الأهرام: 29/02/08 سيطرت علينا المخاوف والشكوك لفترة طويلة, حول ما يحدث في صناعة الفضائيات العربية, واستبد بنا الخوف علي أوطاننا وبيوتنا وأبنائنا وبناتنا مما تبثه تلك الفضائيات. فهناك عشرات المؤتمرات ومئات الندوات والأحاديث التي لم تنقطع عن تلك الآفة الجديدة التي جاءت بها تكنولوجيا الاتصال, لتقتحم البيوت من خارج الحدود, بعيدا عن الالتزام أو حتي الحد الأدني من الشعور بالمسئولية. وقد كنا من قبل نري جميعا أن هذا السيرك الفضائي لابد من تنظيمه حفاظا علي كل شيء جميل وإيجابي في حياتنا, حتي إذا انعقد مجلس وزراء الإعلام العرب للنظر في وثيقة تحقق ما سبق أن طالبنا به قامت الدنيا ولم تقعد حتي الآن. فلاشيء في الوثيقة سوي التضييق علي الحريات, برغم أنها نصت علي صيانة حرية التعبير وتعدد الآراء وتبقي علي التنوع. وسيطرت أفكار مسبقة علي كثيرين فلم يروا فيها سوي أن مصالحهم تتعرض للخطر, ولم يجد أحدهم فيها شيئا يحمي القيم الاجتماعية والموروث الثقافي, ويصون الأخلاق العامة, ويحفظ لنا كرامتنا في بيوتنا, ويحمي عقول أبنائنا من أن يتلاعب بها السماسرة وتجار الفن والدين والسياسة والعري والفحش, ورضي هؤلاء جميعا أن تترك تلك القيم والأخلاق, وأن يتم وقفها تماما أما المخاوف من أن تقيد الوثيقة حرية السباب والنقد المستباح لرموز الوطن والدين والوطنية فلم يهتم بها أحد. ولو كلف هؤلاء أنفسهم قليلا من المشقة, وطالعوا تجارب الذين سبقونا في مجال البث الفضائي لوجدوا جهودا كثيرة بذلت لتنظيم النشاط الذي استباح كل شيء, ووجد عن طريقه المحتالون والعرافون والنصابون, باسم الدين والطب والعلم طريقهم إلي بيوتنا لينالوا من عقول أبنائنا ومشاعرهم. إن سبعة عشر عاما تمر اليوم علي بدء الأنشطة الفضائية منذ إطلاق الفضائية المصرية, ولم يسأل أحدهم عما جاءت به حرية الفضائيات إلي الشارع العربي, ولا عما فعلته بنا ممارسات الحرية عبر الفضائيات. فلماذا نختزل الحرية في نقد الحكومات, وتشويه ما تقوم به وتجريح ما نعتز به؟ ولماذا لايمتد تقييم الحرية إلي ما يحدث في الغناء والدين والفن والاجتماع والعمران والصحة؟ فسبعة عشر عاما كانت كافية لأن تستوعب الفضائيات مغزي الحرية وتتخذ لنفسها منهجا رشيدا في التعامل معها وممارستها ولكنها لم تفعل وأغرتها المنافسة والتطلع إلي الشهرة للبحث عن كل غريب وشاذ ومهجور ومرفوض, تصنع به صورتها وتحقق به شعبيتها, ومن حق المجتمع أن يتدخل لحماية أبنائه, ولكن المجتمع المدني في العالم العربي مازال يحبو, وهو غير قادر علي القيام بالمهمة التي قام بها المجتمع المدني في مجتمعات أخري من ضبط الإيقاع الإعلامي المطبوع والمرئي والمسموع وليس الفضائي فقط ولا غضاضة في أن يتحرك وزراء الإعلام العرب لتنظيم ما كان تنظيمه ضرورة للمجتمع. وبقي أن نصل إلي الآليات التي تجعل من تلك الوثيقة حقيقة قائمة في واقعنا المعيشي مهما يعلو صوت معارضيها ومنتقديها.