بعد أحداث العنف الأخيرة التي شهدتها مصر ، أصبحت الاستقالات هي سيدة الموقف ، حيث وجد بعض المسئولين أن الاستقالة هي الحل الأمثل من وجهة نظرهم . فقد اتسعت الاحداث أمس لتصل إلى محافظة الغربية ، حيث شهدت مدينة طنطا احتجاجات مناهضة للحكومة المصرية ، إثر تشييع شاب قتل في مظاهرات قصر الاتحادية الرئاسي بالقاهرة التي شهدت اشتباكات بين الشرطة ومحتجين معارضين، إضافة إلى "سحل" رجل بعد تعريته وضربه . وأثارت تلك الاحداث حفيظة بعض المسئولين مما دفع وزير الثقافة محمد صابر عرب إلى الاستقالة احتجاجا على ذلك ، كما قدم قبله عضو بمجلس الشورى استقالته ايضا احتجاجاً على هذه الاحداث
ثلاثة أسباب
وكشف مصدر مقرب من وزير الثقافة المستقيل عن وجود 3 أسباب وراء استقالة عرب التي تقدم بها أمس الإثنين، قائلا :"إن السبب الأول هو واقعة السحل التي تعرض لها مواطن مصري أمام قصر الاتحادية منذ أيام، وكذلك الأحداث العنيفة التي شهدتها جنازة محمد الجندي عضو التيار الشعبي".
وقال المصدر :"إن السبب الثاني هو رد فعل الحكومة السلبي تجاه القرار الذي اتخذه عرب، الأحد، بمد المعرض ثلاثة أيام إضافية لينتهي المعرض يوم 9 فبراير بدلاً من 6 فبراير، وهو ما استفز مجلس الوزراء، نظراً لعدم إخطارهم بهذا القرار".
وأضاف المصدر أن السبب الثالث هو الضغوط الكبيرة التي تعرض لها عرب من المثقفين والأدباء المعارضين للنظام الحالي، منذ توليه المنصب في عهد الرئيس محمد مرسي، حيث يتعرض عرب يومياً لحملة واسعة من الانتقادات من قبل المثقفين والأدباء، الذين اتهموه بأنه "وزير إخواني" ينفذ تعليمات مرسي، ولا يتخذ أي مواقف حاسمة لحماية الأدب والإبداع، وزاد هذا الهجوم مؤخراً بعد غياب الأدباء عن افتتاح معرض الكتاب، بسبب تجاهل الرئاسة لهم وعدم توجيه دعوة لهم بالحضور.
وكان هناك حالة من التكتم داخل الحكومة حول استقالة "عرب"، ورفض المكتب الإعلامي الإدلاء بمعلومات حول ملابسات الاستقالة والتي تعد الثانية من نوعها حيث تقدم عرب بطلب الاستقالة من حكومة كمال الجنزوري في مايو الماضي قبل تكليفة مرة ثانية في أول أغسطس الماضي.
وقال المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء السفير علاء الحديدي، ان عرب تقدم باستقالته لرئيس مجلس الوزراء هشام قنديل، مضيفاً أنه لم يتم البت بالاستقالة حتى الآن.
غير مفاجأة
ويشير بعض المقربين من الوزير المستقيل أن خبر استقالة الدكتور محمد صابر عرب لم يكن مفاجأة، فهذه الاستقالة كانت متوقعة ومنتظرة، لكنه أجلها لما بعد الانتهاء من معرض القاهرة الدولى للكتاب، حفاظا على صورة مصر فى العالم، ولكى لا تهتز صورتها دوليا، خاصة أن معرض القاهرة يعد من أقدم معارض الكتاب الدولية فى العالم، حيث يبلغ عمره 44 عاما.
وأوضحوا أن سبب الاستقالة يعود إلى قرار شخصي ، بالاحتجاج على سوء الأوضاع الداخلية، وأسلوب إدارة البلاد حالياً، والذي وصفه الوزير بأنه يشبه ما كان يحدث من النظام السابق.
وأكد المقربون أنه عاش ضغوطا نفسية كبيرة خاصة بعد تكرار حوادث القتل من جانب الحكومة بالشكل الذى أشعره بالخجل من نفسه، ويؤكدون أنه كان بين أمرين أحلاهما مر، فإما أن يترك الوزارة ويؤثر على سمعة مصر دوليا، ويعرضها لموجات الأخونة المتتالية، أو يستمر فى عمله إلى حين الاطمئنان على تعهدات مصر الدولية بإقامة معرضها الدولى فى موعده، لكن ما لم يحتمله "عرب" هو أن يرى مشهد سحل المواطن "حمادة صابر" أمام الملايين، ومن جانب حكومة هو أحد أعضائها، ويؤكد أصدقاء عرب أنه كان متأثرا إلى حد بعيد بأحداث الاتحادية الأولى ومقتل شباب مصر من الجانبين، مرجحين أنه قد اتخذ القرار النهائى بالرحيل عقب التأكد من قتل الشاب محمد الجندى الذى توفى إثر تعذيب الداخلية له، وتأكده من أن مؤسسة الرئاسة وحكومة الدكتور هشام قنديل يعملون بنفس الآلية القمعية مع المصريين .
المرة الثانية
ويعتبر عرب هو خامس وزير للثقافة يتم تعيينه منذ ثورة 25 يناير، حيث تولى قبله الدكتور جابر عصفور، ومحمد عبدالمنعم الصاوي، والدكتور عماد أبوغازي، والدكتور شاكر عبدالحميد، منصب وزير الثقافة.
وكان عرب قد تقدم باستقالته للمرة الأولى من حكومة الدكتور كمال الجنزورى، فى يونيه 2012، ووقتها تولى الدكتور محمد إبراهيم وزير الدولة لشئون الآثار مهمة تسير وزارة الثقافة حتى اختيار وزير جديد، وبعدها تشكلت حكومة جديدة برئاسة الدكتور هشام قنديل، وكانت المفاجأة باختيار الدكتور محمد صابر عرب للمرة الثانية وزيرا للثقافة، وتولى عرب المهمة.
وأكد حينها أنه لو تخلى كل مصرى عن دوره فى هذا الوقت الصعب فلن تقوم البلد من جديد، وظل عرب يمارس عمله إلى أن شهدت مصر أحداث الاتحادية وقتها لوح عرب باستقالته، وأكد أنه على مستعد للرحيل من الوزارة فى أى وقت، لأن الجو العام فى مصر لا يسمح بالعمل، والمناخ السياسى والاجتماعى أصعب مما كان يتخيل، فالحكومة لا تساعده كوزير للثقافة، والأهم من ذلك أنها لا تراعى مطالب الشعب الغاضب الذى لن يهدأ إلا بتلبية مطالبه.
استقالة عقاد
واستقالة عرب ليست الاولى خلال هذا الشهر فقد سبقها تقديم الدكتور ماجد عقاد عضو مجلس الشورى، عن الكنيسة الكاثوليكية استقالته رسميا إلى الدكتور أحمد فهمى رئيس مجلس الشورى الاحد الماضي، اعتراضا أيضا على سحل المواطن "حمادة صابر" أمام قصر الاتحادية، واحتجاجا من جانبه على مجمل الأداء لمجلس الشورى.
ونفى ماجد نجيب عقاد، أن يكون للكنيسة أى علاقة باستقالته، مؤكدا أنه قرار شخصى، مشيرا إلى استمرار باقى ممثلى الكنيسة فى مجلس الشورى، لافتا إلى أنه من المقرر أن يتم عقد لجنة عامة لمناقشة تلك الاستقالة، وقد تم تحديد موعد لها يوم الأربعاء القادم، إلا أنه تم تأجيلها لحين عودته من الخارج بعد يوم 10 فبراير.
وأكد النائب، أنه يواجه ضغوطا من عدد كبير من ممثلى كافة التيارات الممثلة داخل المجلس، ومنها حزب الحرية والعدالة، وهو ما أكدته النائبة ميلى أميل قائلا "لن نترك الأمر ليصل إلى هذا الحد ونفتقد نائب له وزنه مثل عقاد".
وأوضحت ميلى، أن على رأس الشخصيات التى تحاول إثناء العقاد عن قراره، النائب صبحى صالح، وعلى فتح الباب، وسوزى ناشد، وفريدو صفتو البياضى.
وجاء نص الاستقالة الغير مسببة كالتالي :"إعمالا لنص المادة 219 من اللائحة الداخلية بمجلس الشورى، "برجاء قبول استقالتى اعتبارا من تاريخه، وإذ أدعو الله عز وجل أن يوفق المجلس الموقر فى أداء رسالته والأمانة الملقاة على عاتقى فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الأمة".
وأعادت استقالة عضو بمجلس الشورى للأذهان ما حدث في الجمعية التأسيسية لوضع الدستور التى ضربتها استقالات عديدة قبل الانتهاء من عملها.
مكي ومحسوب
وفي ديسمبر الماضي قدم وزير الدولة للشؤون القانونية والنيابية محمد محسوب استقالته للرئيس المصري محمد مرسي احتجاجا على ما وصفه بالكثير من "السياسات والاجتهادات" وتباطؤ وتيرة الإصلاح. وجاءت استقالته بعد يوم من انتقاد حزب الوسط -وهو حزب إسلامي شكله أعضاء سابقون من الإخوان المسلمين- وينتمي إليه محسوب، لقرار الرئيس مرسي تكليف رئيس الوزراء الحالي هشام قنديل بتشكيل حكومة جديدة.
وقال محسوب في استقالته التي نشرها على موقع حزبه "توصلت لنتيجة قاطعة مؤداها أن كثيرا من السياسات والاجتهادات تتناقض مع قناعتي الشخصية، بل لا أراها معبرة عن طموحات شعبنا بعد ثورة هائلة دفع لأجل نجاحها الغالي والنفيس".
وعدا عن بقاء قنديل في الحكومة، انتقد محسوب أيضا ملف استرداد الأموال المنهوبة الذي يقول إنه بقي في يد اللجنة القضائية المشكلة بقرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة، و"التي لم تؤد أي إنجاز حقيقي منذ إسناد هذا الملف لها".
وأضاف أن بقاء الملف في يد هذه اللجنة "يضيع حقوق الدولة ويمس هيبتها أمام الدول التي تلقت أموال الفساد الهاربة".
كما جاءت استقالة محسوب عقب أيام قليلة من استقالة المستشار محمود مكِّي نائب الرئيس المصري ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هاني محمود، وفي سياق استقالات قدمها مؤخراً غالبية أعضاء الهيئة الاستشارية للرئيس (المكونة من 17 مستشاراً) إلى جانب استقالة مستشار الرئيس لشئون ملف التحول الديمقراطي سمير مرقص.
تنديد دولي
وعلى المستوى الدولي نددت وزارة الخارجية الأمريكية الاثنين، بالانتهاكات التي ترتكبها الشرطة في مصر مشددة على حادثة "سحل" متظاهر أعزل أمام قصر الاتحادية الرئاسي في القاهرة، وداعية الرئيس محمد مرسي إلى معاقبة المسؤولين عنها.
وأبدت المتحدثة باسم الوزارة فيكتوريا نولاند "انزعاج" الإدارة الأميركية من هذه الحوادث، ولا سيما الاعتداءات الجنسية ضد نساء وحادثة "السحل" التي جرد فيها أفراد من الشرطة متظاهرا من ثيابه وضربوه بالهراوات وسحبوه أمام القصر الرئاسي بعد مظاهرات مناهضة لسياسات مرسي.
وأضافت نولاند "نحض الحكومة المصرية على فتح تحقيقات معمقة وذات مصداقية ومستقلة في كل الشكاوى بشأن أعمال عنف وإساءة مارسها مسؤولون أمنيون ومتظاهرون، وإحالة المسؤولين عنها إلى القضاء". وحثت الخارجية الأمريكية الرئيس المصري على "أن يكون رئيسا لكل المصريين" كما وعد في خطابه الأول.
وتابعت "أن المصريين ثاروا من أجل الديمقراطية ودولة القانون والحرية وليس من أجل المزيد من أعمال العنف والاعتداءات الجنسية والسرقة".