بعد حوالي أربعة عشر سنة من وقف الحرب في يوغسلافيا السابقة بعد صراعات عرقية طاحنة بين الصرب من حهة و الألبان و المسلمين الألبان من جهة ثانية، صراعات تطلبت تدخل حلف شمال الأطلسي بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية، استسلم على اثرها القادة الصرب و انقسمت جمهورية يوغسلافيا الى ثلاث جمهوريات هي صربا و الجبل الأسود، البوسنة و الهرسك و ألبانيا. وبعد اتفاقية السلام هناك يكتشف العالم ان الإستقرار في منطقة البلقان كان استقرارا هشا. فالأزمة التي أدت الى اندلاع حرب التطهير العرقي التي قادها الصرب ضد الألبان و المسلمين الألبان بشكل خاص بداية التسعينات من القرن الماضي، عادت من جديد و لكن في اطار اقليمي و دولي مختلف، جاءت لتثبت أن جذور الأزمة لازالت ممتدة و لم يقع اقتلاعها بمجرد قصف شمال الأطلسي للعاصمة بلغراد. فالأزمة اليوم يتصدرها اقليم كوسوفو ذي الأغلبة المسلمة و الذي يطالب باستقلاله عن صربيا و يعلن أنه قريبا سيعلن استقلاله حتى ان كان ذلك من طرف واحد اذ ان الصرب يعتبرون لأن هذا الأمر خط احمر في سياستهم. و لكن في هذه المرة تبدو الظروف الأقليمية و الدولية ليست ذاتها تلك التي رافقت الحرب في البلقان بداية التسعينات. فاليوم ان كان القادة في كوسوفو مدعومين بالغرب لاسيما الولاياتالمتحدة و الإتحاد الأوروبي و تعلن استعدادها للإعتراف باستقلال الأقليم و لو كان من طرف واحد، فان الصرب اليوم مدعومين من روسيا الإتحادية و هي ليست روسيا بداية التسعينات، روسيا التي ورثت عن الأتحاد السوفياتي السابق تركة ثقيلة اقتصاد منهار ديون عائلة بطالة مستفحلة نسب فقر عالية و هو ما أدى الى تراجع دورها في السياسة الدولية و لم تتستطع آن ذاك ان تمنح حلفاءها الصرب دعمها، و اليوم تبدو روسيا داعما قويا بعد أن تجاوزت تبعات انهيار الإتحاد السوقياتي على اقتصادها و خاصة على دورها الساسي، و هو ما يجعل الأزمة اليوم اضافة الى التوترات العرقية بين الصرب و المسلمين، تكتسي طابع صراع النفوذ بين روسيا و الغرب.
و قد عبرت روسيا عن موقفها من هذه المسألة ععلى لسان الرئيس فلاديمير بوتين حيث اكد على أن اعلان اقليم كوسوفو عن استقلاله من طرف واحد " عمل غير شرعي " و داخليا أصبح هذا الملف عنوان مزايدة انتخابية سواء في صربيا حيث ركز المرشحون على هذه القضية باعتبار مسألة استقلال الإقليم أمر غير وارد على الإطلاق، و كذلك داخل الأقليم حيث تم اغراء المصوتين في الغنتخابات بخطوة اعلان الإستقلال من طرف واحد. اذا تبدو اليوم الأزمة في البلقان، و التي تصور الكثيرون انها انتهت منذ سنوات، توشك على الإنفجار من جديد و كوسوفو هي عود الكبريت الذي سيطلق الشرارة الأولى ربما لحرب تطهير أخرى.