رشا عامر - لم تكن استقالة محمد صابر عرب وزير الثقافة المصرى بمثابة مفاجأة تماما، كما لم تكن عودته مفاجأة أيضاً، ربما كانت المفاجأة فى الإعلان الرسمي عنها والتراجع فيها وتوقيت كل ذلك، ليظل هناك سؤال يبحث عن إجابة وهو أسباب الاستقالة والعودة عنها. لم تكن تلك هى المرة الأولى التى يستقيل فيها عرب، فبحكم أنه أول وزير يتولى هذا المنصب مرتين إبان الفترة التى تلت الثورة، فقد سبق أيضا وتقدم باستقالتين الأولى كانت في أعقاب ترشيحه لجائزة الدولة التقديرية وتقدم بها خشية فقدانه الجائزة التى فضلها على المنصب الوزارى، خصوصا أنه كان مهدداً بالاستبعاد فى حال فوز محمد مرسى بالرئاسة، حيث شهد إعلان النتائج الرئاسية عدة تأجيلات، والثانية هدد بها في أعقاب أحداث العنف التي اندلعت بعد الإعلان الدستوري الأخير والذي تزامن مع افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الأخيرة بعد توقف عامين متتاليين، ولأن هذه الثانية كانت مجرد تهديد فهى غير محسوبة، لنأتى للاستقالة المقدمة رسميا لثانى مرة، وهى تلك التى ماطلت الحكومة فى قبولها باعتبار وزارة الثقافة شيئاً هامشياً بالنسبة لها، الأمر الذى لن يؤثر على سير أعمالها فى ظل غياب هذه الوزارة، برغم أن الحكومة ربما لا تجرؤ على الإتيان بوزير إخوانى حتى الآن على الأقل. واستقالة صابر عرب، هي ثالث استقالة لوزير ثقافة بعد استقالتي جابر عصفور، وعماد أبو غازي، فعصفور استقال من آخر حكومة شكلها مبارك، ولم يشكر الناس استقالته بقدر ما اشتكوا من قبوله منصب وزير، أما أبو غازي فاستقال في ظروف أدق، وكانت استقالة محمودة في ظروف أعلن فيها أنه لا يسعه الاستمرار في العمل مع الحكومة، واتضح موقفه أكثر بانتقاله إلي حزب معارض. وقد تنوعت التخمينات المصاحبة لاستقالة عرب فالبعض وصفه بأنه ثورى لأنه استقال لرفضه ضرب المتظاهرين وسحلهم، ولكن سرعان ما تحطم هذا الوصف بعد عدوله عنها برغم استمرار ضرب المتظاهرين لتأتى مقولة أخرى تؤكد أن سبب الاستقالة هو تعنيف هشام قنديل له فى اجتماع مجلس الوزراء، والإصرار على رفض زيادة ميزانية الوزارة وهو نفس الشىء الذى يؤكده الكاتب أحمد الخميسى الذى رأى أن أسباب الاستقالة الحقيقية للدكتور صابر عرب لا تزال غير معلنة ، وتقريبا غير مفهومة. إذ يقال إن خلافا نشب بينه وبين أحد المسئولين الكبار، وكان الخلاف وطريقة التعبير عنه غير مريحة بالنسبة لصابر عرب، هل هذه هي دواعي الاستقالة فعلا؟ أم أن هناك أسبابا أخرى غير معلنة؟ لا أحد يدري. لكن المؤكد بتراجع صابر عرب عن استقالته أن الأسباب لم تكن قوية، بحيث يظل متمسكا بالبقاء خارج الحكم . مع أن دواعي البقاء خارج هذه الحكومة أقوى بكثير من العمل فيها . وأعتقد والكلام لا يزال للخميسى في كل الحالات فأن صابر عرب يمثل مرحلة انتقالية في حكم الإخوان، ما إن يعبروها حتى يتخلوا عنه، فالاستقالات في مجال وزارة الثقافة أكثر من أي وزارة أخرى، هذا إلي حد ما مفهوم، لأن الوزارة ووزيرها يقعان تحت دائرة ضوء خاصة، أو في مركز حلقة خاصة يشكلها المثقفون بوطأة وجودهم في الإعلام والرأى العام وتأثير المثقفين في المجالين سواء بحملات رفض أم قبول المسئول أو التشكيك في قدراته، فثمة دائرة رقابة واسعة ونشطة نسبيا على وزارة الثقافة، لكن واضح أن خلاف صابر عرب مع الحكومة، أو أسباب استقالته الحقيقية ظلت في إطار «اختلاف الأقارب»، لأنه فضل ألا يعلن شيئا من أسباب الخلاف حرصا على اسم العائلة الحكومية. الكاتبة الكبيرة فريدة الشوباشى رأت أن تصرف عرب هو عنوان المرحلة، اتخاذ القرار والعودة عنه بداية من مرسي إلي أصغر معاونيه وحلفائه، وهو استقال لأسباب المفروض أن يعدل عن اسقالته بزوالها. فى النهاية يأتى رأى الشاعر عبد المنعم رمضان الذى فجر قنبلة عندما قال: إن استقالة الوزير ما هى إلا فيلم رخيص يخجل أصغر مخرج من إظهاره بهذه الركاكة، فالاستقالة هى محاولة من صابر عرب للتطهر بخلع ملابسه وغسلها أمام جميع المثقفين. ويؤكد رمضان يؤكد أنه كثيرين غيره لا يتفقون على صابر عرب الذى استقال من أجل جائزة الدولة التقديرية والذى قام أمين مجلسه بتفعيل الترشيح بعد موعده بأكثر من عشرة أيام بسبب تأجيل عرب استقالته فى انتظار ظهور نتيجة الانتخابات الرئاسية التى خشى من أن يتم الإطاحة به بعدها فى حال فوز مرسى، ومع تأجيل إعلان النتيجة تتأخر الاستقالة ويتأخر انعقاد اجتماع الجائزة لينعقد فى 30 يونيو أى آخر يوم فى السنة المالية بمعرفة أمين مجلسه الذى فصل كل ذلك على مقاس وزيره! فهذا الرجل لا يستقيل كما قيل بسبب ضرب المتظاهرين فهو عندما تولى الوزارة مرتين كان ضرب المتظاهرين موجودا، كما لا يستقيل بسبب أن مرسى استقبل الناشرين ولم يستقبل الكتاب فهو لا ينتمى لطبقة الكتاب أصلا! أما من ذهبوا لمطالبته بالعدول عن الاستقالة فهم شماشرجيته وكبار موظفيه الذين يخشون على أنفسهم من مجئ وزير إخوانى يطيح بهم، فهذا الرجل المسمى بوزير الثقافة خدم فى سلطنة عمان معظم وقته هو وسعيد توفيق أمين مجلسه الذى فصل له الجائزة التقديرية، فضلا عن أنه لم يفعل شيئا فى دار الكتب عندما تولاها ولم يكن له أى أثر فى وزراة الثقافة منذ تولاها وحتى اليوم، وبالتالى فإنه عندما يخرج منها فإنه سيخرج إلى مكان لن يسعى أحد لمعرفته، لأنه ليس عضوا فى الجماعة الثقافية، هو مجرد موظف يتلقى الأوامر من رؤسائه، هو فقط جعل الجميع يتحسر على فاروق حسنى وأمين مجلسه جابر عصفور من منطلق المثل القائل «مومس الأمس أصبحت قديسة اليوم ». ويطالب رمضان بإلغاء وزارة الثقافة باعتبارها لا توجد إلا فى الأنظمة الشمولية، كما أنها تعمل على وأد الثقافة وليس إحياؤها ويدلل على ذلك بأن الثقافة كانت فى أزهى عصورها فى الأربعينيات أى قبل ثورة 52 وقبل إنشاء ما يسمى بوزارة ثقافة.