أسامة الدليل أفضى اغتصاب البزنس للسياسة فى مصر إلى انفجار اجتماعى كبير مازالت أصداؤه وتداعياته تعصف بالأمن القومى للدولة المصرية حتى وقت كتابة هذه السطور .. وبرغم مرور 34 شهرا على خروج الملايين للمطالبة بالعيش (الخبز) والحرية والعدالة الاجتماعية ونجاحهم فى إسقاط (اللانظام السياسى) للحزب الوطنى .. فإن شيئا من ذلك لم يتحقق، لقد كان الانفجار فى جوهره صراعا بين مصر الدولة ومصر السبوبة.. لكن الأخطر أن سبل الوصول إلى الخبز ظلت تتضاءل يوميا مع توقف الاستثمارات وإغلاق المزيد من المصانع وتعطل السياحة، وبالتالى ازدياد معدلات البطالة وتراجع مؤشرات النمو الاقتصادى .. وهو ما يمثل نوعا واضحا من العقاب الجماعى للشعب المصرى من جانب (البزنس) جراء إعاقته عن ممارسه حقوقه الزوجية. والواقع أن البزنس لم يكن أبدا فى بؤرة اهتمام الحركات الثورية والقوى السياسية المنظمة بما فى ذلك حركات الإسلام السياسى وفى مقدمتها جماعة «الإخوان المسلمين».. ذلك أن الجميع قد انخرط فى سياق (السياسة) التى كانت ضحية اغتصاب أصحاب رأس المال .. وتجاهل ( البزنس) الذى هو الجانى الأصلى، وهى ذات الطريقة التى يعاقب بها المجتمع كل امرأة مغتصبة عندما يلقى عليها باللوم كله وتدفع وحدها ثمن فقدان شرفها .. بينما يظل الجانى موضع تجاهل لأن مجرد ذكره يأتى للجميع بضيق الصدر من جراء الشعور بالعار ! لكن المؤكد أن حالة النفور الإدراكى التى يعيشها المجتمع المصرى هى حالة متعمدة يسهم فيها رأس المال ويستثمر فيها بكل قوة .. وإلا فما هو التفسير المنطقى لتوقف الاستثمارات فى كل المجالات الإنتاجية والخدمية لقرابة 3 سنوات، بينما يتم ضخ أموال بالمليارات فى صناعة الإعلام فى مصر .. صحف وفضائيات خاصة لا تجد استثمارات لتمولها بالإعلانات عن منتجاتها .. وهو التمويل المنطقى لوسائل الإعلام التى يفترض بها أنها خدمة عامة .. ودعونا نتحدث هنا بمنتهى الشفافية، ذلك أن جماعات الإسلام السياسى لم تعدم منذ رحيل النظام السياسى للحزب الوطنى فى يناير 2011 حزمة من وسائل الإعلام المقروء والمسموع المرئى .. وكذلك الأمر لعدد من رموز البزنس من ذوى الارتباط بنظام الحزب الوطنى .. والخلاصة أن آلة (صناعة الإدراك) وهى الإعلام تستخدم حاليا فى تضليل الرأى العام عن استهداف العدو الحقيقى للشعب المصرى الذى انفجر فى 25 يناير 2011 وثار فى يونيو 2013 للسبب نفسه .. وهو الظلم الاجتماعى المترتب على زواج البزنس بالسياسة .. وفى الحالتين وقفت القوات المسلحة إلى جوار إرادة الشعب .. ولكنها فى أعقاب ثورة يونيو اتخذت إجراء إضافيا : أغلقت قنوات جماعات الإسلام السياسى التليفزيونية .. وتكفلت آلة التقاضى بإعلان مصادرة أموال الإخوان المسلمين وأصولهم الثابتة والمنقولة .. دون المساس بها !! المال السياسى هنا هو ابن الزنا الذى ترتب على اغتصاب المال للسياسة، وهو ينفق فى إنتاج الإعلام كما ينفق فى الإنتاج الفنى للغضب الشعبى .. فهو يمول آلة الأعلام المصرية التى تتم صناعتها واستيرادها من الصين .. وبعضها يحذف منها النسر الذهبى ويتم استبداله بعبارة التوحيد ( الشهادتين) وأحيانا بشارة رابعة العدوية .. وهو ينفق على طباعة صور مرسى كما ينفق على إنتاج صور الفريق السيسى .. المال السياسى هو أيضا الذى ينفق ملايين الدولارات على استيراد الألعاب النارية من الصين وفى مقدمتها (الشماريخ) .. والأهم والأخطر والأكثر إثارة: استيراد حبوب عقار الترامادول التى يتم استيرادها من الصين بكميات خرافية وبمبالغ تفارب المليار دولار على مدار السنوات الثلاث الماضية !! ونحن نعرف عن شحنات الألعاب النارية التى تتم مصادرتها من قبل سلطات الجمارك .. ونعرف عن شحنات الترامادول من خلال ضبطيات قوات حرس الحدود التى غالبا ما يقترن ضبطها للسلاح المهرب إلى مصر بضبط كميات من عقار الترامادول .. وهو أفيون صناعى بستخدم فى إحياء جذوة النضال (السلمى ) لشرائح من المتعاطين الشباب فى مواجهاتهم القتالية بالطوب والمولوتوف ضد قوات مكافحة الشغب منذ 25 يناير 2011 وحتى اليوم .. والخلاصة أن المال السياسى يستثمر فى كل وسائل تغييب الإدراك .. الإعلام المقروء والمرئى .. والأعلام الملونة لجمهورية مصر العربية التى تتم صياغتها وفقا لمشروعات سياسية مريبة لاعلاقة لها بالنظام الجمهورى ولا مصر ولا العروبة التى تنتسب إليها جمهورية مصر .. وهو يستثمر فى إضاءة طريق الشباب بالشماريخ التى يصل سعرها فى مصر إلى قرابة 15 دولارا للواحد.. ويستثمر فى إنارة عقولهم بالترامادول الذى تعد الهلاوس السمعية والبصرية واحدة من أبرز آثاره الجانبية .. والاستثمار هو (طلب الثمرة ) والجائزة الكبرى هنا هى الدولة المصرية التى ينبغى أن تقع فى قبضة البزنس وإلا فقدت مصر شبابها وجيشها ومؤسساتها وبنيتها التحتية .. ومكانتها فى الجغرافيا والتاريخ ! البزنس لا يرى فى التخريب أى تحديات .. فكل تخريب هو فرصة لمقاولات إعادة الإعمار .. والمشكلة أن القوات المسلحة هى التى تعيد بناء ما يخربه الغضب الجماهيرى سابق التضليل إعلاميا .. وبالتالى لا بد لهم من معاقبة الجيش .. لقد تكبدت القوات المسلحة 125 مليون جنيه لإعادة ميدان رابعة العدوية على ماكان عليه و88 مليونا أخرى لحساب ما خربه اعتصام ميدان النهضة فى الجيزة .. وهناك 10 ملايين تحملها الأزهر فى أحداث شغب الطلاب وإتلافهم للمبانى الإدارية للجامعة .. وبالتالى لابد من عقاب الأزهر .. إنها الفرص الضائعة للبزنس الذى لن يتوانى فى المستقبل عن إيجاد فرص أخرى أضخم حجما وأوسع ربحية .. بالإعلام المضلل والرايات الزائفة والشماريخ المستوردة والترامادول المجانى من أجل متعة شباب فى سن التجنيد الإجبارى ! المال السياسى (ابن زنا المال والسياسة) الذى يتم ضخه من الداخل والخارج هو الدبابة التى يستخدمها العدو الإستراتيجى للدولة المصرية .. هذا العدو الذى فشل فى الاحتلال المدنى للدولة المصرية منذ تسعينيات القرن الماضى من خلال المنظمات المدنية الممولة وطبقة رجال الأعمال ونخب الارتباط بالسوق الحر وآليات السوق وبيع القطاع العام وتصفية الطبقة الوسطى .. هذا العدو لم يعد أمامه إلا تفجير الدولة من داخلها وبسواعد شبابها الذين هم رأسمالها الحقيقى .. وتحويل مصر إلى محض مقاولة لإعادة الإعمار أى إعادتها لمربع «السبوبة» من جديد.. أما أولئك الذين يصرون على بقاء مصر الدولة .. فقد سلطوا عليهم من يقذفون بهم فى معركة الحقوق لا الواجبات .. جعلوهم قوام لعبة يتحدث فيها الكل عن الأجور .. بصرف النظر عن الإنتاج .. أى إنتاج، وهى لعبة قديمة ساذجة طالما استخدمها رجال البزنس لخراب بيوت خصومهم يتحول فيها كل مواطن .. من منتج .. لمجرد باحث عن الميراث !