البسطاء الطيبون الذين أنهكهم التعب, لا يجدون غضاضة دائما في أن يستبدلوا الأمن بالحرية, وفي مقدمتهم صديقي رمضان, وجميعهم يعترفون الآن. صراحة. بأنهم خسروا جميع رهاناتهم. مثل غيره من الملايين, هؤلاء الذين أنهكتهم الحياة علي مدار عام كامل من عمر الثورة, ظل صديقي رمضان. بائع الجرائد الشاب في محطة الأتوبيس, ينظر إلي اللواء عمر سليمان, باعتباره الرجل القوي الذي يملك, القدرة علي إعادة الأمن إلي البلاد, لا يعنيه في ذلك إذا ما قررت لجنة الانتخابات الرئاسية, استبعاده من السباق بالفعل, أو اعادته إليه, فالأمر سيان. لا يجد رمضان وأمثاله من الذين يناضلون طيلة ساعات النهار, من أجل الحصول علي لقمة العيش, غضاضة في إعلان ذلك صراحة, غير عابئين بذلك الجدل الذي يملأ فضاءات شبكة الانترنت الدولية, ولا مبارزات النخبة عبر شاشات الفضائيات, احتجاجا علي عودة الرجل الثاني في نظام مبارك, إذ يري هؤلاء أن الثورة التي شاركوا فيها, وساروا وسط حشودها الهادرة, وتلقوا مثل آلاف غيرهم طلقات الخرطوش وقنابل الغاز المسيل للدموع والأعصاب, لاتزال تراوح مكانها بعد عام كامل, وأنها لم تتجاوز بعد حد الشعار السياسي, الذي انشقت حناجر الملايين وهي تنادي به, طلبا للحرية والخبز والعدالة الاجتماعية. في نظر كثيرين ومن بينهم صديقي رمضان, بدا سليمان أشبه ما يكون ب العصا التي ألقاها العسكر في اللحظات الأخيرة, لتلقف ما صنعه الإخوان المسلمون, بعد أن نقضت الجماعة عهودها, وخدعت الجميع بإعلانها عدم التقدم بمرشح علي منصب الرئيس, فإذا بها تتقدم باثنين, غير عابئة بما سيثيره ذلك من غضب شركاء الصفقة, أو ما قد يفجره من مخاوف للملايين, وبخاصة الأقباط, حول شكل الجمهورية الجديدة, التي بدا أنها تسير نحو نموذج الدولة الدينية. في نظر مؤيديه, ومعظمهم من العاطفيين الذين يخلطون ما بين الرجل والجهاز الوطني الذي ترأسه لسنوات طويلة, بدا سليمان مثل بطل قومي, جاء من خلف الغيم لينقذ البلاد من خطر محدق ينتظرها من الجهات الأربع, في حال وصول الإسلاميين إلي الحكم, فهو الرجل الذي رفض أن يخضع لمبارك, وأذاع خطاب التنحي رغما عن أنف الطاغية, وهو ما عرضه في بواكير الثورة لمحاولة اغتيال علي يد ميليشيات تابعة للوريث نجا منها بأعجوبة, وهي صورة مغايرة تماما لما ترسخ في أذهان الغالبية العظمي من معارضيه, هؤلاء الذين لا يزالون ينظرون إليه, ليس فحسب باعتباره الوجه الآخر لمبارك, وإنما باعتباره أحد أكبر المتورطين في النظام السابق الملوثة أيديهم بدماء الشهداء. البسطاء الطيبون الذين أنهكهم التعب, لا يجدون غضاضة دائما في أن يستبدلوا الأمن بالحرية, وفي مقدمتهم صديقي رمضان, وجميعهم يعترفون الآن. صراحة. بأنهم خسروا جميع رهاناتهم, علي شباب الثورة الذين أغوتهم أضواء الإعلام, فانصرفوا عن الميادين إلي كاميرات الفضائيات, وعلي القوي السياسية التي فشلت حتي اليوم في التوافق علي مرشح واحد للدفع به في مواجهة أطماع الفلول في العودة, بل وعلي الإخوان والسلفيين أيضا, هؤلاء الذي ذهبوا خلفهم إلي صناديق الانتخاب ليختاروا رجال الله, فإذا بالصندوق يخرج لهم أسوأ ما في الفقيه, عندما يتحول إلي رجل سلطة. المؤكد أن قصة ترشح اللواء عمر سليمان وما صاحبها من ملابسات وأحداث مثيرة, كشفت عن كثير من المعضلات الكبري, وهي معضلات يجب أن تتعاطي معها قوي الثورة بالجدية اللازمة الآن وليس غدا, إذا ما أرادت هذه القوي لهذا البلد أن يتجاوز محنة الأيام الأخيرة من عمر المرحلة الانتقالية, التي أوشكت علي الانتهاء, والتي لا يرغب أحد في أن تمتد ولو ليوم واحد آخر. [email protected]