الحوار الوطني يناقش التحول من الدعم العيني إلى النقدي اليوم    غدا.. بدء صرف السلع المدعمة على البطاقات التموينية لشهر أكتوبر    اتجاه لتعميم مبادرة طرح «بيض المائدة» ب150 جنيهًا    حريق ضخم في مختبر كيميائي بولاية جورجيا.. إخلاء المنطقة وإغلاق الطرق    موقف الزمالك من تجديد عقد جوميز.. وسبب غضبه قبل مباراة السوبر الإفريقي    حالة الطقس اليوم.. سقوط أمطار ليلا وانخفاض في درجات الحرارة    اصطدام «توكتوك» بتريلا ومصرع سائقه في المنوفية    ملخص مسلسل برغم القانون الحلقة 12.. زوج إيمان العاصي يحاول إنهاء حياته    اغتيال أحد قادة حماس وعائلته في غارة إسرائيلية بجنوب لبنان    4 شهداء وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على دير البلح بقطاع غزة    زيادة قيمة الدعم النقدي في مصر.. ضرورة ملحة لتحقيق العدالة الاجتماعية    القبض على أربعة متهمين بتلفيق سحر للاعب مؤمن زكريا: الحقيقة الكاملة وردود الفعل القانونية والدينية    موعد مباراة النصر السعودي ضد الريان اليوم في دوري أبطال آسيا والقنوات الناقلة    ضربات سريعة في القلب.. القصة الكاملة لدخول وخروج محمود كهربا من المستشفى اليوم    «هيئة الدواء» : شراكة استراتيجية مع«الصحة العالمية» لتعزيز نظام الرقابة على الأدوية    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الاثنين 30 سبتمبر    أوصى ببناء مقام.. سيدتان تدفنان دجالًا أسفل سريره تبركًا به في الفيوم    من مدرسة البوليس بثكنات عابدين إلى «جامعة عصرية متكاملة».. «أكاديمية الشرطة» صرح علمى أمنى شامخ    هبوط مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    «معلومات الوزراء» يستعرض التجربة الهندية فى صناعة الأدوية    تعرف على سعر الدولار اليوم في البنوك    مصرع 4 أشخاص جراء مشاجرة على قطعة أرض بأسيوط    على عاطف يكتب: سياسة واشنطن إزاء إيران حال فوز ترامب أو هاريس    موظف أمام «الأسرة»: «مراتى عايزة 4 آلاف جنيه شهريًا للكوافير»    الحوثيون باليمن: مقتل وإصابة 37شخصا في قصف إسرائيلي بالحديدة    السعودية تعرب عن قلقها البالغ من تطور الأحداث في لبنان    الأهلي يلجأ للطب النفسي بعد خسارة السوبر الأفريقي (تفاصيل)    «القاهرة الإخبارية»: أنباء تتردد عن اغتيال أحد قادة الجماعة الإسلامية بلبنان    لبنان: استشهاد 53 شخصا وإصابة العشرات في أحدث الهجمات الإسرائيلية    بعد الهزيمة أمام الزمالك.. 4 أسماء مرشحة لمنصب مدير الكرة ب النادي الأهلي    نقيب الفلاحين: الطماطم ب 50جنيها.. واللي يشتريها ب "أكثر من كدا غلطان"    العثور على جثة حارس مهشم الرأس في أرض زراعية بالبحيرة    محمد أسامة: جوميز من أفضل المدربين الذين مروا على الزمالك.. والونش سيعود قريبًا    دونجا يتحدى بعد الفوز بالسوبر الأفريقي: الدوري بتاعنا    أحلام هاني فرحات بين القاهرة ولندن    10 تغييرات في نمط الحياة لتجعل قلبك أقوى    5 علامات للتعرف على نقص الفيتامينات والمعادن في الجسم    مستقبل وطن البحيرة يطلق مبادرة للقضاء على قوائم الانتظار    مفاجآت سارة ل3 أبراج خلال الأسبوع المقبل.. هل أنت منهم؟    المفتي: الإلحاد نشأ من أفهام مغلوطة نتيجة خوض العقل في غير ميدانه    «الإفتاء» توضح حكم تناول مأكولات أو مشروبات بعد الوضوء.. هل يبطلها؟ (فيديو)    أجواء حماسية طلابية في الأنشطة المتنوعة باليوم الثاني لمهرجان استقبال الطلاب - (صور)    انطلاق أولى ندوات صالون المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي    من خلال برنامج القائد| 300 ألف يورو لاستكمال المركز الثقافي بالقسطنطينية    مكون في مطبخك يقوي المناعة ضد البرد.. واظبي عليه في الشتاء    جامعة المنيا تقرر عزل عضو هيئة تدريس لإخلاله بالواجبات الوظيفية    نسرين طافش أنيقة وفيفي عبده بملابس شعبية.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| اعتذار شيرين لشقيقها وموعد عزاء زوجة فنان وانطلاق مهرجان الجونة السينمائي    "الحماية المدنية" تسيطر على حريق هائل في سيارة تريلا محملة بالتبن بإسنا جنوب الأقصر    جثة أسفل عقار مواجهة لسوبر ماركت شهير بالهرم    سقوط غامض لفتاة يثير لغزًا في أكتوبر    الأنبا باسيليوس يترأس قداس المناولة الاحتفالية بكاتدرائية يسوع الملك    د.حماد عبدالله يكتب: فى سبيلنا للتنمية المستدامة فى مصر !!    عميد معهد القلب يكشف تفاصيل إنقاذ حياة شاب بعملية الأولى من نوعها    هل يجوز أن أترك عملي لأتابع مباراة أحبها؟.. رد صادم من أمين الفتوى لعشاق كرة القدم (فيديو)    إبراهيم رضا: الزوج الذي لا يعول أولاده خان علاقته بالله.. فيديو    مفاجأة حول المتسبب في واقعة سحر مؤمن زكريا.. عالم أزهري يوضح    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المطارد
مجتزأ من رواية قصيرة
نشر في أخبار الأدب يوم 18 - 10 - 2014


في ذكري: تشارلي باركر
كُن أمينًا حتي الموت سفر الرؤيا 2: 10
أو اصْنَع لي قناعًا ديلان توماس
اتصلّت بي ديدي ظهرا وقالت إن جوني ليس بخير، وبالتالي ذهبتُ إلي الفندق. يعيش جوني وديدي في فندق في شارع لاجرانج منذ بضعة أيام، في غرفة في الدور الرابع. كان كافيا أن أري باب الغرفة لأعرف أن جوني في أسوأ حالات البؤس: النافذة تطل علي فناء أسود تقريبًا، وعلي الرغم من أن الساعة لم تتجاوز الواحدة ظهرًا، يجب أن تُضاء الأنوار إذا أراد أحد قراءة الجريدة أو أراد حتّي أن يري وجه محدثه. لم يكن الجو باردًا، إلا أن جوني كان متدثرّا ببطانيّة، في كرسيّ رثّغشر به علي كل الجوانب قطع مائلة للصفرة. ديدي بدت أكبر سنًا، والفستان الأحمر الذي ترتديه كان يبدو سيئا عليها. هو فستان للعمل، أما تحت هذه الإضاءة وفي هذه الغرفة من الفندق، فقد تحوّل لونه إلي ما يشبه دم متجلط منفّر.
- الرفيق برونو مخلصًا كالنفس الكريه- قال جوني علي سبيل التحيّة، رافعًا ركبتيه لتحتوي ذقنه.
أحضرت ديدي لي كرسيًا وأخرجتُ من جيبي علبة من سجائر الجلوازي. أحضرتُ معي أيضًا زجاجة من الرام، ولكنني لم أرد إظهارها قبل أن أعرف تحديدا ماذا يحدث. أعتقد أن الأكثر إثارة للسخط هو المصباح الصغير المتدلّي من السقف القذر الممتليء بالحشرات. بعد أن نظرت إليه مرّة أو مرتين، وبعد أن حاولت أن أضع يدي كعاكس لهذا الضوء، سألت ديدي إن كان بإمكاننا إطفاء النور ومحاولة التعامل من خلال ضوء النافذة. كان جوني يتابع كلماتي وإشاراتي باهتمام كبير ولكن مشتتاً؛ مثل قطّة تنظر بثبات إلي نقطة ولكنّ يبدو عليها أنها في مكان آخر تماما. أخيرا، قامت ديدي وأطفأت النور. في الضوء المتبقي والذي جعل المشهد خليطًا من الأسود والرمادي، كان يمكننا أن نتعرّف إلي بعض بشكل أفضل. أخرج جوني إحدي يديه الكبيرتين والهزيلتين من تحت الغطاء، وشعرت بملمس جلده المترهل والدافيء. قالت ديدي إنها ستصنع نسكافيه. أسعدني معرفة أن علي الأقل لديهم علبة نسكافيه. أعتقد أن الشخص الذي لديه علبة نسكافيه لم يصل بعد إلي آخر البؤس؛ فما زال بإمكانه أن يقاوم قليلا.
-لم نلتقِ منذ مدّة- قلتُ لجوني-. منذ شهر علي الأقل.
-أنت لا تفعل شيئًا غير حساب الوقت- أجابني بحس دعابة سيء-. الأوّل، الثاني، الثالث، الواحد والعشرون. تضعَ كلّ شيء في صورة أرقام. وليس هناك فارق. أتعرف لماذا هي غاضبة؟ لأنني أضعت الساكس. وهي محقّة بالرغم من كل شيء.
-ولكن، كيف أضعته؟ - سألته وأنا أعرف في نفس الوقت أن هذا تحديدًا ما لا يمكن سؤال جوني عنه.
-في المترو- قال جوني-. لأطمئن علي سلامته، وضعته تحت المقعد. كان شيئًا رائعًا أن أكون راكبا المترو وأنا أعرف أنّه تحت قدميّ، وشعرتُ بالأمان.
-وانتبه لذلك عند صعوده سلم الفندق- قالت ديدي بصوت مبحوح . وكان عليّ أن أخرج مثل المجنونة لأبلغ بوليس المترو.
عرفتُ من الصمت الذي تلا كلماتها أنه كان مجهودًا ضائعًا. ولكن جوني بدأ في الضحك بطريقته المعتادة؛ ضاحكًا من وراء أسنانه وشفتيه.
-ثمة شخص فقير وبائس يحاول الآن أن يخرج منه أي صوت قال-. كان واحدًا من أسوأ آلات الساكس التي امتلكتها يومًا. كان دوق رودريجيث يلعب عليه. وبالتالي، كانت روحه مشوهة تماما. لم يكن سيئا تماما كآلة، ولكن رودريجيث يقدر أن يفسد أي آلة فقط بالعزف عليها.
-ولا تستطيع شراء واحد آخر؟
-هذا ما نحاول أن نعرفه- قالت ديدي- لدي روري فريند واحد كما يبدو؛ لكن المشكلة أن العقد الذي مضاه جوني ...
-العقد- قال جوني وهو يقلدها-. ما موضوع العقد هذا. يجب أن أعزف وانتهي الأمر. وأنا لا أملك ساكساً ولا نقودًا لأشتري واحدًا. والرفاق مثلي تماما.
الأمر الأخير ليس أكيدًا ونحن الثلاثة نعرف هذا جيّدا. ولكنّ لا أحد يجرؤ بعد الآن أن يُعيرَ جوني آلة ما، لأنه إما أن يضيعها أو ستنتهي تماما معه. لقد ضيّع الساكس الخاص بلويس رولينج في بوردكس، والساكس الذي اشترته له ديدي عندما وقع عقدًا بجولة في إنجلترا أخذ يضربه حتي تحطم إلي ثلاث قطع . لم يعد يُعرف عدد الآلات التي ضيّعها جوني أو رهنها أو كسرها. وعلي كلّ آلة منهم، كان جوني يعزف بطريقة أعتقد أن إلهًا فقط هو من يستطيع أن يعزف علي آلة ساكس بها، إذا افترضنا أن الآلهة قد تخلّوا عن القيثارة والناي.
-متي ستبدأ يا جوني؟
-لا أعرف. اليوم، أعتقد. أليس كذلك ياديدي؟
-لا، بعد غد.
-الجميع يعرفون التواريخ إلا أنا قال جوني بتذمّر رافعًا الغطاء حتّي أذنيه-. كدت أقسم أنّه هذه الليلة، وأن عليّ أن أقوم بالبروفة آخر النهار.
-الأمر سيّان- قالت ديدي-. المشكلة أنه ليس لديك ساكس.
-كيف يكون الأمر سيّان؟ ليس سيّان. بعد غد هو اليوم الذي يلي الغد، والغد هو الذي يلي اليوم. وهذا اليوم نفسه هو ما يلي "الآن"، هو حيث نتحدّث مع الرفيق برونو وأنا سأكون بحال أفضل كثيرًا إذا نسيت ما يتعلق بالوقت وشربت شيئًا ساخنا.
-ستغلي المياه الآن. اصبر قليلا.
-لا أعني بالسخونة الغليان قال جوني.
بالتالي، أخرجتُ زجاجة الرام وبدا الأمر كأننا أضأنا النور. فتح جوني فمه قليلا، مندهشًا، ولمعت أسنانه. حتّي ديدي ابتسمت لرؤيتها جوني مندهشا وسعيدًا هكذا. لم يكن الرام سيئًا مع النسكافيه علي أي حال، وشعرنا نحن الثلاثة أننا أفضل كثيرا بعد الرشفة الثانية وبعد سيجارة. كنت قد انتبهت قبل الآن أن جوني ينعزل شيئا فشيئا ويغرق في هلاوسه عن الوقت، الموضوع الذي يشغله منذ أن عرفته. رأيتُ أشخاصا قلائل مهتمّين إلي هذا الحد بكل ما يتعلق بالوقت. هوس ما؛ أسوأ هوس لديه، وجوني لديه هوس بأشياء كثيرة. ولكنه يعرض الأمر ويشرحه بلطفٍ قليلون يستطيعون مقاومته. تذكرّتُ بروفة في سينسيناتي قبل تسجيلٍ ما، وكان هذا قبل مجيئنا إلي باريس بوقت طويل، في عام تسعة وأربعين أو خمسين. كان جوني في أحسن حال وقتها. وكنت أنا ذهبت إلي البروفة لا من أجل شيء سوي أن أستمع إليه وإلي ميليس دافيس أيضًا. كان لديهم جميعًا رغبة في العزف، كانوا سعداء، كانوا يعتنون بملابسهم (ربما ما ذكرني بهذا هو النقيض الذي يحدث الآن، أعني الملابس السيئة والقذرة التي يرتديها جوني). كانوا يعزفون عن رغبة ودون نفاد صبر. تقنيّ الصوت أخذ يشير بيده من وراء النافذة، كقرد بابون راضٍ تعبيرا عن إعجابه. وتحديدًا في تلك اللحظة، عندما بدا جوني تائها في سعادته، توقف فجأة عن العزف، وأعطي لكمة لا أدري لمن وقال: "سأعزف هذه القطعة غدًا". أصاب الإحباط الرفاق، بينما ضرب جوني جبهته بيده وكرر: هذا ما سأعزفه غدًا، إنّها مقطوعة شنيعة يا ميليس، وهذا ما سأعزفه غدًا". لم يستطع أحد أن يثنيه عن هذا، ومن وقتها، سار كلّ شيء بطريقة سيئة. بدأ جوني يعزف بدون رغبة وأراد أن يرحل (ليتناول المخدرات مرّة أخري كما قال تقنيّ الصوت الذي يقتله الغضب). عندما رأيته يخرج مترنحًا، وعلي وجهه البؤس؛ سألت نفسي إن كان هذا الوضع سيستمر لفترة طويلة.
-الدكتور برنارد ما هو إلا أحمق تعِس.- قال جوني هو يلعق كوبه-. سيعطيني بعض الأسبرين ثم سيقول إنّه يحب موسيقي الجاز كثيرًا وسيضرب مثالا براي نوبل. سأقول لك شيئًا يا برونو: إن كان معي الساكس، كنت سأستقبله بموسيقي تجعله يهبط سلالم الأدوار الأربعة علي مؤخرته.
-علي كل حال لن يضرّك أن تأخذ الأسبرين -قلتُ ناظرًا بطرف عيني إلي ديدي-. إذا أردتَ، يمكنني أن أتصل به عندما أخرج من هنا حتي لا تضطّر ديدي إلي النزول. واسمع.. بشأن هذا العقد.. إذا كنت ستبدأ بعد غد أعتقد ما زال في إمكاننا أن نفعل شيئًا. أستطيع أيضًا أن أتدبّر أمر إحضار ساكس آخر لك من روري فريند. وفي أسوأ الظروف.. القضيّة هي أن عليك أن تكون أكثر حذرًا يا جوني.
-ليس اليوم- قال جوني ناظرًا إلي زجاجة الرام-. غدًا، إن أصبح معي الساكس. بطريقة ما، ما من سبب لنتكلم عن هذا الآن. يا برونو، مع الوقت أنتبه أكثر إلي إن الوقت... أعتقد أن الموسيقي تساعد دائمًا علي استيعاب هذا الأمر بشكل أفضل. حسنًا، ليس علي استيعابه؛ لأن في الحقيقة أنا لا أستوعب شيئًا. الشيء الوحيد الذي أفعله أنني ألاحظ أن هناك شيئاً ما. مثل تلك الأحلام: ليس هناك شيء أكيد،. تبدأ في الشك: كل شيء سيزول، ولديك خوف من القادم. في نفس الوقت، أنت لست متأكدّا من شيئ علي الإطلاق. في أحسن الأحوال، سينقلب كل شيء مثلما نقلب الفطيرة، وستجد نفسك نائمًا مع فتاة جميلة وكل شيء فائق الروعة والاكتمال.
تقوم ديدي بغسل الفناجين والأكواب في ركن ما. لاحظتُ عدم وجود ماء جارٍ حتّي في هذه الغرفة. رأيتُ إصيص زهور ورديّة وحوضاً جعلني أفكّر في حيوان محنّط. استمّر جوني في الحديث وفمه مغطّي حتّي نصفه بالبطانيّة. بدا لي هو أيضًا محنطا بركبتيه المضمومتين ووجهه الأسود والناعم الذي بدأ الرام والحمّي يرطبانه قليلا.
- قرأتُ بعض الأشياء حول هذا الأمر يا برونو. الأمر غريب جدّا، وفي الواقع، صعب بعض الشيء.. أنا أعتقد أن الموسيقي تساعد، تعرف هذا؟ ليس علي الفهم، لأنني في الواقع لا أفهم شيئًا.- وضرب رأسه ضامّا يديه. يعامل جوني رأسه علي إنها ثمرة جوز الهند-.
-ما من شيء بالداخل هنا يا برونو. ما من شيء يُقال. هذا الرأس لا يفكّر ولا يفهم شيئًا. لم يفعل لي شيئًا لأكون صادقًا معك. مؤخرّا، صرتُ أفهم عندما أغلق عيني، وكلما كانت مغلقة أكثر، كلما فهمت أحسن. ولكنّ هذا ليس فهما حقيقيّا، أنا متأكد من هذا.
-سوف تشتد عليك الحمي- قالت ديدي بتذمّر من قلب الغرفة.
-أوه .. اصمتي. هذا حقيقي يا برونو. لم أفكّر أبدًا في شيء، ولكنّ فجأة أنتبه إلي ما كنت أفكّر فيه. وهذا ليس شيئا لطيفًا. أليس كذلك؟ ما اللطف في أن تلاحظ أن شخصا ما كان يفكّر في شيء؟ في هذه الحالة، يتساوي أن تكون أنت من فكّر أو أي شخص آخر. أنا لستُ أنا. ببساطة، أنا أستغل ما أفكّر فيه، ولكن دائمًا في وقت لاحق؛ وهذا ما لا أطيقه. آآه، الأمر صعب، صعب لدرجة أن... ألم يتبق ولا رشفة واحدة؟
أعطيته آخر قطرات من الرام، في نفس الوقت الذي عادت فيه ديدي إلي إضاءة النور، ولم يكُن شيء يُري في الغرفة. لكن جوني ظلّ تحت البطانيّة، ومن وقت لآخر، يرتجف فيصدر المقعد صوت صرير.
-لاحظتُ هذا عندما كنتُ فتًي صغيرًا، تقريبًا بعدما تعلّمت العزف علي الساكس بوقت قصير. كان في منزلي فوضي شيطانية، ولم يكن الحديث يدور إلا عن الالتزامات والرهانات العقارية. أنت تعرف الرهن العقاري، أليس كذلك؟ لابد أنّه شيء رهيب. إذ أن المرأة العجوز كانت تشد شعرها كلّما تحدّث الرجل الهَرِم عن الرهن العقاري، وينتهون دائمًا إلي الشجار. وكنت في الثالثة عشرة.. ولكنّك سمعت كلّ هذا بالفعل.
لا يهم إن كنت قد سمعته؛ لا يهم إن كنتُ حاولت أن أكتبه جيدا وبصدق في السيرة التي كتبتها عن جوني.
-لهذا، لم يكن الوقت يمرّ أبدًا في المنزل. من شجار لشجار، تقريبًا بدون طعام. وأضف أيضًا الدين. آه، هذا لن يمكنك تخيله. أهداني معلّمي آلة ساكس إن رأيتها ستموت من الضحك، ولكن أعتقدُ أنني لاحظتُ موضوع الوقت هذا بعدها مباشرة. الموسيقي تنتشلني من الوقت، علي الرغم من أنّها ليست إلا طريقة للتعبير عنه. إذا كنت تريد أن تعرف فعلا ما أشعر به، فأنا أعتقد أن الموسيقي تُغرقني في الوقت. ولكن، علينا إذن أن نعتقد أن هذا الوقت لا علاقة له ب .. حسنًا، بنا نحن، إن كنّا نستطيع أن نقول هذا.
بما أنني تعرفتُ إلي هلاوس جوني منذ مدّة، تعرّفت إلي كلّ ما يشكّل حياته، فإنني أسمعه باهتمام ولكن دون أن أشغل نفسي كثيرًا بما يقول. وتساءلتُ في المقابل كيف استطاع أن يحصل علي المخدرات في باريس. يجب عليّ أن أسأل ديدي، لأزيلَ الشك في تواطئها. لن يستطيع جوني أن يقاوم كثيرًا في هذه الحالة. المخدرات والتعاسة لا يمكن أن يجتمعا. أفكّر في الموسيقي التي يفقدها، في عشرات التسجيلات حيث يمكن لجوني أن يواصل ترك هذا الحضور، هذا التفوّق المدهش الذي لديه علي أي موسيقيّ آخر. "سأعزف هذا غدًا" تملؤني فجأة بشعور واضح: دائمًا سيعزف جوني غدًا وكلّ شيء آخر يمكنه أن يعود إلي الخلفيّة. في هذا اليوم حيث يستطيع جوني أن يقفز بدون مجهود إلي النوتات الموسيقية الأولي لموسيقاه.
أنا ناقد لموسيقي الجاز وأحس بما يكفي لأعرف حدودي، وألاحظُ أنني أفكّر فيما وراء ما يقوله جوني المسكين بجمله المبتورة، وتنهيداته، ونوبات غضبه المفاجئة، وصرخاته. بالنسبة له، يهمه أن أراه رائعًا، ولم يصبه الغرور الكافي ليعرف أنّ موسيقاه ترتفع كثيرًا عن الموسيقي التي يعزفها زملاؤه. أفكّر بحزنٍ أنّه في المقدمة بصحبة آلته، بينما عليّ أنا أن أرضي دائمًا بالمؤخرّة. هو الفم وأنا الأذن، وذلك أفضل من القول بأنّه هو الفم وأنا... كلّ شيء أخضعه للنقد، نعم، إنّها النهاية الحزينة لشيء بدأ كنكهة، وصحبته لذة قطمه ومضغه. والفم يتحرّك الآن مرّة أخري. بشراهة، تصاحب لغة جوني العظيمة قطرات من لعاب فمه. يداه ترسمان شيئًا في الهواء.
-برونو، إن استطعت في يوم أن تكتب.. ليس عنّي، أتفهم؟ ولكن إليّ. أن تكتب ما يهمنّي. ولكن يجب أن تكون كتابة جميلة، أنا أشعر بأنها يجب أن تكون جميلة. كنتُ أقول لك إنني عندما بدأتُ العزف وأنا فتي، لاحظتُ أن الوقت يتغيّر. حكيتُ هذا في يومٍ ل جيم وقال لي إن الجميع يشعرون بالأمر نفسه، وإن عندها يبدأ المرء في أن يكون مجرّدّا. قال هذا: يكون مجرّدا. ولكن لا، أنا لا أتجرّد عندما أعزف. فقط أشعر بأنني أغيّر مكاني. كأنّك في مصعد، أنت في المصعد تتحدث مع الناس ولا تشعر بأي غرابة، وأثناء ذلك يمر الطابق الأول، العاشر، الواحد والعشرون، بينما تبقي المدينة هناك بالأسفل. وعندما تنهي الجملة التي بدأتها بدخولك إلي المصعد، وبين الكلمات الأولي فيها والكلمات الأخيرة، هناك اثنان وخمسون طابقًا. أنا لاحظتُ عندما بدأت في العزف أنني دخلتُ إلي المصعد ولكنّه كان مصعدًا للوقت، إن كان بإمكانك أن تقول هذا. لا تظن أنني نسيت موضوع الرهن العقاري أو موضوع الدَين. فقط، في تلك اللحظات، الرهن العقاري والدين كانا مثل البذلة التي لا أرتديها؛ أنا أعرف أن البذلة موجودة في الدولاب، ولكن بالنسبة لي، وفي هذه اللحظة، لا يمكنك أن تقول لي أن هذه البذلة موجودة. البذلة تكون موجودة عندما أرتديها، والرهن العقاريّ والدين يكونان موجودين عندما أنتهي من العزف وتدخل عليّ المرأة العجوز وخصلات شعرها متدلية لتشتكي من أنني أفسدت أذنها بموسيقي الشيطان هذه.
أحضرت ديدي فنجانا آخر من النسكافيه، ولكن جوني أخذ ينظر بحزن إلي كوبه الفارغ.
-موضوع الوقت هذا معقد، يستولي عليّ من كل الجهات. ألاحظ شيئا فشيئا أن الوقت ليس حقيبة فارغة يمكن ملئها. أريد أن أقول حتّي إن غيّرنا ما نملأ به الحقيبة، فإنها لن تستوعب أكثر من كميّة محددة ثم تمتليء. يملؤها بذلتان وزوجان من الأحذية. حسنًا، الآن تخيّل أنّك أفرغتها وأنّك ستضع البذلتين وزوجي الأحذية مرّة أخري، ثم لاحظت أنّها لن تستوعب سوي بذلة واحدة وزوج أحذية واحد. ولكن هذا ليس أفضل ما في الأمر. الأفضل عندما تلاحظ أن بإمكانك وضع محل كامل في الحقيبة، مئات ومئات من البذل. هذا ما تفعله الموسيقي بالوقت
عندما أعزف أحيانًا. هذا ما تفعله الموسيقي وما يفعله ما أفكّر فيه عندما أكون مستقلا المترو.
-نادرًا ما تركب المترو.
-آه، نعم. بالضبط.- قال جوني براحة-. المترو اختراع عظيم يا برونو. عندما تستقل المترو تلاحظ كل ما يمكنك وضعه في الحقيبة. ليتني لم أضيّع الساكس في المترو .. ليتني.
بدأ في الضحك وهو يسعل بينما تنظر له ديدي بقلق. ولكنه كان يشير بيديه ويخلط الضحك بالسعال مرتجفًا تحت البطانيّة مثل شمبانزي. سقطت منه دموع فابتلعها وهو يضحك.
-من الأفضل ألا نخلط الأمور- قال بعد برهة-. لقد أضعته وانتهينا. ولكنّ المترو ساعدني لألاحظ خدعة الحقيبة. انظر، الأشياء المرنة غريبة وأنا أشعر بها في كل الأماكن. كلّ شيء مرن يا فتي. حتّي الأشياء التي تبدو صلبة لديها نسبة من المرونة.
ظل يفكّر بتركيز.
- مرونة متأخرة-أضاف بشكل مفاجيء.
قمت بإيماءة اعجاب مؤيّدة. برافو يا جوني! الرجل الذي يقول إنّه ليس قادرا علي التفكير، تحيّة لجوني! الآن، أنا مهتم بشكل حقيقي بما سيقوله، وهو لاحظ هذا فنظر إليّ براحة لم أرها من قبل.
-هل تعتقد أن بإمكاني الحصول علي ساكس آخر لأعزف بعد غد يا برونو؟
-نعم، ولكن عليك أن تكون حذرًا.
-حسنًا، عليّ أن أكون حذرا.
-العقد مدته شهر- أوضحت ديدي المسكينة-. خمسة عشر يوما في بويتي دي ريمي، حفلتان، وبعض أسطوانات التسجيل. نستطيع أن نرتب أنفسنا جيّدا.
-عقد لمدة شهر- قال جوني مقلّدا إياها بتعبيرات وجه واضحة-.
بويتي دي ريمي، حفلتان، أسطوانات التسجيل .. بي-باتا-بوب بوب بوبز شرررر. ما لدي جوني هو العطش، العطش. ورغبة في التدخين، في التدخين. وخصوصا رغبة في التدخين.
عرضتُ عليه علبة الجولوازي، علي الرغم من أنني أعرف جيّدا أنّه يريد بعض المخدرات. حلّ الليل، وفي الممر، بدأت تعلو أصوات ذهاب وإياب بعض الناس، حوارات بالعربية، وأغنيّة. خرجت ديدي، غالبًا لشراء شيء ما للعشاء. وشعرتُ بيد جوني علي ركبتيّ.
-إنّها فتاة طيّبة، أتعرف؟ ولكنني أشعر بالألم. لم أعد أريدها منذ مدّة، لا أستطيع احتمالها. تثيرني حتّي الآن، أحيانا، تعرف كيف تمارس الحب مثل..-وعقد أصابعه علي الطريقة الإيطالية-ولكنّ عليّ أن أتحرر منها، أن أعود إلي نيويورك. وخصوصا أن أعود إلي نيويورك يا برونو.
-من أجل ماذا؟ هناك كانت حالتك أسوأ من هنا. أنا لا أشير إلي العمل ولكن إلي حياتك نفسها. أعتقد أن لديك هنا أصدقاء أكثر.
-نعم، أنت والماركيزة، والفتيان في النادي.. هل مارست الجنس قبل ذلك مع الماركيزة يا برونو؟
- لا.
-حسنًا، هذا شيء.. ولكن كنت أتحدّث عن المترو، ولا أدري لماذا غيّرنا الموضوع. المترو اختراع عظيم يا برونو. ذات يوم، بدأت أشعر بشيء ما في المترو ونسيته لاحقًا.. ثم تكرر بعدها بيومين أو ثلاثة. وفي النهاية لاحظته. يسهل شرح الأمر ولكنّه يبدو سهلا لأن في الواقع هذا ليس التفسير الحقيقي. التفسير الحقيقي ببساطة لا يمكن شرحه. عليك أن تستقل المترو وتنتظر حتّي يحدث لك، بالرغم من أنني أشعر بأن هذا يحدث لي وحدي. الأمر يشبه هذا: انظر.. ولكن هل فعلا لم تمارس الجنس أبدا مع الماركيزة؟ يجب أن تطلب منها أن تصعد إلي المقعد الذهبي في ركن غرفة النوم، بجانب المصباح الجميل جداً، وهكذا ينتهي الأمر.
دخلت ديدي ومعها حزمة أشياء ونظرت إلي جوني.
- اشتدت عليك الحمي. اتصلتُ بالفعل بالطبيب وسيأتي في العاشرة. يقول إنه يجب أن تلتزم الهدوء.
-حسنًا، بالطبع، ولكن أولا سأحكي لبرونو عن موضوع المترو هذا. قبل بضعة أيام، لفت انتباهي ما حدث. كنت بدأت أفكر في رحلتي، ثم فكرّتُ في لان والفتيان. وفي نفس الوقت، بدا لي أنني أسير في الحي الذي كنت أسكن فيه ورأيت وجوه الشباب الذين كنت أعرفهم في ذلك الوقت. لم يكن الأمر تفكيرا، قلت لك بالفعل مرات كثيرة إنني لا أفكر أبدا؛ بل كأنني أقف في زاوية أراقب ما أفكر فيه، ولكنني لا أفكر فيما أري. هل يحدث لك هذا؟ جيم يقول إننا جميعا متساوون، إن عموما (كما يقول) لا يفكّر المرء بنفسه. فلنفترض أن الأمر هكذا. الفكرة أنني ركبتُ المترو من محطّة سان ميشيل ثم بدأت فورًا في التفكير في لان والرفاق، وفي رؤية الحي. بمجرّد أن جلست فكرّت في كلّ هذا. ولكن في نفس الوقت، لاحظتُ أنني في المترو وأنني في دقيقة أو أخري سنصل إلي محطة أوديون، وأن الناس تدخل وتخرج. وبالتالي، تابعت التفكير في لان ورأيت أمّي العجوز وهي عائدة من التسوّق. بدأتُ أراهم جميعًا، أتواجد معهم بطريقة فاتنة لم أشعر بها منذ مدّة طويلة. تصيبني الذكريات دائما بالاشمئزاز، ولكنّ في هذه المرّة، أحببتُ كثيرًا التفكير في الرفاق ورؤيتهم. إذا بدأت أحكي كل ما رأيته لن تصدق لأن الأمر سيأخذ وقتًا. لهذا سأختصر التفاصيل. مثلا، لأخبرك شيئًا واحدًا: رأيت لان في فستان أخضر كانت ترتديه عندما ذهبت إلي "كلوب 33" وعزفت مع هامب. كنت أري الفستان ببعض الأشرطة، فيونكة، وتطريز علي الوسط والرقبة.. لا أري كل الأشياء في نفس الوقت، ولكن في الواقع كنت كأنني أمشي حول فستان لان وأنظر إليه ببطء. بعدها رأيتُ وجه لان ووجوه الفتيان، وبعدها تذكرّت مايك الذي كان يعيش في منزل مجاور، وتذكرّت الحكاية التي حكاها لي عن بعض الخيول البريّة في كولورادو، وكيف أنّه كان يعمل في مزرعة وكيف كان يتحدث فاردًا صدره كما يفعل مروضو الخيول.
- جوني-قالت ديدي من الركن الذي تجلس فيه-.
-خُذ بالك أنني فقط أحكي لك جزءاً صغيراً من كل ما كنتُ أفكّر فيه. كم من الوقت استغرقت لأحكي لك هذا الجزء الصغير؟
-لا أدري، لنقل دقيقتين.
-لنقل دقيقتين.- قال جوني-. حكيتُ لك في دقيقتين جزءاً صغيراً وليس أكثر. ماذا لو حكيتُ لك كلّ ما رأيت الشباب يفعلونه، وكيف عزف هامب "أنقذي الأمر .. يا أمّي الجميلة"، وأنا كنت أسمع كل جملة موسيقية، أتفهم؟ كل جملة موسيقية. وتذكر أن ما يفعله هامب ليس مرهقا في تذكره. ولكن إن حكيتُ لك أنني سمعت أيضًا أمي العجوز تقول جملة طويلة تتحدث فيها عن الكرنب: وتطلب العذر لأبي ولي وتقول لي شيئًا عن الكرنب.. حسنًا، لو حكيت لك بالتفصيل كل هذا، سيستغرق الأمر أكثر من دقيقتين، أليس كذلك يا برونو؟
-إن كنتَ سمعت ورأيت كلّ هذا، سيستغرق الأمر ربع ساعة علي الأقل- قلتُ له ضاحكًا.
-ربع ساعة علي الأقل، يا برونو؟ إذن ماذا ستقول إن قلت لك إنني شعرتُ بأن المترو قد توقف فجأة وخرجت من رحلتي مع لان ومع أمي العجوز وكل ذلك، ثم وجدتُ أنني في محطة سان-جيرمان-جي-بريس، التي تبعد بالضبط دقيقة ونصف عن محطة أوديون.
لم أشغل نفسي أبدًا بالأشياء التي يقولها جوني، ولكن الآن، وبالطريقة التي ينظر بها إلي، شعرتُ بالبرد.
-بالكاد دقيقة ونصف بتوقيتك- قال جوني بكيدٍ. وبالتأكيد بتوقيت المترو وبتوقيت ساعتي؛ فلتحلّ عليهم اللعنة. كيف يمكن أن أكون قد أخذت أفكّر ربع ساعة، ها يا برونو؟ كيف يمكن أن تفكّر في ربع ساعة خلال دقيقة ونصف؟ أقسم لك أن هذا اليوم لم أكن قد دخنتُ ولا حتّي ورقة واحدة-أضاف كما لو كان طفلاً يبرر لنفسه- . وبعد ذلك، تكرر الأمر. الآن، يحدث لي هذا الأمر في كل الأماكن. ولكن -وأضاف بمكر- فقط في المترو يمكنني أن أنتبه للأمر، لأن التنقل في المترو يشبه أن تكون عالقًا في الساعة. المحطات هي الدقائق، تفهمني، بتوقيت حضراتكم، بتوقيت الآن. لكن أنا أعرف أن هناك توقيتًا آخر ومازلتُ أفكّر وأفكّر.
غطّي وجهه بيديه وبدأ في الارتجاف. كنت أتمني أن أكون قد رحلت الآن، لكنني لا أعرف كيف أودّع جوني دون أن أسبب له الأذي، جوني حساس جدّا مع أصدقائه. إذا استمر الأمر هكذا، فستسوء حالته أكثر. علي الأقل مع ديدي لن يمكنه الحديث حول هذه الأشياء.
-يا برونو، إن كان بإمكاني فقط أن أعيش مثلما أعيش في تلك اللحظات، أو مثلما أكون عندما أعزف.. الوقت أيضًا يتغيّر، لقد رأيتَ ما يمكن أن يحدث في دقيقة ونصف. إذن، يستطيع شخص ما، ليس أنا فحسب، بل أنت وكل الرفاق، أن يعيش مئات السنين. إذا وجدنا الطريقة يمكننا أن نعيش ألف مرّة أكثر مما نعيش طبقًا للساعات. بهذا الهوس بالدقائق وببعد الغد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.