أسعار العملات اليوم الجمعة 4-10-2024 في مصر.. الدولار بكام؟    أسعار الفراخ البيضاء في بورصة الدواجن اليوم الجمعة 4-10-2024    مارك زوكربيرج ثاني أغنى شخص في العالم لأول مرة    غارات إسرائيلية متتالية على ضاحية بيروت الجنوبية.. من كان المستهدف؟    القاهرة الإخبارية: صفارات الإنذار تدوي في حيفا وخليجها    غارة إسرائيلية تقطع الطريق بين لبنان وسوريا    215 شخصًا حصيلة قتلى إعصار هيلين بأمريكا    عاجل.. اجتماع مصيري بين كولر ومحمد رمضان في الأهلي بسبب الزمالك    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 4- 10- 2024 والقنوات الناقلة    الصحة تنظم ورشة عمل حول دور الإعلام المسئول في تعزيز الوعي الصحي وتحسين جودة الحياة وتحقيق الاستدامة    الصحة العالمية توافق على الاستخدام الطارئ لأول اختبار تشخيصي لجدري القردة    «بول القطط» وحكم الصلاة في المكان الذي تلوث به.. «الإفتاء» توضح    مي فاروق تستعد لحفلها في مهرجان الموسيقى العربية: ألقاكم بكل الحب    خريفي نهارا بارد ليلا.. تفاصيل طقس الأقصر اليوم    فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة والأوقات المستحبة للدعاء المستجاب    أفيخاي أدرعي ينذر سكان الضاحية الجنوبية    ايه سماحة تكشف مفاجأة بخصوص نهاية مسلسل «عمر أفندي»    آيه سماحة تكشف قصة تعارفها على زوجها محمد السباعي    مهرجان الموسيقة العربية.. تفاصيل وموعد وأسعار تذاكر حفل تامر عاشور    الفيفا يفتح تحقيقين في إمكانية إيقاف إسرائيل    سعر صرف العملات العربية والأجنبية أمام الجنيه اليوم    أول صورة للممرض الذي عثر الأمن على أشلاء جثته بالقاهرة    ضبط سائقين لسرقتهم شركة بالمعادي    «رفضت فلوس الزمالك».. القندوسي يكشف كواليس انتقاله إلى الأهلي    87.2%.. إجمالي تعاملات المصريين بالبورصة في نهاية تداولات الأسبوع    "وما النصر إِلا من عِندِ الله".. موضوع خطبة الجمعة اليوم    هل يجوز الدعاء للزواج بشخص معين؟ أمين الفتوى يجيب    «أنا قدامك خد اللي إنت عايزه».. حكاية صعيدي أراد التبرع ب«كليته» ل أحمد زكي (فيديو)    هالة صدقي تصور مسلسل إش إش مع مي عمر في رمضان 2025    ليتوانيا تصدق على اتفاق لنشر 5 آلاف جندي ألماني    مدير الأكاديمية العسكرية: بناء القوة والحفاظ على الهيبة يحتم بيئة تعليمية حديثة    مصررع طفلة رضيعة في الدقهلية.. اعرف السبب    ملف يلا كورة.. برونزية مونديالية للأهلي.. وانتهاء أزمة ملعب قمة السيدات    قيادي بحركة فتح: نتنياهو يُحضر لحرب دينية كبرى في المنطقة    دعاء أول فجر في ربيع الثاني.. «اللهم بارك لنا في أعمارنا»    برج الأسد حظك اليوم الجمعة 4 أكتوبر 2024: تلتقى بشخص مٌميز ومكالمة مٌهمة    مايكروسوفت تضيف مزايا ذكية ل Windows 11    حريق يلتهم سيارة ملاكي أعلى كوبري المحلة بالغربية    خروج عربة ترام عن القضبان في الإسكندرية.. وشهود عيان يكشفون مفاجأة (فيديو وصور)    قتلوا صديقهم وقطعوا جثته لمساومة أهله لدفع فدية بالقاهرة    «اليونيفيل»: ملتزمون بمواقعنا رغم مطالبات إسرائيل بالتحرك    صندوق النقد الدولي يكشف موعد المراجعة الرابعة لقرض مصر    قرار عاجل من "التنمية المحلية" بشأن عمال التراحيل    رئيس هيئة المعارض يفتتح «كايرو فاشون آند تكس» بمشاركة 550 شركة مصرية وأجنبية    مدير الكلية العسكرية التكنولوجية: الخريجون على دراية كاملة بأحدث الوسائل التكنولوجية    محافظ الدقهلية يستقبل وفد اتحاد القبائل لتنفيذ مبادرة تشجير    لاتسيو يسحق نيس ويتصدر الدوري الأوروبي    وليد فواز عن حبسه في مسلسل «برغم القانون»: إن شاء الله أخرج الحلقة الجاية    موعد مباراة مانشستر يونايتد القادمة عقب التعادل أمام بورتو والقنوات الناقلة    المقاولون العرب يضم لاعب الزمالك السابق    تعرف على نصوص صلاة القديس فرنسيس الأسيزي في ذكراه    نائب مدير الأكاديمية العسكرية: نجحنا في إعداد مقاتل بحري على أعلى مستوى    أهالي قرية السلطان حسن بالمنيا يعانون من عدم وجود صرف صحي    رسمياً.. فتح باب تسجيل تقليل الاغتراب جامعة الأزهر 2024 "الرابط الرسمي والخطوات"    نائب مدير الأكاديمية العسكرية: الخريجون ذو فكر متطور وقادرون على الدفاع عن الأمن القومي    صحة دمياط: إجراء 284 عملية جراحية متنوعة منذ انطلاق المبادرة الرئاسية بداية    صحة دمياط: الكشف على 943 مواطنًا ضمن مبادرة «حياة كريمة»    تعزز الصحة الجنسية .. لن تتوقعها فوائد مذهلة للرجال بعد تناول البرتقال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بالصور- "من جلابيب المِعلّمين لبتوع السيما".. حكاية أقدم ترزي في الجمالية
نشر في مصراوي يوم 19 - 08 - 2017


تصوير - محمود بكار:
في عام 1942، لم تكن أزقّة منطقة الجمالية بالقاهرة القديمة، تعرف الخياطة، قبل أن يصل إليها شاب من محافظة المنوفية، لا يحتكم إلا على قليل من الأموال، لكنه أحبّ المقص، جذبه تعانق الخيوط لتصنع ثوبًا جديدًا، فاشترى محلاً صغيرًا في المنطقة العتيقة، وصار دُكّان "القاضي"، أشهر من "نار على العلم".
لم يكن الابن سمير القاضي قد وُلد بعد "طلعت على الدنيا لقيت أبويا شغال ترزي والناس عارفاه". ظل محل الأب في نفس المكان، قبل أن يغلقه ويفتتح آخر عام 1960 بنفس المنطقة، وداخله تربّى سمير صاحب السبعين عامًا، حتى صار مالكه الآن بمشاركة أخيه الأصغر نبيل.
كان شارع الضبابية القريب من بوابة الفتوح هادئًا. سمته يتشابه مع مبانيه القديمة. قليلاً بالداخل قبع محل صغير له جانبين، لا تُجاوز مساحته الثلاثة أمتار، له بابان. أحدهما مفتوح على مصراعيه، فيما فقد الآخر جزء من واجهته بفعل الزمن.
جلس سمير القاضي مُنكبّا على قطعة قماش بيضاء. يُقلبها يمينًا ويسارًا بخفة. يفردها أسفل ماكينة الخياطة. يطوي أجزاءً منها، فيما يُمرر يديه على ما لديه من البضاعة. يُعاملها برفق. لا تزال يداه حريريتين. لا يستطيع تحريك جسده بحرية، إذ يكتظ المكان بالقصاصات، الخيوط، مكتب متهالك، عدة مقاعد خشبية، جوّالات خالية، قفص خُبز يستند للحائط، وتلفزيون صغير.
"أنا مفلحتش في التعليم فأبويا قرر ياخدني معاه المحل اشتغل".. تدرّج سمير في المهنة مثل السلم التعليمي، في البداية يذهب إلى المحل "أكنسه، أرش مية، أقضي مشاوير عند المكوجي أو أركّب زراير"، وبعد مرور أكثر من عشر سنوات أخرى تمكن من "تفصيل" أول قطعة ملابس بيديه.
في تلك الفترة كان المحل يصنع كل شيء؛ جلابيب، بيجامات، قمصان وغيرها "كان بيجيلنا ناس من كل مصر يعملوا عندنا الشغل".
مرّ محل سمير القاضي بفترات صعود وهبوط كأي تجارة أخرى "بس أكتر فترة اشتغلنا فيها كانت من 63 ل65". يذكر سمير تلك الفترة جيدًا "كان فيه معلمين كتير في الجمالية وبيعملوا جلاليبهم عندنا". حينها كان ابن صاحب المحل قد اندمج مع ماكينة الخياطة "كنت أنا وأبويا بس اللي شغالين.. كانت تمر علينا أيام نفتح المحل 20 ساعة".
في الستينات كانت "تسعيرة" محال آل القاضي تناسب الفترة، فبلغ سعر حياكة الجلباب جنيهين ونصف، بينما يصل حاليًا للسبعين. يتذكر سمير أول زيادة شهدها زبائنه "كانت نص جنيه". وفي كل مرة كان الارتفاع نتيجة للأحوال الاقتصادية "دلوقتي كيلو اللحمة ب140 جنيه، فطبيعي يحصل زيادة كدة".
ظل الترزي الشهير يتطور مع السنين. استخدم الابن والأب مُعدّات جديدة كل فترة، إلا المقص الذي وضعه سمير على يمينه، إذ ظل معه منذ عام 1960. يُعامل الترزي المقص بإكبار شديد، لا تعنيه ألوانه الصدئة، له أسبابه الوجيهة "دة كان ألماني قطع غياره مبقتش موجودة دلوقتي.. لو جبت واحد جديد مش هيستحمل اللي استحمله". ذاك المقص عايش جميع أنواع الأقمشة، التي ينتقيها الزبائن على اختلاف مستوياتهم "كل واحد وشوقه.. كان بيجيلنا من الغفير لحد أشهر نجوم السيما".
عبد الوارث عسر، محمود إسماعيل وغيرهم "كانوا زباين المحل عندنا". اعتاد سمير رؤيتهم وهو شاب، غير أن الأمر لم يكن فرديًا، ففي مطلع الألفية صُنعت ملابس مسلسل الليل وآخره في دكانهم، كما خرجت من بين يديه أزياء فرقة قدّمت احتفالية السادس من أكتوبر "وكل هدوم الرجالة في مسلسل ريا وسكينة بتاع عبلة كامل إحنا اللي عاملينها". في تلك اللحظات كانت تتكدّس الأقمشة وضغط الطلبات داخل المكان العتيق، فلم يكن من الرجل السبعيني إلا رفع ساعات العمل.
اعتاد القاضي على عدم "صّد الزبون"، حتى إذا أتاه بعد انتهاء موعد عمله "ده رزق ومادام معايا إمكانيات بعمله". أو في أحيان أخرى، كان يلجأ القاضي إلى العمل على ملابس المسلسلات والعروض فقط دون غيرها حتى يلتزم بموعد التسليم "هو القطاع الخاص كدة عرض وطلب".
في دُكانه الصغير؛ استقبل القاضي تقلبات السياسة، تعاقبت الأحداث، يتذكر كيف تأثر أصحاب المحال في خان الخليلي جراء النكسة عام 1967 "في منهم اللي بقى يبيع طعمية"، فيما يلوح نصر 1973 في ذاكرته كأنه الأمس.
كان وقتها يعمل آل القاضي في الدكان حتى يحين موعد السحور الرمضاني، وبينما تنساب الأقمشة بين يديه، فجأة انقطع بث القرآن الكريم من الراديو، وانسدل بيان النصر.
حينها كان ابن الجمالية مُحتفظًا بغصة النكسة، وما أذيع قبلها من أنباء تُبشر بالنصر على عكس ما كان يدور على أرض المعركة، لذا لم يستوعب بيان 73 "لحد لما شوفت بعيني تاني يوم في التلفزيون".
ذلك الحدث الجلل لم يكن الوحيد، إذ يذكر مرور تظاهرات ثورة يناير قريبًا من دُكانه "ولا كنا نعرف إنها ثورة"، ثم حالة الكساد التي طغت على محال الجمالية القديمة كلها، فيما أنقذه قليلًا اسم المحل وشهرته.
رغم ما بلغه القاضي في المهنة، لا يعتبر نفسه "أسطى"، مازال يتعلم دروب مختلفة داخل المهنة، ويطور من مهاراته وأدواته "الصنايعي مننا بيفضل يتعلم لحد ما يموت".
لم يخرج من الجيل الجديد لآل القاضي من يعمل بالحياكة، سلك أبناء سمير طريقًا مختلفًا "ربنا جبر بخاطرهم ونجحوا في التعليم"، فتخرج الابن الأكبر في كلية الهندسة، والأوسط في معهد فني، والثالث ضابطًا بالجيش.
من مدينة العبور يأتي سمير يوميًا، يعتريه التعب "بس المحل لازم يفضل مفتوح". قلل ساعات عمله "مبقتش أشتغل غير من 10 ل3"، لم يفكر في أخذ إجازة "هسيب نبيل أخويا لوحده؟".. هكذا يسأل نفسه دائمًا. لم يعد المحل يغطي جميع نفقاته، لكن الأخوان تأقلما مع ذلك "إن مكنش انهاردة بيكسب بكرة الوضع هيبقى أفضل.. المهم إننا منقفلش محل أبونا".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.