أكد روائيون ونقاد مصريون أن لجوء عدد من الأدباء و الكتاب والمبدعين لإنتاج أنفسهم وتقديم تاريخ حياتهم للمتابعين والجمهور أمر طبيعي ولا يمثل نقصًا أو شعورًا بالعظمة. وأشاروا إلى أن التجارب التي يعرضها الأديب عادة ما تكون تجارب إنسانية لامسها وعايشها عدد غير قليل من القراء... فهي بمثابة عدسة كاشفة إذا لم يتم إساءة استخدامها أو أغرق الكاتب في الحديث عن تفاصيل غير ذات دلالة. الناقد إبرهيم فتحي يؤكد أن التجارب الشخصية عدسة كاشفة، يختبر المبدع على أساسها كل ما يجري في العالم، وهذا النمط من الكتابة سيتعلق بالتداخل بين الرواية والسيرة الذاتية. فالروائي لا يصور كل تفاصيل حياته الشخصية، وإنما يقدم التجارب الحاسمة، ذات الدلالة التي تسلط ضوءًا كاشفًا على الآخرين، وهذا لا يعتبر نقصًا أو شعورًا بالعظمة، وإنما حرفية كتابة. ومن الصعب القول أن الذات أو ضمير المتكلم مطابق للمؤلف، فهناك نقاط تلاقي واختراق، وتظل عناصر السيرة الذاتية ذات جدوى في العالم الروائي، باعتباره تجربة ذات ألفة وحميمية، وتمتلك آليات الانطباع الثوري، لذلك أؤكد على كونها عدسة كاشفة، ومن الممكن أن يسيء المؤلف استخدامها، كأن يركز على أشياء ثانوية، وعلى تفاصيل تافهة بلا دلالة. تواصل حميم ويرفض القاصّ سعيد الكفراوي هذه الادعاءات، ويؤكد أن وجود الأديب أو الروائي في متن كتاباته أمر طبيعي، لا يمثل نقصًا أو شعورًا بالعظمة، بل على العكس هو يحاول أن يصنع ذلك الجسر الحميمي بين عالمه الخاص كإنسان، وبين عوالم معظم الناس أن حياته نهر من الحبِّ في عالم الإنسانية. لذلك فالتجارب التي يعرضها الأديب باعتبارها جزءًا من حياته الشخصية عادةً ما تكون تجارب إنسانية عامة، تمس أكبر قدرًا من القراء أو النماذج المعايشة للتجربة. ويضيف الكفراوي: إن عالم الروائي في حد ذاته من أغنى العوالم، وبالتالي من حق الكاتب أن يستغل هذا الثراء وأن يوظفه لصالحه، أو على الأقل يكشفه للقراء بصيغة أدبية تجعل التجربة برمتها تعنيهم، لذلك لا يمكننا أن نعتبر خوض المبدع في عالمه الخاص وإفرازه بشكل آخر على الورق نوعًا من النقص أو الشعور بالعظمة، فالأديب إنسان يعيش في المجتمع يؤثر ويتأثر، إن لم يكتب مفرداته أولًا ويقنع الناس بأحقية هذه المفردات في الكتابة، إن لم يفعل ذلك، فلن يستطيع الوصول إلى القراء عن طريق عالم وهمي، أو مجرد خيال أي إنسان قادر على ابتكاره. ومن ثم لا يمكننا أن نعتبر كتابات نجيب محفوظ، أو توفيق الحكيم أو، يحيى حقي نوعًا من التعالي، وإنما هي الواقع الحقيقي، الهم المباشر الذي يتعرض له الأديب من حقه أن يعيد إفرازه بالشكل الذي يراه ملائمًا، باعتباره جزءًا من تجربته في الكتابة في الواقع؛ لأن الفصل بين هذين العنصرين يؤدي إلى قطيعة أدبية، الأديب نفسه في غنى عنها. تماس في الواقع وترى الروائية سلوى بكر، أن وجود الأديب بين سطور روايته هو نوع من الثراء الذي يحسد عليه، ليس ثراء التفاصيل، بل الثراء الناتج عن التقاء عالم الروائي بأرض الواقع، مما يتيح مساحة أكبر لتحرك الروائي يستغلها في وضع أرضية ملائمة لمناقشة عذابات الآخر هو، وهو أمر في منتهى الخطورة لما يتطلبه من حساسية الكتابة؛ لأن أيَّ دخول غير محسوب في هذه المنطقة يؤدي إلى كشف أوراق الكاتب نفسه. وتضيف: هناك أمر يجب ألا نتجاهله أثناء قراءة الأديب في إحدى رواياته، وهو أنه جزء من الواقع، يؤثر ويتأثر به، ومن ثم لا يجب أن يتخلى عن هذا الواقع أو يتخلى عن نفسه وحياته باعتباره جزءًا مشاركًا في منظومة الحياة. ومن هذه الصيغة يخرج علينا الكاتب بخلاصة تجربته ممتزجة بتجارب آخرين، ربما يعيد صياغة بعض النقاط فيها، إلا أنه يظل ملامسًا للواقع الذي يعيش فيه، ويظل محافظًا على تقنيات الكتابة، بحيث لا يطغى جانب الإعجاب بالمفرادات الخاصة، على جانب الكتابة، أو تقنية الرواية، وهذا ما حققه كُتَّاب كثيرون بمهارة فائقة، ولذلك لا أسمي مثل هذا النوع من الكتابة "نقصًا" أو شعورًا بالعظمة أو ما إلى ذلك من مسميات، ولكنه وعي بدور الكاتب، ووعي أكثر بدوره في المجتمع ووجوده فيه. الحيوية والتأثر الناقد د. مجدي توفيق يضيف عدة أسباب أخرى تدفع لهذا النوع من الكتابة منها الحيوية، والتأثر، والرؤية الخاصة للحياة، ويضيف: وهذا لا يمنع أن تكون كتابة الروائي التي تدخل تحت هذا المسمى صادقة، ومعبرة عن حياة عامة مهما كان حيز الخصوصية المغلف للتجربة، ومن ثم لا أحد يستطيع أن ينكر على الروائي استخدامه لأية قيمة، أو تحجيم أدواته، حتى لو لم يكتب غير مفردات حياته فقط، فلا شك أن مفردات حياة إنسان كافية لطرح تجربة هائلة أمام القارئ، فما الحال إذا كان الإنسان مبدعًا وأديبًا، صريحًا لدرجة لا تمنعه من كتابة أيِّ شيء عن حياته. ويضيف توفيق: طبعًا الجميع يعرف أن الكاتب عندما يحكي عن نفسه في الرواية، ويتطرق لمفرداته الخاصة، لا يعدم أن يستخدم بعض الخيال، أو بعض التفاصيل الوهمية، وربما تكون هذه التفاصيل هي المتن الحقيقي للرواية، وقد طرحها من خلال شخصيته كروائي ليعطيها المصداقية الكافية، وبالتالي لا يصبح لدينا روائي يكتب مفرداته أو سيرته الذاتية على الورق، إنما حياة أخرى يطرحها الروائي من خلال حياته هو. وإذا كان هذا النمط من الكتابة يمثل فضاءً واسعًا يمنح الأديب مزيدًا من الحيوية والثراء في عالمه الروائي كنوع أدبي، فلا أحد يستطيع أن يعترض عليه أو يحجم استخدام الأديب لهذا النمط، إلا أنه يجب مراعاة العمل الروائي كنوع أدبي، وحتى إذا وجد الروائي أو الكاتب في هذا العمل، فهذا لا يعني أنه هو نفس الروائي كاتب العمل، لكن ربما يكون شخصيةً وهميةً من ابتكار الكاتب نفسه، وهذا هو الغالب.