كان جيفارا يعي عمق ما أراد إيصاله لنا حين قال إن كل دموع الأرض لا تستطيع أن تحمل زورقا صغيرا يتسع لأبوين يبحثان عن طفلهما المفقود.. فالدموع أبدا لن تصنع نهرا والبكاء لن يستحيل زورقا يقودنا لهذا الطفل المفقود.. عليك أن تقف للنهاية علي ناصية حلمك وتقاتل مثلما يقول محمود درويش. أظنني التقيت شيئا يشبه هذا حين قرأت رواية زايا الصادرة حديثا عن مجموعة النيل العربية للنشر للكاتبة السعودية ريم الصقر. منذ البداية ستلمح روح المغامرة.. التي بعضها كان سرا وبعضها الآخر كان جهارا نهارا.. كأنها تقول إن المغامرة في الحياة شرط للحياة.. وهو ما ألحت عليه ريم عبر سطور روايتها شديدة الحبكة.. متميزة المفردة والصورة. وفي أثناء ما هي تلخص بدقة حالة التشتت التي عاشتها بطلتها فقد ظلت زايا تقاوم وتتمسك بالأمل فتلقاها حينا تقبض علي ما تريد عنوة وكأنها تحمل روحا هتلرية..وأحيانا تنزوي بجراحها كما يفعل الغانديون.. وأين غاندي من هتلر؟ مبقية من يقرأ يراوح استفساراته.. تري لأي ضفة تنتمي تلك الزايا؟..أتراها هتلرية حرقتها قد تدفعها لإبادة أي شيء.. أم هي تنضوي تحت لواء الغانديين؟.. أسئلة حائرة كانت بين السطور قرأتها أنا ورفيق شاركني تداولا حتي خلصنا إلي أن ثمة ما ينزوي تحت ذلك الكيان المتمثل بصورة هذه البطلة تلك التي مارست الإغواء دون أن يكون هدفها البغاء أو المتاجرة بالجسد إلي أن كافأتها السنون بالحب وكان محمد الذي التقته تحت أمطار صباح لندني شديد الشغف والرقة لتنزوي معه بكامل روحها تحت مظلة دفئه وتشبك أصابعها بأصابعه ويسيران معا علي شاطئ الحب.. فتقول عنه: أهلي وأنا.. نشبه من اقتلع نبتة من مكان..وحين جفت جذورها أعاد غرسها بمكان آخر لم يتمكن أبي أن يزرعني في السعودية رغم ميلادي بها وصالح لم يستطع أن يغرسني بالإمارات..رغم أنها كانت أكثر يسرا وبحبوحة..ربما لأن كليهما كان أقل من أن يهديني حبا حقيقيا..لكني بالحب استطاع محمد أن يغرسني في بلاد الفرنجة كما يسميها ونضحك منها. تطرح الرواية استفهامات عميقة لعل من أبرزها بظني الهوية والتي وإن كانت تعد من أثمن الأشياء.. قد تكون أحيانا من أقل الأشياء قيمة؟.. مثل هذه الأمور هي ما ظلت ريم الصقر ترصدها عبر الأحداث التي مرت بها بطلتها زايا معرجة علي آثار تسلط النساء علي النساء! والرواية هدفها أعمق بكثير من مجرد تسليط الضوء علي المصاعب والعقبات التي تواجه المرأة العربية في مجتمعاتها ما يدفعها للتقلب بين ثلاثة مجتمعات اثنان منها عربية.. فزايا بطلة الرواية رمز لكل امرأة فقدت هويتها.. ولم ترض بأن تبقي علي هامش الحياة كما أريد بها!.. فقد ظلت البطلة رغم ضآلة جسمها تشهر أحلامها في وجه لاءات الحياة وتقاتل..إنما وبعد أن رست علي شاطئ الحب مؤكدة أنها الحياة الحقيقية.. أخبرتنا بأن القدر لم ينه قصتها بإنفاذ حلمها الذي جدلته لها مخيلتها.. وأظنه هو ما دفع ريم لأن تختم القصة.. علي لسان بطلتها.. أناأيضا.. تمسكنت كثيرا.. وتألمت أكثر.. وحين نظرت بالأمر كله وجدتني أعيد تاريخ أبي وأتذكر رحلة البحرين الأولي.. فبنت الخادم.. تمسي خادمة ولو بعد حين.