يعتقد الرجال أنهم يديرون العالم وهم في الحقيقة لا يخدعون أنفسهم.. ففي السياسة لايزال الرجال هم العنصر المسيطر علي الحكومات والمجالس التشريعية في الأغلبية الكاسحة من دول الأرض. وفي الاقتصاد يسيطرون علي مجالس الإدارات وعلي الوظائف ذات الأجر السخي.. وبالمقابل فإن النساء يقمن بمعظم العمل غير المأجور في عالمنا الراهن ومع ذلك فإن الشيء المؤكد كما تقول مجلة "الإيكونوميست" إن بعض تفاصيل هذه اللوحة تتغير.. فنصيب النساء في قوة العمل أصبح أعلي كثيرا مما كان عليه منذ جيل واحد.. كما أنهن أصبحن يمثلن أغلب طلاب الجامعة في بعض البلدان.. ورغم ذلك فإن العالم لايزال عالم الرجل.. كذلك فإنه عالم متلاف! وقد أثبتت بعض الدراسات الحديثة أن العالم من الممكن أن يكون أفضل لو زاد فيه عدد النساء اللائي يعملن بأجر وأن الأمر في الدول الفقيرة أسوأ منه في الدول الغنية. وفي تقرير أصدرته منذ أيام لجنة اَسيا والباسفيك بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة تبين أن التفرقة بين الجنسين تكلف هذه المنطقة من العالم ما بين 42 و47 مليار دولار سنويا عن طريق الحد من فرص النساء في التوظف وأن الفارق بين عدد الرجال وعدد النساء في إجمالي قوة العمل يصل إلي 30 و40%. وقال التقرير أيضا إن سوء مستوي تعليم البنات يكلف المنطقة ما بين 16 و30 مليار دولار أخري سنويا.. وأن هذه هي التكلفة الاقتصادية وحدها من دون حساب تكلفة العنف ضد النساء وعدم المساواة حتي في الرعاية الصحية. ولا تقتصر التفرقة بين المرأة والرجل علي الدول النامية وحدها ولكن الدول الغنية أيضا تفرق بينهما.. ويتضح ذلك من النظر إلي معدلات عمل كل من الذكور والإناث في دول مثل أمريكا وبريطانيا واليابان وغرب أوروبا. وتقول دراسة حديثة بهذا الشأن أعدها كيفين دالي الخبير الاقتصادي في جولدمان ساكس أنه في السويد حيث يعمل بأجر 70% من النساء بين عمر 15 و64 عاما تقل الفجوة بين معدلات عمل كل من الجنسين إلي أقل من 5%، أما في أمريكا وبريطانيا فإن الفجوة نحو 12% وفي إيطاليا واليابان وأسبانيا تزيد الفجوة علي 20%، ويقول دالي إنه بفرض أن معدل تشغيل النساء زاد إلي نفس معدل تشغيل الرجال وأن إجمالي الناتج المحلي يرتفع تبعا لذلك بنفس النسبة تقريبا فإن ذلك سيعني ارتفاع إجمالي الناتج المحلي الأمريكي بنحو 9% وفي منطقة اليورو بنحو 13% وفي اليابان بنحو 16% علي وجه التقريب. وقد يري البعض أن دراسة كيفين دالي تنطوي علي قدر من المبالغة في النتائج الإيجابية للمساواة بين الرجال والنساء في معدل التشغيل علي إجمالي الناتج المحلي وقد يكون هذا صحيحا بدرجة ما، خصوصا وأن هناك كثيرا من النساء يعملن بأجر لبعض الوقت، أي عمالة غير دائمة ومع ذلك فإن زيادة إجمالي الناتج المحلي بفعل المساواة بين المرأة والرجل في معدل التشغيل يظل كبيرا وملموسا. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن هناك أيضا من قد يري أن طريقة حساب إجمالي الناتج المحلي نفسها طريقة غير عادلة بالنسبة للنساء حيث إنها لا تتضمن قيمة العمل غير المأجور الذي تقوم به المرأة مثل رعاية الأطفال وتنظيف المنزل وإعداد الطعام خصوصا أن هذه الأشياء يمكن شراؤها لذلك يجب أن تحسب ضمن إجمالي الناتج المحلي. ويرد كيفين دالي قائلا إن هذا صحيح بدرجة ما ولكن هذه الأشياء إذا توافرت في السوق فهي مهن قليلة الأجر.. وحتي في بلد مثل السويد لا تمثل قيمة رعاية الأطفال في سن ما قبل المدرسة سوي 1.2% فقط من إجمالي الناتج المحلي وهي نسبة صغيرة بالقياس إلي الفوائد التي يمكن أن تترتب عليها إذا قامت بها الأم بنفسها.. أضف إلي ذلك أنه إذا اختارت الأم أن تعمل وتوكل رعاية أطفالها إلي حاضنة أو مربية فإن مكسبها لن يكون كبيرا لأنه في كثير من دول أوروبا ترتفع معدلات الضرائب علي الممول الثاني للأسرة أي الزوجة إلي نسب عالية فهي تصل إلي 60% في بلدان مثل إيطاليا وأسبانيا وإن كان هناك في إيطاليا من يقترح خفضها إلي 32% فقط.. أضف إلي ذلك أن مثل هذه الخدمة "رعاية الأطفال" لن تتوافر في سوق البلدان التي ترتفع فيها الضريبة علي الممول الثاني للأسرة وذلك لسبب بسيط هو أن النساء سيفضلن رعاية أطفالهن علي العمل لدي الغير لأن العائد سيكون ضعيفا! وعموما فإنه بدون أي تغيير في السياسات فإن الفجوة بين معدل تشغيل النساء ومعدل تشغيل الرجال سيتم تداركها وتضييقها باستمرار.. وربما كان أكبر تغيير في هذا المجال يحدث في أسبانيا فمعدلات تشغيل النساء الأسبان من مختلف الأعمار كانت مماثلة لمعدلات تشغيل زميلاتهن من كل من فرنسا وألمانيا قبل 15 عاما. ولكن الأسبانيات اللاتي في العشرينيات من العمر أصبحن أكثر رغبة في العمل وصارت نسبة تشغيلهن حاليا مثل نسبة تشغيل مثيلاتهن من الأمريكيات واستمرار هذا الاتجاه كما يعتقد دالي أنه يمكن أن يضيف نحو 0.5% إلي معدل النمو الأسباني السنوي في السنوات العشر القادمة بل ربما أكثر من ذلك إذا حدث تغيير في السياسات، كما أنه سيضيف ربعا في المئة إلي معدل النمو في منطقة اليورو ككل.. وربما كانت إيطاليا واليابان هما أكثر دولتين تحتاجان إلي العمل علي زيادة معدل تشغيل النساء فيهما. ويبقي أن نقول إنه إذا كان الرجال يديرون الاقتصاد العالمي فإننا لا نزال بحاجة إلي النساء من أجل إنقاذه وزيادة معدلات نموه.