تخطيء جماعة الإخوان المسلمين كثيرا, إذا ما تصورت انها قادرة علي توجيه مسار الدستور الجديد, بعيدا عن التوجه الوطني العام, باستحواذها علي تشكيل الجمعية التأسيسية, استنادا علي أغلبيتها في البرلمان. فالدستور يظل هو الوثيقة التوافقية التي لا يجوز أن ينفرد بوضعها أحد بعيدا عن التوافق العام للمجتمع, بينما الأغلبية التي قد تحكم اليوم, ربما تتحول إلي أقلية غدا. وتخطيء الجماعة أكثر إذا ما ركبها العناد, وتلبسها غرور القوة, وتخيلت أن ياستطاعتها حسم تشكيل التأسيسية ب المغالبة, فمثل هذا الأمر من شأنه أن يفتح الباب أمام إجراءات بدأت بالفعل, ممثلة في دعويين قضائيتين تم تحريكهما أمام محكمة القضاء الاداري, لن تؤدي نتائجهما المتوقعة إلي تعطيل عمل الجمعية فحسب, وإنما قد تمتد آثارها إلي وقف مسيرة مصر نحو التحول الديمقراطي, التي تتطلب سرعة في انجاز الدستور قبل الانتخابات الرئاسية, التي يصر الإخوان أنفسهم ومن عجب علي أن تتم بالتزامن مع الاستفتاء علي الدستور الجديد, قبل انتهاء الفترة الانتقالية في يونيو المقبل!. وربما لا يكون المرء مغاليا إذا ما قال صراحة: إن الجماعة خسرت بموقفها الأخير, شوطا مهما في سباق الثقة, الذي سعت بدأب إلي دخول مضماره في بواكير الثورة, فقد بدا للجميع أن ما أطلقته من تطمينات في ما يتعلق بموقفها من الدستور, وتعهداتها بأن تمثل التأسيسية جميع القوي السياسية والاجتماعية في البلاد, وأن تتضمن اللجنة حتي تلك القوي التي أخفقت في الانتخابات, لم يكن سوي مجرد مناورة سياسية, تخفي وراءها أطماعا حقيقية من أجل بلوغ كامل السلطة, وهو ما تجلي في تسريبات جري تداولها علي نطاق واسع خلال الأسبوع المنصرم, بأنها باتت تفكر جديا في الدفع برجلها القوي خيرت الشاطر, إلي مضمار السباق الرئاسي بعد الاتفاق مع التيار السلفي. قد لا يختلف أحد في مصر الآن وغدا وربما بعد غد أيضا, علي أن صياغة دستور عصري جديد في هذه المرحلة الفاصلة من عمر الثورة, هو الهدف الاستراتيجي الأكبر, باعتبار هذا الدستور سيكون هو القاطرة التي سوف تدفع بمصر لتدارك ما فاتها, علي مدار أكثر من ثلاثين عاما في ركب الحضارة الانسانية, فضلا عما سوف يلعبه من دور كبير, في تحديد شكل وطبيعة الجمهورية الثالثة التي يطمح إليها المصريون, هؤلاء الذين دفعوا ثمنها غاليا, من دمائهم وقوت أيامهم العجاف, ومن ثم فقد صار لزاما علي الجماعة إذا ما كانت بالفعل تحمل الخير لمصر أن تستفيق سريعا علي الأقل بحكم حنكة السنين وأن تستجيب إلي صرخات التحذير التي تدوي في كل ربوع مصر هذه الأيام, احتجاجا علي تشكيل التأسيسية, فالصرخات التي تدوي اليوم مرشحة للتصاعد, وربما تبلغ إذا ما استمر غرور القوة حد تدخل الجيش هذه المرة, ليس فحسب من أجل تصحيح المسار, وضبط آليات تشكيل دستور جديد, يدفع بالبلاد نحو نهضة سياسية واجتماعية حقيقية, وإنما من قبل ذلك ومن بعده, لجم رغبات جامحة في الاستحواذ علي السلطة, لم يعد باستطاعة الأغلبية الجديدة إخفاءها طوال الوقت.. وراء مناورات مفضوحة. [email protected]