تعد قمة "البريكس" التي عقدت مؤخرا في موسكو من أهم الدورات في تاريخ هذا التجمع الاقتصادي العالمي وذلك لعدة أسباب جوهرية ، يأتي في مقدمتها أنها القمة الأولى بعد انضمام عدد من الدول الجديدة إلى هذا التجمع، بما في ذلك مصر والإمارات والسعودية وإيران والبرازيل وإثيوبيا. هذه الدول تضيف للتجمع أبعادا إقليمية ودولية هامة نظرا لمواقعها الجغرافية وأدوارها الحيوية في الساحة العالمية. يعزز ذلك من مكانة البريكس باعتبارها قوة اقتصادية متنامية تستقطب انتباه العالم. هذه القمة تأتي أيضا في وقت يشهد العالم توترات وصراعات متزايدة . الصراع الروسي الأوكراني لا يزال مستمرا ، والمواجهات العسكرية في الشرق الأوسط ، بما في ذلك الحرب في غزة ، تسهم في تصاعد التوتر الدولي . إلى جانب ذلك ، تستمد القمة أهميتها من اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية ، وهي انتخابات يُتوقع أن يكون لها تأثير كبير على الأوضاع العالمية ، خاصة في سياق الصراع بين القوى الكبرى مثل الولاياتالمتحدةوروسيا والصين . من جهة أخرى ، تصاعدت التحديات الاقتصادية العالمية ، وظهرت رغبة متزايدة لدى العديد من الدول في التخلص من هيمنة الدولار الأمريكي باعتباره العملة العالمية المهيمنة ، والتي تشكل أداة رئيسية في التحكم بالاقتصادات الدولية. هذه الرغبة في تغيير النظام الاقتصادي العالمي الحالي تجعل من البريكس ، بتوسعاتها الجديدة ، مظلة أمل لتغيير الموازين الاقتصادية والسياسية العالمية . اكتسبت هذه القمة اهتماما كبيرا لعدة أسباب ، لعل أبرزها أن الدول الأعضاء في البريكس تمثل جزءا كبيرا من الاقتصاد العالمي . يضم التجمع دولا ذات تأثير اقتصادي ضخم مثل روسيا والصين والهند ، وهذه القوى الاقتصادية المتنامية أصبحت أكثر تأثيرا بعد انضمام دول أخرى قوية مثل السعودية والإمارات مما يجعل هذا البريكس قوة اقتصادية مؤثرة يُنظر إليها من قبل الشعوب على أنها أمل في التحرر من هيمنة المؤسسات الاقتصادية الغربية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي . تأتي هذه القمة في وقت تاريخي حاسم ، ويقارن البعض بين تشكيل البريكس وتأسيس حركة عدم الانحياز في خمسينيات القرن الماضي . إذا كانت حركة عدم الانحياز قد شكلت تحولا سياسيا في القرن العشرين ، فإن البريكس قد يكون بداية تحول اقتصادي عالمي في القرن الواحد والعشرين ، لا سيما إذا تطور إلى تجمع سياسي بجانب دوره الاقتصادي . البريكس اليوم يجذب اهتمام الدول الأخرى التي تسعى للانضمام ، مما يعزز من دوره في المستقبل . يمكن لهذا التجمع أن يقود البشرية نحو نظام عالمي جديد ، يتيح للدول النامية فرصة حقيقية للتحرر من الهيمنة الغربية التي استمرت لعقود طويلة . مع توسع البريكس ، قد نشهد تغيرات جذرية في النظام الاقتصادي العالمي التقليدي . من منظور مصر ، يمثل الانضمام إلى البريكس فرصة كبيرة لتعزيز اقتصادها ، يمكن لها أن تستفيد من التبادل التجاري بين الدول الأعضاء فيه ، حيث يتم إزالة الرسوم الجمركية والضرائب ، مما يسهم في تخفيف الأعباء الاقتصادية على المواطنين . بالإضافة إلى ذلك ، يسهم تسهيل الاستثمارات بين الدول الأعضاء في تخفيف الضغوط الاقتصادية التي تفرضها المؤسسات المالية الغربية . أحد الأمثلة التي قد تجنيها مصر من هذه الشراكة هو التعاون في مجال استيراد القمح . من خلال هذا التجمع ، يمكن لمصر استيراد القمح من دول مثل روسيا والهند بأسعار منخفضة ، مما سيسهم في حل أزمة الغذاء . هذا بدوره سيخفف من العبء الاقتصادي على مصر ويعزز من استقرارها الغذائي . كما أن التكامل الاقتصادي بين دول البريكس يمكن أن يؤدي إلى تحرير العملات الوطنية وتقويتها . إذا تم التعامل بالجنيه المصري والروبل الروسي والروبية الهندية بين دول البريكس ، فإن ذلك سيؤدي إلى تقوية العملات المحلية وتقليل الاعتماد على الدولار . هذا يمكن أن يسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي ورفع مستوى معيشة المواطنين في هذه الدول . في النهاية، تبشر قمة البريكس بآفاق واعدة للعالم الثالث ، خاصة مع زيادة التعاون بين الدول الأعضاء ، وهو ما سينعكس ايجابيا على شعوب هذه الدول . مع تطور البريكس ، قد نرى نظاما اقتصاديا عالميا جديدا يقوده هذا التجمع القوي ، يكون أكثر عدالة واستدامة ، ويضع حدا للهيمنة الاقتصادية الأمريكيةوالغربية . [email protected]