"امرأة خائفة" هو النص الروائي الأول بعد مجموعة قصصية واحدة بعنوان "ليلة زفاف زوجي" للكاتبة الصحفية سلوي علوان. النص الجديد يستحق الحفاوة والتقدير، ليس فقط لأن صاحبته حملته أوجاع وطن ولكن أيضا لأنه نص يحتفي بلغتنا الجميلة ويبرز بقوة قدرات الكاتبة في هذا المجال، وينبض بالصدق والإنسانية، يبرز الصورة، ويصنع الحالة ولا يفلت القاريء من براثن الوجع، لكنه نص أبدا لا يقبل بالاستسلام. كتبت الرواية بضمير المتكلم حيث البطلة هي الصوت المنفرد الذي نري من خلاله كل شخصيات النص الأخري ونرصد بعيونها الوقائع التاريخية وتسير الدراما في النص في خط أفقي حيث تعتبر كل ذكري من ذكريات البطلة حدثا متناميا منغلقا علي نفسه يصنع في النهاية مع جملة الذكريات تلك الصورة الكاملة لحال الأوطان ويؤرخ لها من منظور امرأة خائفة لديها كل هذا الموروث من القهر ويشكل النص في النهاية صورة كاملة لشخصية تلك المرأة وواقعها الاجتماعي والنفسي مؤرخا لأحداث دموية مرت علي مصر والوطن العربي من خلال شخصية الصحفية بطلة النص. لم تقسم الكاتبة روايتها إلي فصول معنونة فكانت كل ذكري بمثابة فصل من فصول روايتها حيث اعتمدت تقنية استرجاع الأحداث التي تتبعثر علي درب الذاكرة دون ترتيب زمني وتتوازي مع تلك الأحداث قصة حب تبدأ في لقاء أثناء زيارة البطلة للبنان وتنتهي بالفشل قبل عامين من نهاية النص الذي تؤرخ البطلة نهايته في 2010 ،وتصر البطلة علي الربط بين الحبيب والوطن في أكثر من موضع لتجعل من قصة الحب تلك معادلا موضوعيا لانكساراتنا وكل مايعانيه من أحب الوطن من قهر ضاغط وشعور بالهزيمة. كانت التيمة الرئيسية في النص هي حالة الفرح التي تتحول إلي الحزن، ص 20"بدا المشهد مثل لوحة مجنونة لفنان تشكيلي أراد ان يجمع في لوحته صورة مزدوجة متناقضة انقسمت إلي نصفين،جانب منها يحمل حزنا وألما وموتا ووجعا ونصفها الآخر لتفاصيل ليلة عرس حية تنبض بالسعادة"، هذا المشهد يتكرر في فرح خال البطلة الذي يسقط صريعا برصاصة يتم الاتفاق علي أنها "حادث قدري"وهو الحادث الذي لم تستطع جدة البطلة "أم المتوفي" من الحياة بعده إلا لشهور قليلة. ويتكرر نفس المعني في وفاة ابنة العمة "رقية"التي التي تعتبر هي وأمها رمزين للفرح والبهجة، حيث كانت رقية تنتظر مولودا وتعيش أمها لحظات الفرح وسعادة الترتيبات المبهجة في انتظار هذا المولود ثم تموت رقية بفعل فيروس غامض،كما يتكرر في مشهد احتضان الصغيرة أحلام لأشيائها التي اشتراها والدها للمدرسة في صباح سعيد ينتهي بسقوط صخرة الدويقة وانهيار البيت وموت الطفلة أحلام، وأيضا تسقط البطلة ليلي في يوم فرح أختها وتدخل فيما يمكن تسميته غيبوبة تقترب فيها من الموت، وفي لحظة فرح العائدين إلي الوطن بعد طول اغتراب أو لأجازة سعيدة سيقضونها مع الأهل والأحباب تغرق العبارة السلام 98 بركابها. ويمكن "إستثناء"إضافة مشهد رحيل الأم كمشهد مدهش للسكينة والطمأنينة انتهي بالموت، ففي لحظة وفاة الأم تنبعث السكينة والطمأنينة في الغرفة التي تفوح منها رائحة المسك دون أن تعطر به وتصبح شديدة الإضاءة دون مصابيح إضافية وتختفي كل مظاهر المرض ويغمر النور وجهها..تعود بنت عبد الرحيم جميلة ثم تفيض روحها إلي بارئها. وقد تنقلت الكاتبة بين واقع القرية والمدينة راصدة المتغيرات، وكانت رقوة الجدة التي كانت تتلوها علي البطلة وهي تخرم العروسة الورقية هي تميمة البطلة التي تجلب لها الطمأنينة والتي ظلت تتمني أن تعيد الجدة الراحلة تلاوتها عليها علي مدار النص، في ارتباط دائم بالجذور، وفي حالة مستمرة من الحنين إلي الطمأنينة التي كانت تبعثها تلك الرقوة، وهي سكينة افتقدتها البطلة وراحة لم تحصل عليها حتي النهاية، وقد خرجت الروائية برقوتها الأثيرة من حدو\د الخاص إلي العام لتصبح طمأنينتها المفقودة هي نفسها طمأنينة الوطن المفقودة «كم أنا بحاجة إلي رقوة من جدتي الآن، ونفحة من بركتها، جدتي التي رحلت ولم تمنح الوطن رقوتها وبركتها فتركت جسده معتلاً يعاني المرض وكثرة المصائب وقسوة العلل (140 سورة علي جتتك منشورة. يكفيك شر الحسد والنفس والعين والضرر. والعين عنك يا وطن تفترق.. كما افترق الندي عن الورق. والعين عنك يا وطن تفترق.. كما افترق الندي عن الورق. اطفي يا عين. اطفي يا عين). أين إبرة جدتي لتثقب بها عين الحسد التي أصابت جسد الوطن؟ أين بركة جدتي لترتق بها جسد الوطن الذي امتلأ بالثقوب والنتوء والعلل؟" وقد أجادت البطلة توظيف الموروث الشعبي الشفاهي لأغاني الأفراح ورصعت وقائع نصها بأبيات جاهين وفاروق جويدة وصوت كاظم الساهر وعبد الحليم حافظ، وموسيقي آلة "البان فلوت" للفنان الروماني جورجي زامفير، في توظيف يبدو مثاليا لتلك النصوص والألحان والأغنيات، كما استعانت أحيانا بالأصوات "صوت القطار"للتعبير عن حالة الصداع والحالة النفسية. وقد تعددت تقنيات الكاتبة إلا أن تيار الوعي في الكتابة بدا حاضرا بقوة، من خلال لغة الشاعرة متمكنة كتبت بحساسية شديدة كما امتلكت الكاتبة القدرة علي التصوير فأوقفتنا أمام لقطات سينمائية حية في قانا وتحت التراب في الدويقة وفي مشاهد التظاهرات، وأحداث الزاوية الحمراء، وغيرها من المشاهد، حيث الصور الجمالية المركبة والصور الجزئية والموسيقي الداخلية للسرد. ورغم أننا أمام نص مأساوي غارق في السوداوية حيث لا تبدو بارقة أمل دائما إلا أن فعل المقاومة الدائم يتيح لنا الخروج من تلك الدائرة ويمثل منطلقا إيجابيا يفتح مجالات الأمل في التغيير،فالخوف لم ينف المقاومة والضغوط لم تنف القدرة علي صنع القرار، حتي وإن كان اتخاذ مثل تلك القرارات شبه مستحيل.. ومن ذلك: قرار فسخ الخطبة بابن الخال..قرار الطلاق من زوج تكرهه..قرار العمل والتعليم..قرار السفر إلي لبنان وسط الحرب الشرسة والموت والخراب، الوقوع في الحب وخوض التجربة رغم الخوف، قرار التظاهر ضد العدوان علي غزة، هي قرارات لا يمكن لامراة خائفة أن تتخذها إلا إن كانت تملك القدرة علي قهر الخوف الذي تربت عليه وكما تقول ورثته في جيناتها، وحتي عندما تنهي البطلة قصة الحب ففي ذلك شجاعة واضحة علي اتخاذ القرارات الصعبة خاصة اننا أمام علاقة تظن البطلة أنها قدرية. وتعتبر الرواية من نصوص البوح وهو ما أعطي الكاتبة مساحة واسعة لوصف مشاعرها بدقة كما قامت الكاتبة باستخدام الإحصاءات في رصد الحوادث وهو ما يتوافق مع شخصية الصحفية بطلة النص. نحن امام حالة خوف امرأة مصرية حتي النخاع يمكن اسقاطها علي المرأة العربية فكما كانت الطفلة التي ماتت في بحر البقر مصرية كان أطفال قانا عرب ..وهو اسقاط واضح علي تشارك الهم والمصير، وتبرز في النص اشكالية كثيرا ما تتعرض لها الأعمال الأولي خاصة لمن يملكون ناصية الكتابة فجاء الإفراط في الوصف والإطالة وخاصة في ثلث الرواية الأول، بينما استفادت الكاتبة كثيرا من عملها الصحفي فربما لم يكن أحد آخر سواها ليكتب نصا كهذا، فبحكم تاريخها الصحفي ومن خلال مسؤوليتها عن باب مراسيل بجريدة الأسبوع تعايشت وتفاعلت واحترقت بوجع الكثير من القصص الإنسانية حيث حصلت علي جائزة القصة الإنسانية من نقابة الصحفيين عام 2009. لقد كتبت سلوي علوان في هذا النص جزء من روحها وخبراتها وتجربتها الإنسانية.. فأبدعت لنا نصا جميلا، بقدر جماله بقدر مايسببه لنا من وجع. صدر النص عن سلسلة حروف التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة