قرص واحد بسعر حبة الأسبرين، يمكن أن يحد قدرتك على الإنجاب لفترة زمنية معينة، ويكون إحدى طرق تحديد النسل، ووقف سباق البشر مع الأرانب، وإيجاد حل لمشكلة الزيادة السكانية لدى العديد من الدول ذات الكثافة العالية، هذا ملخص الإنجاز العلمي الذى بدأت أولى خطوات تحقيقه في جامعات أمريكا قبل نحو 62 عامًا، ولم تكن أبحاث العلماء المصريين فى كلية الطب بجامعة القاهرة بمنأي عنه.. التفاصيل نشرتها «آخرساعة» في تقرير، نعيد نشره بتصرف محدود في السطور التالية: توصل علماء أمريكا إلى أقراص وحقن جديدة لمنع الإنجاب عند الرجال.. الأدوية الجديدة رخيصة، وانتهت تجارب المعمل للأدوية الجديدة.. ونجحت التجارب بنسبة 100%، وسيتم إنتاج هذه الأدوية في صورة حقن أو أقراص. القرص الواحد يكفى الرجل أسبوعًا، والحقنة تكفيه ستة أشهر، وإذا امتنع عن تعاطى هذه الأدوية عاد إلى حالته الأولى وأصبح منجبًا للأطفال.. وقد شارك قسم التناسل بكلية الطب بجامعة القاهرة فى الأبحاث الخاصة بأدوية تحديد النسل للرجال أيضًا. الحكاية و«آخرساعة» تقدم الحكاية فى هذا التحقيق القصة الكاملة للانتصار العلمي الضخم الذى تتابعه الدوائر العلمية والصحف العالمية باهتمام كبير، وقصة الاكتشاف العلمى الخطير بدأت عام 1958 في معامل «سترلنج» فى مدينة ريتسلرز بولاية نيويوركالأمريكية.. كان العلماء يبحثون عن علاج الدوسنتاريا الأميبية، وتمكنوا من الوصول إلى مادة صناعية اسمها «البيزديامين» وقرروا تجربتها على الفئران أولًا، وفوجئ العلماء بنتيجة غريبة لم يكونوا يتوقعونها. لقد توقفت ذكور الفئران عن إنتاج الزيجوت، وما زاد دهشتهم أن المادة الجديدة أثرت على الزيجوت وحده، ولم تؤثر على أية هرمونات أخرى ينتجها الجسم ويحتاج إليها فى وظائفه الرئيسية الهامة. وبدا من هذه النتائج أن مادة البيزديامين سيكون لها مستقبل باهر فى عالم تحديد النسل. وعلى الفور بدأت أبحاث جديدة أشرف عليها الدكتور وارين نلسون المدير الطبى لمكتب السكان فى معهد روكفلر، والدكتور كارل هيللر الأستاذ بكلية الطب بجامعة أوريجون، والدكتور جون ماكلويد أستاذ التناسل المساعد بكلية الطب بجامعة كورنيل. والخطوة التالية كانت خطيرة، إذ كانت تقتضى تجربة البيزديامين على البشر، ولم يكن من السهل إقناع أى شخص بدخول تجربة قد يخرج منها فاقدًا قدرته على إنجاب الأطفال، لكن عددًا من المذنبين والمجرمين في سجون أوريجون وافقوا على إجراء التجارب عليهم. وقد عبّر واحد من السجناء عن تردد زملائه فقال: «حينما تغامر برجولتك، فإن عليك أن تفكر أكثر من مرة قبل الإقدام على خطوة كهذه». ◄ اقرأ أيضًا | طريقة جديدة لعلاج العقم غير المبرر لدى النساء وقبل أن نمضى فى وصف قصة الدواء الجديد كاملة، يجب أن نوضح حقيقة علمية هامة وهى أن هناك فارقًا كبيرًا بين الإخصاب والقدرة الجنسية.. إن الإخصاب أى إنتاج الزيجوت لا يعني مطلقًا القدرة الجنسية، كما أن القدرة الجنسية قد تزيد وتنتعش عند رجال غير مخصِبين أى لا ينتجون زيجوت، أى لا ينجبون أطفالًا.. ولنعد الآن مرة أخرى إلى تكملة قصة الانتصار العلمي، فقد تبيّن من نتائج تجربة الدواء الجديد على السجناء أن كل منْ تعاطى مرتين من «البيزديامين» يوميًا ولمدة أسبوعين قد نقص إخصابهم. وكان الدكتور جون ماكلويد من أكبر الإخصائيين فى العالم فى أبحاث الإخصاب، بل إنه أسّس مع زميل له يُدعى چورچ بابانياكولو، قواعد وتجارب واختبارات جديدة فى هذا الفرع الجديد من العلوم الطبية، لقد كان اشتراكه فى الأبحاث عاملًا هامًا من عوامل نجاحها. وقد وجد الباحثون أن إنتاج الزيجوت فيمنْ يتعاطون الدواء الجديد قد توقفت تمامًا بعد مئة يوم. وجاءت الخطوة الثالثة، وكانت تجربة الدواء على أشخاص متزوجين فعلًا، ووافق عدد من الأطباء المشتركين فى الأبحاث أن يكونوا هم كبش الفداء، أو حقل التجارب.. كانوا جميعًا قد أنجبوا أربعة أبناء أو أكثر ولم يكن إنجاب المزيد من الأولاد أمرًا هامًا بالنسبة لهم. واستمر الأطباء فى تعاطى الدواء الجديد حتى وقعت مفاجأة لم تكن فى الحسبان. ◄ كوب من البيرة كان واحد من هؤلاء الأطباء جالسًا فى نادٍ، وطلب زجاجة من البيرة، شرب منها كوبًا واحدًا، ثم فوجئ بازدياد ضربات قلبه واضطراب أعصابه بصورة واضحة، وظن الطبيب للوهلة الأولى أنه قد أصيب بسكر مفاجئ وأنه أصبح مخمورًا، لكن زملاءه الآخرين مروا بنفس هذه الأعراض عند تعاطيهم البيرة أو أى خمور، وعرفوا أن مادة «البيزديامين» تتفاعل مع القليل من الكحول تفاعلًا يتلف الجهاز العصبي.. ولكن التجارب استمرت. واستطاع الأطباء استخلاص مادة لا يزال اسمها سرًا علميًا من نفس مادة «البيزديامين» وأشاروا لها بالرمز (X)، وهى أساس الدواء الجديد، إذ إن لها نفس تأثيره مع عدم قابليته للتفاعل مع الكحول، وفى نفس الوقت الذى كان أطباء نيويورك مشغولين بعقار «البيزديامين»، كانت مجموعة أخرى من الأطباء وعلى رأسهم الدكتور نلسون رئيس قسم التناسل بجامعة أوريجون، يجرى أبحاثه على نوع آخر من المواد الكيميائية اسمه «الدينوتروبيرول»، وهذه المادة أشد أثرًا من المادة الأولى، وتمتاز بقدرتها على إيقاف إنتاج الزيجوت بسرعة أكثر. وقد بدأ إنتاج أقراص «الدينوتروبيرول» بكميات كبيرة ابتداء من يوم 2 أبريل من هذا العام (1963)، وقدم الدكتور تقريرًا طبيًا مفصلًا عن المركّب الكيميائى الجديد للجمعية الطبية الأمريكية فى اجتماعها السنوى هذا العام. ويقول نلسون إن هذه المادة تمتاز بأن زمن تأثيرها أطول وأكثر مفعولًا، كما أن جرعات صغيرة منها تكفى لوقف إنتاج الزيجوت. ◄ موعد إنتاج الدواء ويقول الدكتور جون ماكلويد أستاذ التناسل المساعد بكلية الطب بجامعة كورنيل: إن الأدوية الجديدة ستباع قريبًا فى جميع الأجزاخانات وسيتم إنتاج جميع المواد الكيميائية الجديدة فى نوعين النوع الأول أقراص يتعاطاها المريض بالماء أو عصير البرتقال عن طريق الفم، وهذه الأقراص الحجم الصغير منها يكفى الرجل أسبوعًا والحجم الكبير يكفيه أسبوعين، وهناك حجم ثالث تكفى الحبة الواحدة منه شهرًا كاملا، والصورة الثانية التى تم إنتاجه عليها هى الحقن، والحقنة الواحدة تجعل الرجل غير قابل على الإنجاب من ثمانية إلى تسعة أشهر. ◄ أحلام قديمة والآن، بقى خبر تعلنه «آخرساعة» لأول مرة.. إن مصر مشتركة فى أبحاث تحديد النسل عن طريق الأدوية الجديدة للرجال، فالدكتور أنور الإتربى أستاذ قسم التناسل بكلية طب جامعة القاهرة، يقوم بمتابعة هذه الأبحاث والاشتراك فيها مع زملائه فى القسم، ويشترك قسم التناسل مع أقسام الكيمياء الحيوية فى جامعتى القاهرة وأسيوط. والدكتور الإتربي يقول إن هناك طرقًا أخرى لتحديد النسل عن طريق الرجال باستخدام الهرمونات. («آخرساعة» 21 أغسطس 1963)