وسط ضجيج الشارع، وأصوات "تكتكات" ماكينات الخياطة المزعجة التي اعتاد سماعها منذ نحو 49 عامًا، يجلس مزهوا بين مزيج من الخيوط المتشابكة، متحملاً أعباء مهنة قيل إنها "عفا عليها الزمن"، لكنه يُحسن صنعه منافسا مصممي أزياء المشاهير. من محافظة المنوفية جاء طفلاً إلى القاهرة، مكتفيا بالحصول على الشهادة الابتدائية، ليتفرغ لتعلم حرفة تعينه على المساعدة في سد احتياجات أسرته، فبدأ بالعمل كصبي بإحدى ورش الخياطة.
"بدأت من الصفر، وكنت حريص على إتقان جميع فنون العمل كترزي، وكنت أحصل على 5 قروش حصيلة أسبوع عمل كمنحة من أحد الأسطوات"، بتلك الكلمات بدأ "عم سمير الشرقاوي"، الرجل الخمسيني، حديثه ل"بوابة أخبار اليوم".
يحمل "الشرقاوي" لمهنته مكانة خاصة في قلبه، كما لا ينسى فضلها الكبير على حياته، فمنها تزوج وأنفق على بيته، وعلم أبناءه الأربعة حتى التحقوا بكليات القمة: "هم ثروتي الحقيقية من رحلتي الطويلة المليئة بالعناء والشقاء".
يقول "عم سمير": "أحببت مهنة الترزي من كل قلبي لأنها مهنة نزيهة ونظيفة، وكانت من أسباب سعادتي في الدنيا".
لم يتوقف حلم "الشرقاوي" على مجرد تفصيل البيجامات والجلباب والقمصان والتي كانت رائجة خلال سبعينيات القرن الماضي، بل نجح في التفوق على أقرانه بالتطوير والاعتماد على تجديد قصات الملابس، مستعينا بأنواع مختلفة من الأقمشة، وهو ما ساعد في لفت أنظار الزبائن إليه فزادت حصيلته من العمل.
لم يكن يعلم الرجل الخمسيني، أنه سيمر عليه العمر يحلم بعودة زبون السبعينيات: "عشنا الزمن الجميل، كانت الأمور أكثر رواجًا من الآن، وكانت الزبائن مختلفة وتتمتع بأذواق راقية وحريصة على التقاليد، بالإضافة إلى حالة السعة في الرزق فكان الزبون يأتي لتفصيل 5 بيجامات، ومثلهم من القمصان، ولكن الزبون اليوم مختلف تمامًا بسبب الغلاء وضيق ذات اليد".
غلاء الأسعار آفة تجتاح المهن الحرفية وتهددها بالانقراض، وهو ما يخشاه "عم سمير" قائلا: "ماشية بالبركة من عند الله، وتوب الحشو وصل لألف جنيه، وانتهى زمن الزبون المريش، فلم نعد نراه في مهنتنا، ولكن الأمور تسير في الآونة الأخيرة نحو الاستقرار".