يستفزني بشدة ما آلت إليه أجواء الانقسام والفرقة في مصر الآن أكثر من أي وقت مضي وكأن عجلة الاستقرار التي ب'نعم للدستور' قد دارت فجارت ودمرت ما يمكن أن يؤدي إلي توافق المصريين. مظاهر الانقسام كثيرة وتنفجر في وجهك بمجرد أن تقرأ التعليقات الألكترونية علي خبر صحفي أو تستمع إلي آراء الناس في صحيفة أو مضمون برنامج إذاعي أو تليفزيوني, إذ يظهر لك نوعان من التعليقات أحدهما يدافع ويمجد لك مزايا القرار ويعدد فوائده وأهميته وآخر ينزل بمحتوي الخبر ومغزاه إلي أسفل سافلين ويجتهد في تأكيد أن هذا القرار يحقق مصلحة فلان ويضر بآخرين. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد ولكن تجد من يقرأ ويمثل الواقعة حسب هواه الشخصي وهدفه السياسي, ولنا في غرق أحد مراكب الصيد بمرسي مطروح عبرة فقد مال أنصار الإخوان إلي تذكير المصريين بأن إنسانية الرئيس جعلته يحرك الطائرات والسفن والمدمرات لإنقاذ أقل من10 مواطنين ثم يعودون إلي التاريخ ليذكروك بأن أكثر من1200 من المصريين غرقوا علي مرأي ومسمع من ولاة الفساد يوم2 فبراير2006 تفي باخرة ممدوح اسماعيل ولم يتحرك أحد ويرد معارضو الإخوان بأن ما حدث مجرد حركات انتخابية تقوم بها مؤسسة الرئاسة من أجل تجميل وجه الجماعة في الشارع السياسي وأنه مجرد شو يشبه المناورات رغم أنه تم العثور علي المركب دون صيادين والذين ماتوا دون أن يعرف أحد هل هم من الإخوان أم من الليبراليين. وتشتد مظاهر الانقسام في التعامل مع بعض الوقائع مثل الاهتمام بالقبض علي مصريين في الامارات وتجاهل وقائع أخري كمحاكمة أحمد الجيزاوي بالسعودية ويرد فريق بأن الاهتمام بما حدث في دبي يرجع إلي أن المقبوض عليهم من الأهل والعشيرة في حين أن الجيزاوي ناشط ليبرالي رغم أنه لا يوجد ما يؤكد رأي أيهما. وتتشابه مع تلك الوقائع مصادمات في الرأي حول العديد من القضايا و يبرر كل طرف فيها موقفه بأي شيء ويدافع عنه بكل قوة ويحاول إقناع الغير به دون عقل ولا منطق ويكون الثمن في النهاية ضياع الحقيقة والمؤسف أنه عندما يشتد القتال والتناحر والتنافس تكون الكلمة العليا للدين علي أساس أن من يشككون في نوايا الإخوان والتيار الإسلامي لا يريدون لشرع الله أن يسود في حين أن من يريدون الانتصار للمعارضة إنما يستهدفون البقاء لليبرالية ومعاداة الشريعة.هذه هي العجلة التي دارت فجارت وفق ما نريد بطريقتنا القاصرة بل وتستعد لمزيد من الدوران في الذكري الثانية للثورة ومعركة انتخابات مجلس النواب التي لن تتوقف عند الانقسام وانما سيحفها مكر الصفقات وشبح الاستقطاب وضريبة التحالفات, وما لم يتحرك أصحاب العقول ستستمر معها دموع من يحبون هذا الوطن الذي يتعامل معه السياسيون كالكرة الشراب في أرض يملؤها الوحل بمستنقع السياسة ومصالحها!