موافقة على الصفقة تعني انتهاء الحرب؛ لذا فقد عمد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعد أيام من إعلانه عن خطوطه الحمراء إلى ارتكاب مجزرتي المواصي ومخيم الشاطئ، ووفقا للباحث والمحلل السياسي سعيد زياد فإن نتنياهو «يسأل نفسه يوميا ماذا سأفعل اليوم لتخريب المسار التفاوضي».