هل تتجدد هذة الماساة فى كوسوفو مرة اخرى؟ في جو من عدم الاكتراث الدولي- سواء علي المستوي السياسي أو التغطية الإعلامية- تلوح في أفق منطقة البلقان بوادر حرب جديدة مع تمسك ألبان كوسوفو بإعلان استقلال الإقليم بعد العاشر من ديسمبر وإصرار صربيا علي عدم تخليها عن الإقليم. وهو ما يهدد بفشل ذريع للمباحثات الدائرة بين الجانبين منذ عامين للتوصل إلي اتفاق بشأن مستقبل الإقليم خصوصا في ظل مساندة أطراف دولية لمواقف كل طرف. فبعد ثماني سنوات من إدارة الأممالمتحدةلإقليم كوسوفو بعد طرد قوات حلف شمال الأطلنطي' الناتو' للقوات الصربية منه لا يزال إقليم كوسوفو رسميا جزءا من صربيا. ويرفض ألبان الإقليم الذين يمثلون90% من سكانه ذلك, ومن المنتظر أن يرفع الأمين العام للأمم المتحدة تقريرا إلي مجلس الأمن الدولي في العاشر من ديسمبر لاتخاذ قرار دولي, ولم تحرز المباحثات الدائرة بين زعماء الصرب والألبان في الإقليم علي مدي عامين كاملين أي تقدم يذكر فيما يتعلق بمستقبل الإقليم. وهو ما دفع قادة ألبان كوسوفو وعلي رأسهم زعيم الحزب الديمقراطي- الفائز في الانتخابات الأخيرة- هاشم تاتشي يهددون بإعلان استقلال الإقليم من جانب واحد إذا لم يتم التوصل إلي اتفاق قبل ذلك التاريخ, معتبرين أن المباحثات الدائرة حاليا في مدينة بادن النمساوية هي الأخيرة مع رفضهم لمقترحات تمديدها. حيث نقلت وكالات الأنباء عن تاتشي قوله:' اجتماع بادن هو الأخير بعد عامين من المحادثات ولا يمكن التفاوض لمائة عام إضافية مع صربيا, فمن أجل استقلال كوسوفو لا يمكننا القبول بأي مساومة'. الأزمة التي يشهدها إقليم كوسوفو ترشحه للانفجار في أي لحظة والتحول إلي ساحة جديدة لتصفية الحسابات بين قوي دولية تساند الجانبين, فروسيا من جهتها تؤيد بقوة الموقف الصربي الرافض لاستقلال الإقليم معتبرة أن انفصاله سيكون خطوة من شأنها زعزعة استقرار البلقان, وقد نجحت موسكو- التي تتمتع بحق النقض الفيتو- حتي الآن في عرقلة اتخاذ مجلس الأمن قرارا بمنح الإقليم حكما ذاتيا موسعا تحت إشراف دولي. بينما تؤيد الولاياتالمتحدةالأمريكية استقلال إقليم كوسوفو, حيث قال مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية نيكولاس بيرنز خلال جلسة استماع للكونجرس في أبريل الماضي إن الولاياتالمتحدة تعتزم مساعدة إقليم كوسوفو كي ينال استقلاله مشددا علي دعم توصيات وسيط الأممالمتحدة مارتي أهتيساري بهذا الصدد والمتمثلة في خطتة الرامية لمنح الإقليم استقلاله تحت إشراف الأممالمتحدة. لكن الحكومة الصربية في بلجراد ردت بشدة علي هذه التصريحات, محذرة الولاياتالمتحدة من مغبة الاعتراف باستقلال كوسوفو, معتبرة أنه سيشكل في نظرها تدخلا فاضحا في شئون صربيا. تداخل المصالح الدولية في إقليم كوسوفو لا يتوقف علي الولاياتالمتحدةالأمريكيةوروسيا فقط, بل تأتي مصالح دول أوروبا علي رأس قائمة المصالح في الإقليم, فمن ناحية الجغرافيا يقع الإقليم في قلب أوروبا ونشوب أي صراعات فيه ستؤثر بشكل مباشر علي أمن دولها وتتمثل خطورة تجدد الصراع في البلقان كما يري المحللون الغربيون في زيادة تهريب المخدرات إلي أوروبا والاتجار بالبشر. وعلي رأس الأخطار يأتي التطرف الإسلامي وحتي لا تكون المنطقة جاذبة للجماعات والعناصر الإرهابية, كل ذلك جعل المحللين السياسيين ينتقدون تجاهل القادة الأوروبيين لهذه الأزمة رغم أنها خطر محدق يطال دولهم. ففي صحيفة الأوبزيرفر انتقد الكاتب البريطاني آندرو راونسلي عدم تحرك رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون تجاه تلك الأزمة بل واعتبر أن عدم إثارة زعيم المعارضة ديفيد كاميرون أيضا لهذه القضية تأكيد لجهل الحزبين الكبيرين بأولويات السياسة الخارجية لبريطانيا. ففي الوقت الذي أرسلت فيه بريطانيا قواتها إلي العراق وأفغانستان بدعوي الحرب ضد الإرهاب تغفل خطر اندلاع حرب جديدة في البلقان تكون بريطانيا علي مرمي نيرانها, ويذكر راونسلي أن منطقة البلقان كانت ولا تزال من أكثر مناطق أوروبا تعقيدا نظرا لتنوع سكانها الثقافي والعرقي, فقد كانت المنطقة الأور وبية الوحيدة التي شهدت حربا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام1945, ولم تكن حربا عادية بل أنتجت تطهيرا عرقيا ومذابح بشعة ضد المسلمين في الإقليم راح ضحيتها ما لا يقل عن مائة ألف مسلم. ويعتبر الكاتب البريطاني أن الصمت الأوروبي علي تلك المذابح كان بمثابة هدية قدمتها أوروبا لتنظيم القاعدة ليقيم عليها دعايته ويدعم نظريته في عداء الغرب للإسلام, وأشار إلي أن ما يحدث في كوسوفو يؤكد أن هناك قصورا في الاتحاد الأوروبي يجعله غير قادر علي مواجهة التحديات الإقليمية أو منع الصراعات المتأججة في جواره دون تدخل أمريكي. جانب آخر يجعل بعض الدول الأوروبية تتجاهل أزمة كوسوفو يتمثل في خشية هذه الدول من أن يشجع استقلال الإقليم نزعات انفصالية أخري ومنها علي سبيل المثال إقليم الباسك الإسباني, بل ينبه المحللون إلي أنه في حال حدوث موجة انفصال ربما يصبح إقليم كوسوفو نفسه أول ضحايا هذه الموجة من الحركات الانفصالية إذا ما قررت الأقلية الصربية في شمال الإقليم الانشقاق عنه لتنضم إلي صربيا, كما قد تكون البوسنة الضحية الثانية حيث تدعم صربيا جمهورية الصرب البوسنية ضد محاولات الغرب تقريبها من الدولة المركزية التي تضمها إلي جانب مواطنين من أصول كرواتية ومسلمة. كل هذه الأبعاد والمصالح والمخاوف تجعل من أزمة إقليم كوسوفو الحالية قنبلة موقوتة جديدة في منطقة البلقان تنتظر العاشر من ديسمبر وقرار مجلس الأمن الصعب في ظل تأييد روسيا المطلق لصربيا, كما يظل الوضع قابلا للانفجار في ظل تجاهل الدول الأوروبية لخطورة هذه الأزمة, التي يزيد من احتمال انفجارها في أي لحظة وجود بقايا أسلحة في أيدي سكان الإقليم لم يتم تسليمها بعد للقوات الدولية.