وسط تحديات شديدة، يخطو الاقتصاد المصري خطوات هامة، ضمن برنامج اقتصادي متكامل وضعته الحكومة، ووافق عليه صندوق النقد الدولي، ومنحت مصر بناء عليه قرضًا بقيمة 12 مليار دولار على أربع سنوات، مر منها عامان، ومتبقي عامان آخران. فما الذي حققته الحكومة؟ وما تعثرت فيه؟ وما التحديات التي تحتاج إلى مزيد من الجهد؟، خاصة بعد تصريحات ديفيد ليبتون، النائب الأول لمدير عام صندوق النقد الدولي، بأن الدين العام في مصر لا يزال شديد الارتفاع، وأن هناك تحديات تتمثل في البطالة والحماية الاجتماعية. تحرير أسعار الوقود خطر كبير قالت الدكتورة يُمن الحماقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، إن الحكومة حققت نجاحا ملحوظا في عدد من الملفات الاقتصادية، منذ الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، أهمها تحقيق استقرار اقتصادي كلي، وزيادة معدلات النمو، وارتفاع توقعات الصندوق بمعدل النمو، والاستقرار في سعر الصرف، وزيادة الاحتياط النقدي، وتحسن ميزان المدفوعات، وزيادة الإيرادات من العملة الأجنبية. وأضافت أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن هناك عدة أمور تحتاج إلى بذل جهد كبير، وهي متعلقة بتحديد الأولويات خلال المرحلة المقبلة، لاستثمار الإنفاق الضخم الذي تم في السنوات الأربع الماضية، وترتب عليه مديونية داخلية وخارجية كبيرة للغاية، حيث إنه من المهم استثمار هذا الأمر ببعد اقتصادي اجتماعي، خاصة في ظل ارتفاع معدل البطالة بين الشباب والفقراء، لتوفير فرص عمل، عبر تنشيط القروض متناهية الصغر، والتدريب والتأهيل، وأن يكون على رأس الأولويات. وتابعت: «بالإضافة إلى الاهتمام بخريجي التعليم الفني، وتفعيل فرص العمل للذكور والإناث، لمكافحة الفقر، حيث إن برنامج تكافل وكرامة غير كافٍ لتوفير احتياجاتهم، فمثل هذه البرامج تخفف من حدة الإصلاح الاقتصادي، ولكن في المقابل يجب أيضًا تحويل الفقراء لطاقات إنتاجية ضخمة». وأوضحت الدكتورة يمن الحماقي، هناك ضرورة مُلحّة لمواجهة عجز الموازنة والدين الداخلي، الذي وصل لمرحلة خطيرة، وضم القطاع غير الرسمي إلى الرسمي. وطالبت أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس الحكومة بضرورة تأجيل تحرير أسعار الكهرباء والطاقة، لأنه سيؤثر بشكل سلبي للغاية على صغار المنتجين، لضمان عدم تخارجهم من السوق، الذين لم يفيقوا حتى الآن من زيادة ضريبة القيمة المضافة، وأسعار الكهرباء والطاقة، حتى نصدمهم بزيادة جديدة، مبدية رجاءها للحكومة بدراسة آثار الزيادات المنتظرة على التنافسية في الإنتاج. قاعدة انطلاق قال الخبير الاقتصادي شريف دلاور، أستاذ الإدارة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، إن مصر ما زال أمامها مشوار طويل صعب وشاق للغاية، ولكننا استطعنا خلال السنوات القليلة الماضية، وضع قاعدة اقتصادية كبيرة للمرحلة الثانية وهي مرحلة الانطلاق، وهي الأصعب، وإذا تغلبنا عليها، سنصل للمحطة الثالثة والخاصة برفع مستوى معيشة المواطن المصري، وتحقيق نهضة حقيقية. وأضاف دلاور، أن مهمتنا في الفترة المقبلة العمل على الاقتصاد الحقيقي الذي هو أساس النمو، مشيرًا إلى أهمية تكثيف الدولة جهودها لتشجيع القطاعات الإنتاجية، مضيفًا أن رفع الإنتاجية والجودة والابتكار ودعم المشروعات الصناعية، مسؤولية مشتركة بين مراكز الأبحاث والجامعات والصناعة والحكومة. «ميهمنيش صندوق النقد، ومستوى رضائه من عدمه، فنحن من وضعنا البرنامج الاقتصادي الذي يناسبنا، والصندوق وافق على ما في صالح مصر، وأعطانا القرض طبقا للبرنامج الذي حددناه، والأهم بالنسبة له هو مدى قدرتنا على السداد» هكذا رد دلاور على ما يخص الأهداف التي تحققت عقب الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، ومدى تقييمه للوضع الاقتصادي، مؤكدًا ضرورة عدم الاستجابة لكل ما يطلبه الصندوق، إذا كان في غير مصلحتنا، فهو يتوافق مع غالبية أهدافنا، وليس كلها، فهو لم يقترح الشبكة القومية للطرق رغم أهميتها القصوى لنا. إجراءات الإصلاح.. دواء مُر وأوضح أستاذ الإدارة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا أن غالبية الإجراءات والقرارت التي اتخذتها الحكومة ضمن برنامجها الإقتصادي الذي تم منحنا قرض الصندوق بموجبه، كانت مجبرة عليها، ليس من الصندوق، ولكن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، تطبيقًا للمثل القائل «مجبر أخاك لا بطل»، فلولا تحرير سعر الصرف لكان الدولار وصل إلى 40 أو 50 جنيهًا، وهذا كان يعني كارثة. كما أن تحرير وترشيد دعم الطاقة كان ضروريًا للغاية، منذ سنوات طويلة -وفقًا لدلاور- حيث كانت الدولة تدعم الطاقة للمصانع وشركات عالمية، بالإضافة إلى دعمها لأجانب أنشأوا مشروعات تعتمد على التصدير بناءً على دعم الطاقة، بخلاف أن الفنادق الكبرى، كانت تحصل على طاقة مُدعمّة، رغم الملايين من الجنيهات التي تكسبها، وهذا كان يشوه القاعدة الاقتصادية. وفيما يخص دعم الطاقة للمواطن فالدولة تريد أن تحافظ على دعم الطاقة للمواطن، وهو ما دعاها لتوصيل الغاز الطبيعي ذات التكلفة المنخفضة، لنحو 2.6 مليون مواطن، بدلاً من أنابيب البوتاجاز التي تصل تكلفتها لأرقام قياسية، إذن الدعم موجه للفئات محدودة الدخل، حسب دلاور. وتابع: «إن كنت أعترض على أن يحصل مالك سيارة ثمنها 300 ألف جنيه على بنزين 92 مدعوما، فعلينا كطبقة وسطى أن نتعامل بالشكل الحقيقي والعادل مع مقدرات الدولة، والتقليل من الإسراف فيها». سداد الديون الخارجية.. تحدٍّ كبير «أهم تحد سيواجه الحكومات المقبلة هو معضلة سداد الديون الخارجية والداخلية» هذا ما يراه شريف دلاور، مطالبًا بضرورة العمل على زيادة إيرادات الدولة، وتوفير النقد الأجنبي، لتقليل الدين الخارجي، وزيادة الإنتاجية في المؤسسات العامة أو الخاصة «رأس المال، الأرض، العنصر البشري». ويجب علينا الانتباه لكون نصف الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة، البالغ 44 مليار دولار «مش بتاعنا»، والعمل على زيادة حصيلته. وأضاف «نحن نبني للمستقبل، ولم يكن لدينا رفاهية التأخير»، مؤكدا أن ما يحدث الآن من إنشاء مدن جديدة وشبكة طرق عملاقة، يشبه نهاية حكم الرئيس السادات حينما شرع في بناء هذا العدد الضخم من المدن الجديدة مثل العاشر من رمضان و6 أكتوبر ومدينة السادات، وغيرها من المدن، التي تحولت إلى قلاع صناعية وسكانية، وبدونها تخيلو كيف كان الوضع الآن. كما أن المشروعات التي تم تنفيذها تنضم إلى الاستثمارات طويلة المدى، كما وفرت الآلاف من فرص العمل، في وقت كنت ستواجه أزمة بطالة شديدة، وحركّت صناعات كثيرة مثل الأسمنت والحديد ومواد البناء وغيرها. القدرة على السداد وقال الدكتور مختار الشريف، الخبير الاقتصادى وأستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، إن البرنامج الاقتصادي بين الصندوق ومصر له عدة مراحل، مصر هي من وضعت البرنامج، ووافق عليه الصندوق، وبناءً عليه حصلنا على أجزاء منه، ومتبقي أجزاء أخرى، وهم يتابعون تنفيذ البرنامج، للاطمئنان على قدرتنا على السداد ليس أكثر، موضحًا أن تنفيذ البرنامج يسير بما يرضي الطرفين. تصريحات نائب مدير صندوق النقد الدولي، عن تخوفه من البطالة ورفع دعم الطاقة، والبعد الاجتماعي، هي مجرد تحديات عامة تواجه مصر، والصندوق ليس له أي سلطة فيما يخص مدى تنفيذ البرنامج الزمني وبنود البرنامج، رغم أن كلامه منطقي جدًا. أبرز التحديات يرى الشريف أن تحدي النمو السكاني الكبير هو أهم تحدّ يواجه مصر المرحلة المقبلة، حيث انفرط عقد النمو السكاني، بعد أن كان 1.8 مليون سنويًا قبل عام 2011، لينفجر بعد هذا التاريخ ويصبح 2.4 مليون سنويًا. وأضاف أن سداد الديون تحد مهم، ولكن الأهم هو القدرة على السداد، عبر زيادة الإنتاج وكل عناصره، لتغطية الديون.