البداية.. أن تكتشف.. ثم تقرر.. ثم تحارب.. ثم تنتصر هذه هي المعادلة التي يجب أن يمر بها كل ابن آدم جاء للدنيا، ويعلم أنه له بها مكانًا يليق به ويستحقه.. ومن قال أن المكان بالضرورة منصب تتولاه فتسوق الناس أسفلك، أفّاك يستحق لعنة كل من سَجن نفسه في إطار وظيفي رتيب خنق بداخله نفسه وأعدم مواهبه بيديه.. مكانك هو الرتبة المهنية والحياتية التي تصل إليها فترضى حينها عن نفسك، وتبارك أيام تعبك، وتثابر حتى لا تضيع منك، وتقدم من خلالها نفسك كقيمة مرّت بتجارب في الحياة حلوة ومرّة.. فأثمرت جديدًا، ولم تكرر أنماط من سبقوها ولم تشذ في الوقت ذاته. بمعنى آخر.. بدايتك على خط الحياة الطويل الممتد من لحظة ميلادك حتى وفاتك ومن بعدها سيرتك.. تكون مع لحظة إكتشافك لمواهبك التي هي منحة ربانية، ذاتية تتدخل في صنعها العوامل الوراثية وقوانين الحياة، وملايين غيرك على طول عمر البشر الممتد من آلاف السنين، قد مُنحوا مثلها لكن تميزك سيحدده أولًا وقبل كل شئ.. أن تقرر بحسم (( أن المجال الذي يسمح لمواهبك بالتطور والبزوغ هو المجال الذي ستقضي فيه حياتك ولا تراجع )).. ومن ثم تبدأ المعركة ويبدأ الدرب الذي يشهد إخفاقات بقدر النجاحات.. لكنه حتما سيقودك إلي الإنتصار ليس بالضرورة على غيرك بقدر ما هو إنتصار لنفسك ولما مُنحت إياه من مواهب إستخدمتها فيما ينفع الدوائر المحيطة بك بداية من أسرتك إلي وطنك إلي الكون بشكل عام. وتماشياً مع الطرح.. سأستعير بعضا مما قاله الكاتب الأمريكي "ستيفن كينج" – وهو من مؤلفي القصص الإجتماعية من أبرزها الخلاص من سجن شوشانك والذي تحول إلي فيلم سيمائي وكان أثناء دراسته الجامعية من أشد معارضي الحرب على فيتنام-، ويمكن إسقاط كلام "كينج" على أي موهبة يتمتع بها المرء في شتى مناحي الحياة بداية من موهبتك في أن تكون مهنيًا – مديرًا مثلًا – ناجحا تبدع في ابتكار أساليب إدارة أكثر تقدمية وإنجازًا للوقت واقتصادًا في المال ومرورًا بالمواهب الفنية والرياضية على اتساعها وانتهاءًا بمواهب وفنون الكتابة والتي تم تخصيص الكتاب لها، حيث يقول " إذا عثرت على شىء أنت موهوب فيه.. فافعله.. افعله حتى تدمى أطرافك أو تبدأ عيناك فى السقوط من محجريهما إلى الأرض.. حتى إذا لم يكن هناك أحد يستمع لك أو يقرأ لك أو يقدر ما تقوم به فإنك سوف تشعر أن ما تفعله رائع.. لأنك أنت صانعه وتشعر بالسعادة وأنت تؤديه". وفي فصل آخر من الكتاب يروى كينج حكاية ليؤكد أن الموهبة هي جزء أصيل من المرء يولد بها ولا يمكن زرعها بداخله تعسفًا وأن الإقتداء بالبارعين في موهبة ما لن يقودك إلي النجاح إلا إذا كنت صاحب نفس الموهبة من البداية تكتشفها بالممارسة ثم تقرر أنها فيها حياتك ثم تحارب من أجل النجاح بها، حيث يقول " جاءني إبني الصغير ذات مرة وهو فى سن السابعة وقال أنه يريد أن يصبح مثل عازفى الساكس العالميين.. فأحضرت له ساكس.. وتعاقدت مع مدرب ساكس خاص ليعلمه العزف.. ثم بعد شهور قليلة إقترحت عليه إنهاء التعاقد مع المدرب والتوقف عند هذا الحد.. فوافق إبني فوراً وبكل إرتياح.. وعندها تأكدت أن الساكس لم يُخلَق لإبني.. وأن الله لم يمنحه هذه الموهبة.. فخلال الشهور السبعة كان إبني لا يتدرب سوى فى وجود مدربه.. نعم أتقن السلم الموسيقى وقراءة النوتة لكننا لم نشاهده أبداً ينطلق ويدهشنا بعزف جديد.. فما أن تنتهى الحصة التدريبية حتى يعود الساكس إلى حقيبته ويظل هكذا حتى موعد الدرس التالى.. لم يعد هناك وقت حقيقى للإبداع.. كل وقته عبارة عن استذكار للقطع التى أُعطيَت له.. وهذا ليس بالأمر الجيد.. إذا لم ينبع من العزف بهجة وفرح.. فهذا الجهد ليس سوى مضيعة للوقت.. ومن الأفضل أن نبحث له عن مجال آخر حيث تكون الموهبة أعمق ومحصلة السعادة أعلى". إذن فكونك ذاتك.. وكونك لم تدع لحظات إبداعك تمر بين يديك دون ان ترصدها وتتعرف عليها.. وكونك تقدّر ما منحك الله إياه وتثابر من أجله.. وكونك تستمتع وتُمتع بما تعمل.. وكونك تسعى لأن تضيف إلي ذاتك وإلي من حولك قيمة جديدة.. هو بالضبط قدر كونك إنسانًا أم مجرد رقم يحصيه مسئولو التعداد السكاني في مطلع كل عقد زمني.