ما شهدته تظاهرات مصر الغاضبة أمس من مسيرات واشتباكات يشير إلي أنها ماتزال بعيدة عن أهداف ثورتها التي تتحرك دون رأس أو ملهم يقود, ويحدد ويقرر. وأنه لا مبرر لتجاهل الجالسين علي كرسي الحكم لمطالب الغاضبين التي تعيد للرئيس محمد مرسي صدي كلماته الموثقة صوتا وصورة: لو خرجت الجماهير تطالب برحيلي فسوف أرحل. ولم تدرك القوي الغاضبة والثائرة أنها حتما ستصطدم بالعديد من المواقف في مقدمتها الشارع السياسي المرتبك والعضلات السياسية والدينية للمدافعين عن النظام الحاكم بدعاوي الشريعة وحصانة الشرعية, ومساندة قوي التيار الإسلامي التي تري وجود حاكم ذي مرجعية إسلامية بردا وسلاما ووقاية من تكرار مصائب الماضي وهذا حقهم-, وأن البديل هو الثورة الإسلامية التي قال عنها أحد الإسلاميين إنها لن تبقي ولا تذر. وأثق أن الرئيس مرسي يستطيع أن يجمع كل المصريين حوله ويجعلهم صفا واحدا دون انقسام, فيما لو رأي مصر الدولة وليست الجماعة وحلفاءها, ولو تحولت دعوته للحوار الوطني من عمل سري لتوزيع الأدوار والحصانة والهبات إلي حوار جاد له توصيات ترسم مستقبل الوطن وليس مصلحة بعض مواطنيه. فسواء شئنا أم أبينا فإن الدكتور محمد مرسي هو أول رئيس مدني منتخب, ويمكن أن يكون رمزا لتحقيق آمال الشعب إذا تمكن من رؤية مصر من عدد من الزوايا أتيحت كلها أمس أمامه وبمنتهي الوضوح: الزاوية الأولي: كانت في تلك الكلمات التي قالها خطيب مسجد القدس, حيث كان يصلي الرئيس بأن الكرام إذا ما وصلوا ذكروا من كان يألفهم في الماضي من خشن, والتحرك نحو رد الجميل لمن ثاروا في وجه ظلم وفساد العهد البائد وغفلوا الانتقام, وأن مصر ينبغي أن تكون قبل الحزب, والوطن قبل الجماعة. الزاوية الثانية: ذلك الخيط الرفيع بين ما تناولته وسائل الإعلام الخاصة والحكومية, وما تتبع جماعة الاخوان, فالأولي عالجت الموقف بإبراز أجواء الاحتقان السياسي, والثانية رأته مجرد احتفالات بذكري الثورة, والثالثة تحدثت عن بناء مصر بتلوين الشوارع والقوافل الطبية وبرأت نفسها من أي اتهامات بالنصدي للمتظاهرين, وكان علي الحاكم أن يتبين الخيط الأبيض من الأسود وألا يري بغير عينيه فهو ليس غريبا عن هذا ولا ذاك. الزاوية الثالثة: لهجة الغضب التي جعلت المتظاهرين أمس يتجاهلون ما تم التخطيط له من مطالب منها: تعديل المواد الخلافية بالدستور, وإقالة الحكومة, و النائب العام, والقصاص للشهداء, والاتفاق علي هتاف واحد هو ارحل أحيانا و الشعب يريد إسقاط النظام, أحيانا أخري والذي يذكر الرئيس والجماعة بتطور المطالب في الأيام ال18 التي سبقت تنحي المخلوع حسني مبارك. من تلك الزوايا الثلاث يستطيع الرئيس ومساعدوه أن يروا الأسلوب الأمثل للتعامل مع مصر الغاضبة, والذي يهدئ من حدة الغضب ولا يحوله إلي نيران تحرق وجه الوطن. [email protected] رابط دائم :