بالرغم من كونها محامية دولية ناجحة ومشغولة فإن السيدة نويلي لونوار تمكنت خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة من العمل كخبيرة قانونية في المفوضية الأوروبية والتدريس في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا والعمل كوزيرة للشئون الأوروبية في الحكومة الفرنسية وكعضو في المجلس الدستوري الفرنسي الذي يشبه المحكمة العليا في الولاياتالمتحدة وغير ذلك من الأعمال المشابهة ولكنها لم تصبح عضوا في مجلس إدارة شركة التأمين الفرنسية "جنرالي جروب" إلا في عام 2008 وتعد السيدة لونوار بذلك في طليعة موجة جديدة من النساء اللاتي اكتسن عضوية مجالس إدارات الشركات الأوروبية بعد ضغوط قانونية واجتماعية أجبرت تلك الشركات علي التوسع في تعيين النساء بمجالس إداراتها وتقول السيدة لونوار لمجلة "تايم" إن علي الناس أن يعترفوا بأن قصر عضوية مجالس إدارات الشركات علي الرجال خطأ يتعين تداركه وأن استبعاد النساء من قيادة وإدارة الشركات يحرم تلك الشركات بل ويحرم المجتمع كله من مواهب وخبرات يمكن أن تحقق الفائدة للجميع لو اتحنا للنصف الآخر من المجتمع أن يتولي هذه الوظائف. ولا شك أن عدم التوازن الواضح بين دور الرجال ودور النساء في إدارة الأعمال الأوروبية هو الذي دفع النرويج إلي إصدار قانون يحتم أن يكون 40% من أعضاء مجالس إدارات الشركات من النساء وهي حصة قانونية بدأت حكومات أوروبية أخري تحذو حذوها وليس ممكنا في واقع الأمر تحقيقها إلا بالقانون. فهناك مسح مقارن يوضح أن حصة النساء في مجالس إدارات الشركات الفرنسية الكبري تقل عن 9% مقابل 12% في بريطانيا ونحو 13% في ألمانيا ثم 8% فقط في إسبانيا أما النسبة العامة لحصة النساء في مجالس إدارات الشركات علي مستوي الاتحاد الأوروبي في عام 2009 فقد كانت أقل من 10% مقابل 15% في الولاياتالمتحدة بالرغم من عدم وجود نصوص قانونية أمريكية تحتم ذلك وإذا استبعدنا التجربة النرويجية فإن حصة النساء في مجالس إدارات شركات الاتحاد الأوروبي سوف تنخفض إلي أقل من 9%. والسؤال المهم حقا هو: لماذا لم تتحسن نسب تمثيل النساء في مجالس إدارات الشركات خلال العشرين سنة الأخيرة؟ إن إجابة هذا السؤال تفجر مناقشة واسعة وحادة حول أولويات المهن التي ينبغي أن تعمل بها المرأة والقيم الحضارية والاجتماعية السائدة في أي مجتمع أو أمة. إلي جانب حقيقة الأمر الواقع حيث يسود المجتمع الذكوري الذي يضمن للرجل الانفراد بالكثير من المناصب المهمة ويحث الرجال علي التمسك بهذا الانفراد. وتقول كارولين ديلامارينية رئيسة شركة الاستشارات الفرنسة "كابيتالكوم" ومقرها باريس وهي سيدة متخصصة في مسائل التنوع الجنسي لقادة الشركات إن الرجال لا يرون أن هناك أية ميزة مهنية أو شخصية يمكنهم الحصول عليها لو أنهم تخلوا للنساء عن المراكز القيادة في الشركات أو غيرها من مجالات الحياة في المجتمع ولذلك فإنهم يحجمون عن اختيار النساء لمشاركتهم في القيادة. وتقول مجلة "تايم" إن هذا بالضبط هو ما دفع النرويج إلي إصدار قانون حصة ال40% للنساء في مجالس إدارات الشركات عام 2003 أي منذ سبع سنوات. وقد فرض هذا القانون علي الشركات الحكومية والشركات المسجلة في البورصة زيادة نسبة المكون النسائي في مجالس إداراتها من 7% في المتوسط ليصبح 40% علي الأقل اعتباراً من عام 2009 وإلا تعرضت للإغلاق الجبري ونتيجة لتطبيق هذا القانون صارت نسبة النساء النرويجيات في مجالس إدارات تلك الشركات حاليا 44% وهي نسبة تحفز الدول الأوروبية الأخري التي لا تزال تحابي الرجل إلي أن تحذو حذوها وقد أصدرت إسبانيا وهولندا بالفعل قوانين مشابهة سينتهي أجل تنفيذها عام 2015 ثم 2016 علي التوالي وأصبحت فرنسا بصدد إصدار قانون يضمن للنساء حصة لا تقل عن 40% في مجالس إدارات الشركات الفرنسية مع حلول عام 2016 ويمكن القول بأن فكرة الحصص القانونية ستحرك القضية برمتها حيث تقول روت سيلي كبيرة الباحثين ونائب مدير المركز الدولي للنساء القائدات بكلية كرانفيلد للإدارة بانجلترا إن الشركات بدأت تخشي من تقنين الحكومات لهذه القضية إذا هي لم تأخذ زمام المبادرة في حلها علي أساس المساواة بين الجنسين وتضيف أن العوامل الاجتماعية والثقافية والفصل التقليدي بين الجنسين في مختلف المهن هو الذي يفسر لنا استمرار سيطرة الرجل لكل هذه السنين ونقص الكوادر النسائية المؤهلة لاحتلال المراكز القيادية في بعض البلدان.