شهد مجلس الأمن الدولى اليوم انقسامات بشأن قضية وضع كوسوفو ، الذى تعارض روسيا خطة الوسيط الدولى " مارتى أهيتسارى " لمنحه استقلالاً تحت إشراف دولى ، بينما يلقى الاقتراح تأييد الأمريكيين والأوربيين . ويرى أهتيسارى أن الاستقلال هو الخيار الوحيد لضمان الاستقرار السياسى والاقتصادى لكوسوفو ، وقد اقترح فى تقريره النهائى الذى نشره فى 26 مارس وضع الإقليم فى " مرحلة أولى " تحت إشراف دولى مدنى وعسكرى . وكان رئيس وزراء إقليم كوسوفو " أجيم سيكو " قد دعا أمس مجلس الأمن للتصديق على خطة " مارتى أهيتسارى " مبعوث الأممالمتحدة إلى الإقليم الداعية إلى منح الإقليم الاستقلال تحت إشراف دولى . وكان مبعوث الأممالمتحدة فى كوسوفو " مارتى أهيتسارى " قد لجأ إلى مجلس الأمن فى شهر مارس 2007 للتصديق على خطة بشأن منح السيادة للإقليم ، وذلك بعد فشل جولة المفاوضات بين القادة الصرب والممثلين الألبان حول استقلال إقليم كوسوفو ، وقد أعرب أهيتسارى عن أسفه لفشل المفاوضات بين الجانبين بعد رفض الرئيس الصربى مقترحات الأممالمتحدة . فمنذ سنوات من قصف طائرات حلف الناتو لجيوش رئيس الصرب الراحل " سلوبودان ميلو سيفيتش " وطردهم، مازالت الأممالمتحدة تستمر فى إدارة الإقليم منذ التسعينات.وجدير بالذكرأنه مازال هناك 17 ألفاً من قوات حلف الأطلنطى " الناتو " بهدف عدم تكرار الحرب الدموية التى شنها الصرب على إقليم كوسوفو والحفاظ على السلام بين غالبية سكان الإقليم من المسلمين 91% والمطالبين بالاستقلال، وبين الأقلية المسيحية الأرثوذكسية 6% من سكان الإقليم وعددهم 2 مليون نسمة . وقد اختارت الأممالمتحدة فى عام 2005 مارتى أهيتسارى الرئيس الفنلندى السابق كوسيط ليقدم توصياته بشأن مستقبل الإقليم لمجموعة الاتصال المكونة من الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وروسيا ، وأعلن هيتسارى توصياته التى تمنح الإقليم وضعاً شبيهاً بالوضع السياسى الذى حصلت عليه البوسنة عام 2005 ، كما أن التوصيات منحت الإقليم حق اختيار دستوره وعلمه ونشيده الوطنى مع حق التقدم بطلبات للإنضمام للمنظمات الدولية ، مثل الأممالمتحدة والبنك الدولى وصندوق النقد الدولى ، ورغم أن هذه التوصيات لم تذكر كلمة الاستقلال إلا أن حق الإنضمام للمنظمات الدولية تتقدم به عادة الدول المستقلة ذات السيادة ، وهو ما يُعد خطوة كبيرة إلى الأمام قد تؤدى فى النهاية لإعلان كوسوفو استقلاله عن الصرب ، وتضمنت التوصيات كذلك تعدد العرقيات مع منح قدر أكبر من الحكم الذاتى للسكان الصرب وتوفير الحماية لهم . ومن جانبه رفض الرئيس الصربى " بيوريس تاديتش " هذه التوصيات مُشيراً إلى أن بلاده لن تقبل استقلال كوسوفو عنها ، وطالبت الحكومة الصربية البرلمان الجديد المنتخب برفض خطة مبعوث الأممالمتحدة بشأن مستقبل كوسوفو بدعوى أنها تنتهك وحدة الأراضى الصربية . ومن ناحيتها حثت " أورسلا بلاستيك " وزيرة خارجية النمسا الصرب وألبان كوسوفو العمل على إنجاح الجهود التى يبذلها ممثل أمين عام الأممالمتحدة من أجل التوصل إلى حل لمشكلة الإقليم ، وتوقعت بلاستيك أن يتوصل الاتحاد الأوروبى وصربيا إلى اتفاق خلال هذا العام 2007 يتضمن التعاون بينهما ومشددة على ضرورة أن تتعاون حكومة صربيا مع محكمة جرائم الحرب فى يوغوسلافيا سابقاً . ويرى المراقبون أن توصيات مبعوث أمين عام الأممالمتحدة جاءت كحل وسط بين آمال الألبان المطالبين بالاستقلال وبين رغبة الصرب فى الاحتفاظ بالإقليم لوجود الكنائس والأديرة التاريخية على أرضه ، ولهذا تضمنت التوصيات إنشاء مناطق خاصة لحماية 40 موقعاً دينياً وحضارياً فى كوسوفو يعتبرهم الصرب تراثهم التاريخى ، وإذا وافق مجلس الأمن على التوصيات سيكون كوسوفو فى وضع يسمح له بالاستقلال خلال سنوات . قضية كوسوفو تعود إلى الأضواء والاهتمام العالمى مرة أخرى بعد انحسارها بسبب الحرب على العراق وتداعياتها وما تشهده منطقة الشرق الأوسط من أزمات واحتقانات وصراعات وتعثر فى العملية السلمية . وكان إقليم كوسوفو يتمتع بالحكم الذاتى من 1946 إلى 1989 حتى جاء " سلوبودان ميلو سيفيتش " الرئيس اليوغوسلافى فيما بعد هذا التاريخ ، وعمد تعديل الدستور للحد من الحكم الذاتى مُستخدماً ورقة تأجيج المشاعر القومية الصربية ضد ألبان كوسوفو لتعزيز صعود نجمه السياسى ، وهو ما أدى فيما بعد إلى اشتعال الصراع فى الإقليم ووقوع عمليات تطهير عرقى راح ضحيتها الآلاف من السكان الألبان فضلاً عن نزوح أعداد كبيرة من الإقليم ومن ثم إلى شن الحرب ضد صربيا . ومثلما لم تنص خطة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة صراحة على منح الإقليم الاستقلال أغفلت ذكر خضوع الإقليم لسيادة صربيا وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام ، خاصة أن قرار مجلس الأمن رقم 1244 لم يلغ سيادة صربيا عليها. ويرى البعض أن عدم إقرارالخطة صراحة على استقلال الإقليم قد يفتح المجال أمام الأغلبية الألبانية لإعلان استقلاله والسعى لنيل اعتراف دولى بالإقليم، وهو حسب رأى المحللين ما يهدد بتفجير أعمال عنف جديدة قد تفضى مجدداً إلى الحرب إلا أن مصادر فى حلف الناتو استبعدت هذا الاحتمال .