نقلت إحدي الصحف المستقلة عن الشاعر الموهوب أحمد فؤاد نجم وصفه لوزيرة الخارجية الأمريكية التي زارت مصر مؤخراً أنها كوندوليزا قلب الأسد ، وقد توقفت طويلاً حول هذا الوصف الطريف، ولم أهتد في البداية إلي تفسير، حتي اتيحت لي فرصة مشاهدة فيديو للدكتورة كوندوليزا رايس وهي تلقي خطابها في الجامعة الأمريكية بالقاهرة (20/6/2005)، فبدأت معالم تفسير وصف الشاعر لها بقلب الأسد تتضح. فوزيرة الخارجية الأمريكية قد ألقت هذا الخطاب بلغة إنجليزية رصينة، ولكنها بسيطة يمكن أن يفهمها المصريون ذوو التعليم الجامعي، أو حتي المتوسط هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية تحدثت بلغة قوية حاسمة حول موقف بلادها (الولاياتالمتحدة) بشأن القضايا الهامة في مصر والعالم العربي والشرق الأوسط. وضمن ذلك عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأهم من ذلك قضية التغيير والتحول الديمقراطي، وبعد عبارات المجاملة المعتادة، التي أشادت فيها بالدور المصري في رعاية عملية السلام، ثم بدور الرئيس مبارك في فتح الأبواب الموصدة أمام التغيير، فإنها دخلت في جوهر ما ينبغي عمله في هذا الصدد، حتي يأخذ العالم مصر مأخذ الجد في سعي شعبها نحو الديمقراطية. فقالت بعبارات لا تحتمل التأويل، ان: 1- أي انتخابات لا تعتبر حرة أو نزيهة إلا إذا كانت تتصف بالشفافية الكاملة، والتي أصبحت ترجمتها المعاصرة هي وجود مراقبين دوليين، يرون بعيونهم، ويشهدون، ويقرون كتابة مدي هذه النزاهة من عدمها. 2- إن عنصراً من عناصر المناخ الديموقراطي الحقيقي هو حرية الحركة والتعبير والتجمهر السلمي وهو ما لا يتوفر في في أي قوانين استثنائية - أي في لغة السياسة المصرية حالة الطواريء. 3- إن عنصرا آخر من عناصر الضرورة لانتخابات ديموقراطية حرة هو تكافؤ الفرص أمام المرشحين جميعا سواء في الانتخابات الرئاسية (سبتمبر) أو البرلمانية (نوفمبر) لاستخدام وسائل الإعلام الجماهيرية.. أي الإذاعة والتلفزيون والصحف وهي وسائل تسيطر عليها الدولة. 4- استقلال القضاء وحكم القانون هو جزء لا يتجزأ من المناخ الديمقراطي الذي يضمن انتخابات حرة ونزيهة. وقالت كوندوليزا رايس أيضاً ان بلادها لن تتعامل مع الحركات والتنظيمات الإسلامية ما لم تلتزم هذه باحترام الحريات الدينية والمدنية للآخرين، وأن تقلع عن استخدام السلاح والوسائل العنيفة في العمل العام، وأن تدين الإرهاب (أي استخدام العنف ضد المدنيين المسالمين لتحقيق أهداف سياسية)، وضمن هذا لن تلتقي أو تتحاور مع الإخوان المسلمين في مصر. والطريف في أمر الصحافة المصرية الحكومية أنها لم تبرز من خطاب كوندوليزا رايس غير عبارات المجاملة للنظام المصري من ناحية، ورفض الحوار مع الإخوان المسلمين من ناحية أخري، ولم تبرز هذه الوسائل ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بالديمقراطية والحريات العامة والمراقبة الدولية علي الانتخابات، وهي انتقائية لم تغب عن نظر المسؤولين أو الصحفيين الأمريكيين الذين رافقوا وزيرة الخارجية. ومن يقرأ تغطية وسائل الإعلام الأمريكية يجد فيها تغطية شاملة كاملة متوازنة، كما أن قناة C - SPAN الأمريكية التي تذيع 24 ساعة متواصلة كل ما يصدر عن الشخصيات العامة والكونجرس الأمريكي من مناقشات وتصريحات أذاعت الخطاب كاملاً، وهو ما حاز تقريظ كبار المعلقين وخاصة في صحيفتي النيويورك تايمز وواشنطن بوست. وكان ضمن ما نوه به المعلقون أن خطاب كوندوليزا رايس قد أصلح الضرر الذي نتج من سوء فهم تصريحات أخري صدرت قبل ذلك بشهر علي لسان السيدة الأولي لورا بوش أثناء زيارتها لمصر. فقد فهم النظام المصري عبارات المجاملة من لورا بوش حول ضرورة التأني في التغيير بأنها ضوء أخضر للتلكؤ والمراوغة في تبني أجندة التغيير السياسي، وخاصة أنه بعد يومين من تلك التصريحات استخدم النظام وسائل عنف بشعة مع المتظاهرين والمتظاهرات يوم الاستفتاء علي تعديل المادة اليتيمة 76 من الدستور، وهو ما أثار استنكارا وسخطاً واسعاً في الداخل والخارج. وعودة إلي وصف شاعرنا أحمد فؤاد نجم لكوندوليزا قلب الأسد ، تذكرت أن هذا الوصف كان يستخدم في كتب التاريخ مقترناً بملك إنجلترا ريتشارد قلب الأسد الذي قاد بعض الحملات الصليبية وواجه البطل الإسلامي صلاح الدين. ولأن القتال بينهما كان قتالاً جسوراً، لكنه شريف، فقد تبادل الزعيمان الصليبي والمسلم آيات الإعجاب والاحترام المتبادل حتي أنهما حينما وقعا صلحاً، أطلق عليه الطرفان سلام الشجعان . وإذا كان أحمد فؤاد نجم قد وجد في خطاب كوندوليزا رايس من الشجاعة والبسالة والمصارحة ما يؤهلها لوصف قلب الأسد ، كما وصف المسلمون الملك ريتشارد وهو غريمهم، فأين هو المقابل المصري لكوندوليزا قلب الأسد. ------ صحيفة الراية القطرية في 27 -6 -2005