لماذا غابت مصر عن مهرجان طوكيو فى دورته الرابعة والعشرين، الذى عُرض فيه 128 فيلما من كل دول العالم التى تنتج أفلاما؟! لماذا غابت هوليوود الشرق عن مهرجان دولى جديد؟ يوشى فوكودا منسق الأفلام فى مهرجان طوكيو، سألنى باستغراب: هل توقفت مصر عن إنتاج الأفلام؟ عرفت قصده، ولكنى أجبته: لا طبعا.. لماذا تسأل هذا السؤال؟! قال: لأن مصر التى نعرف أنها أكبر دولة عربية تنتج سينما لم ترسل أى أفلام إلى المهرجان، رغم أن مهرجان طوكيو قد كرّم السينما المصرية بعمل بانوراما ضخمة لها منذ عامين! قلت له ساخرة: ربما تأخرت الأفلام فى البريد. ضحك طبعا، وقال لى: كنا نتمنى أن نشاهد فيلما مصريا يشارك باسم بلدكم بعد ثورتها، فنحن من المعجبين بها. انتهى الحوار القصير، وما زلت لا أعرف لماذا تقصر شركات الإنتاج والمخرجون فى إرسال أفلامهم إلى المهرجانات الدولية المهمة مثل مهرجان طوكيو؟ ولماذا نظل سنويا ندور فى فلك سخف ترشيح الفيلم المصرى الفلانى ل«أوسكار» أحسن فيلم أجنبى ثم لا حس ولا خبر؟ لماذا لا نستفيد بمهرجانات دولية يعلو فيها اسم مصر بسهولة وسط دول أخرى، تناطحهم ويناطحونها فنيا بدلا من البكاء على أطلال العالمية والسعى قفزا وزحفا للمشاركة فى مهرجانات عربية يعرفنا أهلها ونعرفهم، بينما يريد عالم آخر أن يعرفنا ونحن مصرون على الجرى فى نفس التراك دون ملل؟ عموما.. تم أول من أمس توزيع جوائز مهرجان طوكيو السينمائى الدولى فى دورته الرابعة والعشرين تحت شعار قوة الأفلام «Power Of Movies» فى مواجهة كل التحديات التى تواجه الإنسانية. فى قاعة سينما توهو بمنطقة روبونجى شمال العاصة اليابانية طوكيو أقيم حفل اختتام يتسم بالرصانة والبساطة والهدوء، دون عرض مسرحى ولا فتيات استعراض. فقط مذيع ومذيعة وجوائز تعلن، فالمهرجانات الكبرى لا تحتاج إلى إبهار ولا تنفق ميزانياتها إلا على راحة ضيوفها من كبار السينمائيين فى العالم، مع تأمين عروض جيدة للأفلام يهتم الجمهور بحضورها، وهو ما كان. حصل الفيلم الفرنسى «Intouchables» أو «المنبوذون»، الذى كتبنا عنه فى آخر رسالة، على الجائزة الكبرى لمهرجان طوكيو «جائزة ساكورا» لأحسن فيلم سينمائى، وقدرها خمسون ألف دولار، وتسلمها القنصل الفرنسى فى طوكيو، بينما بعث مخرجا الفيلم إريك تولدانو، وأوليفر ناكتش، بكلمة شكر إلى المهرجان. رئيس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية فى المهرجان إدوارد بيرسمان، أكد أن المسابقة الرسمية بأفلامها الخمسة عشر حفلت بكثير من الأفلام التى حازت اهتمام اللجنة، كما أثارت الجدل بين أعضائها، لكنه أشار إلى أن فيلم «المنبوذون» كان الفيلم الذى أجمع عليه جميع الأعضاء، مضيفا أن الجدل الأكبر بين أعضاء اللجنة كان يدور حول الأفلام الثلاثة، وأولها الفيلم الفائز بالجائزة، ثم فيلم «When pigs have wings» الفرنسى، والفيلم السويدى «Play». لكن فيلم «المنبوذون» حسم الجدل سريعا، وهو الأمر الذى يوضح انحياز اللجنة إلى الأفلام ذات الأفكار الإنسانية الكبرى التى تتناول قضايا الصراع بين الأغنياء والفقراء كما فى «المنبوذون»، والعداوة بين الأديان كما فى «عندما تمتلك الخنازير أجنحة»، والصراع بين السود والبيض كما فى فيلم «Play» الذى حصل على جائزة أحسن مخرج وقدرها خمسة آلاف دولار. بينما أنصف الجمهور اليابانى الفيلم الفرنسى «When pigs have wings» وأهداه جائزة الجمهور وقدرها عشرة آلاف دولار. ولم يكن غريبا أبدا أن تحصل النجمة جلين كلوز بطلة الفيلم الأيرلندى «ألبرت نوبز» والتى جسدت فيه دورا من أصعب أدوارها على الإطلاق، عندما اختارت أن تتخلى عن أنوثتها لترتدى طوال أحداث الفيلم ملابس رجل مشوه النفس. لم تحضر جلين كلوز، وبعثت بفيديو مصور تشكر خلاله مهرجان طوكيو، وكان من الإنصاف أيضا أن يحصل بطلا الفيلم الفرنسى «المنبوذون» فرانزيسكو كلوزيت وعمر ساى، على جائزة أحسن ممثل مناصفة بينهما، وجائزة التمثيل رجال ونساء، قدر كل منها خمسة آلاف دولار. أما جائزة لجنة التحكيم الخاصة وقدرها 20 ألف دولار، فقد ذهبت إلى الفيلم اليابانى The Woodsman and the Rain، والذى تدور أحداثه فى إطار شديد الدفء بين حطّاب يابانى يعيش فى الغابات ومخرج شاب يأتى مع فريق فيلمه لتصوير فيلم رعب! ويختلط العالمان المبهج والبرىء والحميم من جانب الحطاب، والانتهازى القاسى وبارد المشاعر من جانب المخرج. فيلم يستحق بما يعكسه من مشاعر متدفقة على روح المشاهد أن يكون واحدا من أهم الأفلام التى أُنتجت هذا العام فى العالم. وأخيرا حصل الفيلم الفلبينى «Trespassers» أو «المعتدون» على جائزة أحسن فيلم فى مسابقة «رياح آسيا»، وهو ما يبدو أنه لم يعجب كثيرا من حضور المهرجان المشاركين فى هذا القسم، خصوصا الوفد الإيرانى الذى لم يكمل الحفل عقب إعلان جائزة أفضل فيلم فى مسابقة «رياح آسيا»، فقد كانوا ينتظرون الجائزة عن فيلم «Mourning» الذى حصل من قبل فعليا على جائزة أفضل فيلم فى مهرجان بوسان فى دورته الأخيرة بكوريا. شاهد أفلام المهرجان ما يزيد على واحد وأربعين ألف شخص من الجمهور اليابانى، فى 315 عرضا ل128 فيلما من مختلف أنحاء العالم، وحضر أنشطة المهرجان المختلفة نحو 172 ألف زائر من مختلف أنحاء العالم. كما شاهد وسار على السجادة الخضراء للمهرجان ما يقرب من ألفى ضيف، كما جاء على لسان رئيس المهرجان توم يودا. وفى نهاية تغطية المهرجان الذى يثير البهجة فى النفس بضيوفه وأفلامه وجمهوره، كنت ألمح طوال أحداث المهرجان فى أروقة منطقة روبونجى مجموعة من الفتيات والفتيان ينادون بصوت عال عكس ما تعهده من الشعب اليابانى الذى لا يعلو صوته.. فتوجهت أخيرا لأسألهم عما يفعلونه، وعرفت أنهم يدعون للتبرع لضحايا تسونامى، وقد تبرعت لهم، وأخذت مقابل تبرعى حظاظة خضراء.. لا علاقة لها بالماسونية.