تعلق بصره بتلك الطيور الهائمة في الفضاء وهي تتباري في استعراض رائع.. كأنها فرقة بالية.. قدرتها علي العلو والسمو.. بعدها طارت في نظام بديع لا يصتطدم أو يحتك فيها طائر بآخر.. استمر محدقا فيها.. وهي تبتعد في السماء رويدا رويدا.. حتي اختفت تماما وراء ذلك الأفق البعيد.. إنتقل ببصره الي ذلك الطابور الطويل المنظم الذي لا يري منتهاه غير مصدق هذه الاعداد الغفيرة من المواطنين الذين حضروا منذ الصباح الباكر ليختاروا مثله ولأول مرة من يتحدث عنهم تحت قبة البرلمان في اختيار حقيقي ثلاث ساعات يقف علي قدميه انتظارا لدوره.. لا يشعر بالتعب والارهاق.. رغم سوء الطقس.. يشعر بقيمة صوته.. يمتلئ صدره اعتزازا وفخرا وهو يسهم في انشاء مصر الحديثة.. رحب بصداقة ذلك الشاب الذي يصغره بعقدين والمشارك للمرة الأولي في الانتخابات بعد استخراجه لبطاقة الرقم القومي حديثا.. قائلا وهو يشير الي العدد الغفير: ان هذا المواطن يستحق التقدير والاشادة بدوره ولابد أن يتعامل معه العالم أجمع بشكل مغاير لمايحدث الآن.. لقد تنامي الادراك بالمشاعر الوطنية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.. يساعد والده في ورشة الخراطة ملكه.. لديه خلفية سياسية منظمة يكشفها حديثه السلس الذي نجح في اذابة الوقت واقصاء التعب.. طلب منه التوقف عن الحديث حين اكد علي عدم شرعية الانتخابات البرلمانية.. مؤكدا رأيه وسط ابتسامة عريضة قائلا: لأنها تخلو من الوفاء لأجدادنا بسبب عدم استدعاء الأموات للإدلاء بأصواتهم كما كان يحدث في العهد البائد حيث الفساد المستشري وقتها.. ضحك الاثنان طويلا.. لأن التزوير كان يتم لصالح الحزب الوطني الحاكم الذي اغتصب إرادة المواطن. تذكر التاكسي الذي وضع فيه كل مدخراته.. بعد أن سدت في وجهه كل الأبواب لأنه لم يكن لديه واسطة.. أو القدرة علي الرشوة.. طوي شهادته الجامعية وهو الآن مسئولا عن أسرة مكونة من ثلاثة أولاد وزوجة لا يسافر وده إلا إليها ولا يرفرف طير محبتها إلا عليه.. امرأة بوسع العالم.. لم تبخل عليه يذهبها الذي باعته.. من أجل إستكمال تراخيص التاكسي.. تسير في بهو روحه.. أدلي بصوته مدهوشا لغياب الفوضي والبلطجة واختناقات المرور والمشاجرات التي كانت تحدث في الشوارع.. هل يمكن للمجرمين ومخالفي القانون الانصهار في الشعور الجمعي للوطن وتتوحد مشاعرهم في المواقف والأزمات والفترات التاريخية.. نزل من السيارة عندما سمع استغاثة فتاة.. وذلك الملتحي في جلبابه الأبيض وهو يشدها من ذراعيها طالبا منها أن تغطي شعرها.. بدلا من الاضطرار لذلك عندما يحكمون مصر.. كيف لهم حكم مصر وهم لم يشاركوا في ثورة التحرير.. إنهم يقفزون الآن علي الثورة.. تصدي الشارع للملتحي الذي فر وهو يكفرهم مؤكدين ان مايفعله ليس من الاسلام.. تذكر مذيعة التليفزيون التي حاورت أحدهم من خلف ساتر زجاجي.. وأخري وضعت غطاء للرأس.. لن يسود هؤلاء لأن مصر الحب والتسامح والاخاء هي من تسود.. يختزلون المشهد السياسي في مايوه وغطاء للتماثيل وتكفير نجيب محفوظ.. اشتري البسبوسة التي طلبها إبنه كريم وطبقي كشري لأم الأولاد.. أدار راديو السيارة علي محطة إذاعة الأغاني لتغسله من الهموم وهو في طريقه الي المنزل.. استوقفه أحدهم من أصحاب اللحي.. غاصت المرارة في حلقه عند رؤيته.. لكنه لا يرفض طلبا لأحد.. صاحب اللحي يطلب منه بشكل حاد وقاطع إغلاق الراديو لأنه مضيعة للوقت ومحرض علي الفساد.. ولم يكن موجودا في عصر الصحابة.. لم يغلق الراديو.. لكنه فتح باب السيارة طالبا منه النزول وركوب الجمل بدلا من هذه السيارة حديثة الصنع. محمد محمود غدية المحلة الكبري [email protected]