منذ أسابيع، تلقيت مكالمة تليفونية من شخصية مصرية أعتز بها كثيرا، يشيد فيها بمقال للكاتبة الصحفية هالة العيسوي مدير تحرير »الأخبار» عن فيلم »الملاك» الذي تناول علاقة الدكتور أشرف مروان بإسرائيل قبل حرب أكتوبر. كنت أعلم حقيقة الدور الذي لعبه الدكتور أشرف مروان، ومع ذلك، قلت للشخصية المصرية: أعرف يقينا أنك الأعلم بالدور الحقيقي لأشرف مروان، وأريد أن أسألك - حتي يطمئن قلبي - وسط كل هذا الضباب، عن القول الفصل في حكاية أشرف مروان: ردت الشخصية المصرية: بطل وطني مصري عظيم، صاحب دور تاريخي في حرب أكتوبر. هذه الشخصية هي »الريس زكريا» في مسلسل »دموع في عيون وقحة»، وهي ضابط المخابرات العامة المسئول عن ملف الدكتور أشرف مروان. هي اللواء محمد عبدالسلام المحجوب نائب رئيس المخابرات العامة ورئيس جهاز الخدمة السرية الأسبق. • الغبار الذي أثارته إسرائيل حول شخصية الدكتور أشرف مروان، لا يستهدف الشخص نفسه، وإنما يستهدف زعيمين وطنيين، بالإساءة إليهما، وحرب أكتوبر بالتشكيك فيها. فإذا كان أشرف مروان عميلا إسرائيليا، فلابد أن الرئيس عبدالناصر الذي زوجه من ابنته رجل ساذج عبيط، وأن الرئيس السادات الذي عينه سكرتيرا خاصا له لشئون المعلومات رجل مغفل يرعي في مكتبه الجواسيس! لو كان الأمر كذلك فخطة حرب أكتوبر إذن كانت كتابا مفتوحا أمام العدو الإسرائيلي، وبالتالي كانت الحرب مسرحية أداها السادات وجولدا مائير وكان مشهدها الختامي هو مبادرة السلام واتفاقات كامب ديفيد ثم المعاهدة. إذا فتحت أي محرك بحث علي الإنترنت، وكتبت: »حرب أكتوبر» أو »october war»، ولا أقول yom kippur war، وقرأت تفاصيل ما هو مسطور تحت العناوين أو شاهدت الفيديوهات واستمعت إلي التعليقات المصاحبة لها، سوف تجد الغالبية العظمي منها، تؤكد أن مصر شنت هجوما علي إسرائيل بالتعاون مع سوريا، ثم ما لبثت إسرائيل أن استعادت زمام المبادرة، وحطمت الجيش السوري، وهزمت الجيش المصري. علي الأقل سوف تجد الكتابات التي تحاول أن تلبس ثوب الإنصاف، تقول: إن تحديد المنتصر في هذه الحرب مسألة محيرة، وأن الأقرب أنها انتهت بالتعادل، وكأنها مباراة كرة علي غير كأس! الحقيقة أننا لم نعط حرب أكتوبر حق قدرها، إعلاما وفنا وتأريخا، كواحدة من أعظم الحروب التي غيرت تكتيكات القتال بعد الحرب العالمية الثانية، بفكر وأداء المقاتل المصري، وانتهت بنصر عسكري/ استراتيجي كامل للقوات المسلحة المصرية في معارك القتال والسياسة علي السواء. الحق أننا لم نعط الجيش المصري حق قدره، فقد اقترب من الكمال تخطيطا وإعدادا وتأهيلا للحرب، وتنفيذا للمعارك، وإدارة لأعمال القتال. كان القائد المصري ذروة، وكانت القيادات المصرية قدوة، وكان المقاتلون بواسل صناديد. لم يحقق الجيش المصري النصر فقط علي جيش العدو الإسرائيلي، لكنه أذله وحطم أنف غروره، ومرمغ بأساطيره وادعاءاته ومزاعمه تراب سيناء. قمة المجد، بلغها الوطن المصري، والشعب المصري، والحاكم المصري، والجيش المصري، والإنسان المصري في حرب أكتوبر. الذي يراد لنا، هو أن نتشكك في النصر الذي حققناه. يراد أن يتزعزع إيماننا بجيشنا وبمقاتلينا وبإرادتنا الصلبة التي لا تنكسر، وبأنفسنا كمصريين أشداء وكعرب أصحاب عزة وكرامة. يراد لنا، أن تلين عزائمنا، ويراد لأبنائنا أن تذوب ذاكرتهم، ويراد للوطن أن يكتب له تاريخ مزور، ليرسم له مستقبل ضائع. وللأمانة، فإن العدو الإسرائيلي ليس وحده الذي يشن حملات تشويه الحقائق وتغيير الذاكرة المصرية، عبر عمليات منسقة، مسرحها المؤلفات وشاشات السينما والتليفزيون والفضاء الإلكتروني. فالإخوان وأتباعهم يباشرون نفس المهمة عبر فضائياتهم ومواقعهم الإخبارية وكتائبهم الإلكترونية، ليس فقط تشويها لحرب أكتوبر وإنما لكل تاريخنا العسكري، ظنا بأن الطعن في الجيش المصري عموما وفي نصر أكتوبر تحديدا، يسيل الدماء من ثورة 30 يونيو ونظام حكمها! ولست أبالغ إذا قلت إن الإسرائيليين برغم ما عرف عنهم من حقد وغل وقدرة علي التزييف، يستحيون أن يقترفوا بعض ما ارتكبته جماعة الإخوان وأتباعها علي الفضاء الإلكتروني من إساءات للجيش المصري ومزاعم ضد قادته وأكاذيب حول النصر المصري في حرب أكتوبر. القصد هنا ليس كتابة مقال في مناسبة ما، أو مقالات لي ولغيري علي صفحات الجرائد والمجلات أو المواقع الإخبارية في ذكري بعينها، فعندما تنتهي المناسبة أو نعبر الذكري، يعود كل شيء إلي ما كان عليه. وأسمح لنفسي أن أقترح بعض النقاط في تخليد حرب أكتوبر وإحياء الذاكرة الوطنية تجاه الانتصارات والأمجاد المصرية بالأخص هذا النصر العظيم الذي نحتفل هذه الأيام بذكراه الخامسة والأربعين. أولا: تذليل العقبات الفنية والإنتاجية والإجرائية نحو إنتاج سلسلة من الأفلام السينمائية عن حرب أكتوبر، ففي كل عام نسأل أنفسنا، عن أفلام أكتوبر، ونتهم منتجي السينما بأنهم المتسببون في عدم ظهور هذه الأفلام، لذا أتمني من القائد الأعلي الرئيس السيسي والقائد العام الفريق أول محمد زكي اتخاذ الإجراءات التيسيرية المطلوبة لإنتاج هذه الأفلام، لا سيما أن السينما هي ذاكرة الحروب والمعارك الكبري. وأخشي أن نتأخر حتي نفاجأ بأن أسلحة ومعدات حرب أكتوبر لم تعد صالحة للتحليق أو للعمل في فيلم سينمائي عن الحرب! ولعلنا إذا دعونا رجال الفن إلي لقاء عن سينما أكتوبر، سنجد أكثر من 10 أفلام جاهزة للإنتاج. وعن نفسي أرشح مؤلَّف المرحوم اللواء عادل سليمان بسرعة »رحلة الساق المعلقة من رأس العش إلي رأس الكبري» ليكون قصة فيلم ضخم عن حرب أكتوبر. ثانيا: إطلاق قناة وثائقية باسم »أمجاد» (مثلا)، تعرض فيها أفلام تسجيلية ووثائقية عن تاريخ مصر الحديث والمعاصر تتناول حقائق الثورة الأهم (ثورة يوليو 1952) وتأثيرها في المجتمع المصري ومحيطنا العربي والأفريقي، والإنجازات التي حققتها مصر في ظل نظام يوليو وبطولات حرب الاستنزاف، ومعارك أكتوبر، ومعركة السلام وتحرير الأرض بالدبلوماسية، وحقائق ثورة 25 يناير 2011، وعام الرمادة في ظل حكم الإخوان، وثورة 30 يونيو، والإنجازات الهائلة التي تحققت في ظل ثورة يونيو والرئيس السيسي. وظني أن هذه القناة ستحظي بنسب مشاهدة هائلة. ثالثا: إحياء جريدة مصر السينمائية، لتعرض أفلامها القصيرة في جميع دور العرض ويمكن أن يعرض فيلم قصير (10 دقائق) عن أحداث معاصرة، قبل إذاعة الفيلم السينمائي الرئيسي، مع عرض فيلم قصير في الاستراحة (5 دقائق) عن حدث في تاريخنا الحديث كمعارك حرب أكتوبر. رابعا: تخصيص فقرة شهرية في برامج التوك شو أو الأحداث الجارية اليومية، عن نصر أكتوبر وأسبابه والدروس المستفادة منه، يتحدث فيها أبطال شاركوا في حربي الاستنزاف وأكتوبر، وخبراء في الشئون العسكرية والسياسية، وتعرض فيها أفلام قصيرة عن هذه المعارك. خامسا: دعم الجهد المشكور للشباب مؤسسي منصة »المجموعة 73 مؤرخين» علي الفضاء الإلكتروني، الذين أنشأوا موقعا جيدا يؤرخ لنصر أكتوبر وأبطاله بالكلمة والصورة وشريط الفيديو. سادسا: إنشاء موقع محترم باللغة الإنجليزية عن حرب أكتوبر تتولاه إدارة الشئون المعنوية بالتعاون مع الهيئة العامة للاستعلامات، ويتم الترويج لهذا الموقع والدخول إليه عن طريق »بانر» علي المواقع الإخبارية للصحف القومية والخاصة. سابعا: دعم جهود الصحف القومية في إحياء ذكري نصر أكتوبر عن طريق إصدار الملاحق التذكارية، وأحسب أن مجلة »أكتوبر» يمكن أن تقوم بدور مستدام أسبوعيا في هذا المجال، مع الاستفادة من اسمها ومغزاه. ثامنا: إنشاء وحدة لدراسات حرب أكتوبر بأحد مراكز البحوث والتفكير المصرية المقترحة. ونحن في دار أخبار اليوم، علي أتم استعداد لإنشاء هذه الوحدة في منتدي أخبار اليوم للسياسات العامة الذي يضم نخبة من كبار رجالات مصر ومنهم أبطال شاركوا في نصر أكتوبر، وذلك بالتعاون مع القوات المسلحة وجهاتها المعنية. تاسعا: إصدار كتب للشباب والنشء عن معارك وبطولات حرب أكتوبر، وهناك بالفعل سلسلة بهذا الاسم تصدرها هيئة البحوث العسكرية لكن توزيعها مقيد ومحدد داخل القوات المسلحة فقط. وأظن أنه من السهل إصدار هذه السلسلة عن طريق دور نشر المؤسسات الصحفية القومية بدعم من هيئة البحوث العسكرية وإدارة الشئون المعنوية. عاشرا: تشجيع إنشاء أسر طلابية بالجامعات المصرية باسم »أسرة أكتوبر»، تجمع الشباب الوطني المهتم بشئون بلاده مع تسهيل تزويدهم بالمواد المقروءة والمسموعة والمرئية الخاصة بحرب أكتوبر وإنجازات شعب مصر بعد ثورة 30 يونيو. مع تنظيم رحلات دورية مجانية إلي مزارات المعارك والمتاحف الحربية لطلاب الثانوي والجامعات. الأفكار كثيرة، وأظن الإرادة متوافرة لتنفيذ ما يصلح من أي أفكار. الأمم الحية، هي صاحبة الذاكرة اليقظة. وعلينا ألا ننسي أن ثورة 23 يوليو، وحرب أكتوبر، وثورة 30 يونيو كلها حلقات متصلة في سلسلة واحدة. المجد للشهداء في ذكري النصر.